|
الصفحة الرئيسية | السلوك | الإيمان | الإدمان وعلاجه |
سلوك الناصح |
ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه وملاك ذلك كله |
|
قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ فقلت له بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه فقال كف عليك هذا فقلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس على وجوههم في النار أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم } ([1]) يقول معاذ بن جبل { كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْت يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ} وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقَدْ أَصَابَنَا الْحَرُّ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَبُهُمْ مِنِّي فَدَنَوْت مِنْهُ وذكر ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الجزء من الحديث عن أربعة أشياء رأس الأمر ، وعموده ، وذروة سنامه وملاك الأمر كله وفي الرواية الآتية أخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بتوسع أكثر في الخبر عن الثلاثة أشياء الأول رأس الأمر ، وعموده ، وذروة سنامه فعن معاذ قال قال لي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم { إنْ شئتَ حدَّثتُك برأسِ هذا الأمرِ وقِوام هذا الأمرِ وذِروة السَّنام } ، قلتُ بلى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنَّ رأسَ هذا الأمر أنْ تشهدَ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له ، وأنَّ محمَّداً عبده ورسولُه ، وإنَّ قِوام هذا الأمر إقام الصَّلاة ، وإيتاءُ الزكاة ، وإنَّ ذِروة السَّنام منه الجهادُ في سبيل الله ، إنَّما أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ حتّى يُقيموا الصّلاة ، ويؤتوا الزَّكاة ، ويشهدوا أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك ، فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلاَّ بحقِّها ، وحسابُهم على الله عز وجل } قوله صلى الله عليه وسلم أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ أَيْ بِأَصْلِ كُلِّ أَمْرٍ أَيْ أَمْرُ الدِّينِ( الْإِسْلَامُ ) رأس الأمر الإسلام يعني الدين الذي بعث به وهو الإسلام ، وقد جاء تفسيرُه في الرواية الأخرى بالشهادتين ، فمن لم يقرَّ بهما ظاهراً وباطناً ، فليسَ من الإسلام في شيء . ( وَعَمُودِهِ ) أَيْ مَا يَقُومُ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ عمود الشيء هو الذي يقيمه، ولا ثبات له في العادة بغير عمود. عموده الصلاة فقِوام الدين الذي يقومُ به الدِّين كما يقومُ الفسطاطُ على عموده ، فهو الصلاة ، وفي الرواية الأخرى { وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة } وهي أركان الإسلام وارتباط بعضها ببعض . وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ َالسَّنَامُ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ ظَهْرِ الْجَمَلِ قَرِيبَ عُنُقِهِ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ َذِرْوَةُ سَنَامِ هذا الدين هو الْجِهَادُ فذروة كل شيء أعلاه وذروة سنام البعير طرف سنامه والجهاد لا يقاومه شيء من الأعمال، كما روى أبو هريرة قال { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده، قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال: ومن يستطيع ذلك؟ } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذي نفسُ محمدٍ بيده ، ما شحب وجهٌ ، ولا اغبرَّت قدمٌ في عملٍ يُبتغى فيه درجات الجنَّة بعدَ الصلاة المفروضة كجهادٍ في سبيل الله ، ولا ثَقَّلَ ميزانَ عبدٍ كدابَّةٍ تنفق له في سبيل الله ، أو يُحمل عليها في سبيل الله عز وجل } وأمَّا ذِروة سنامه وهو أعلى ما فيه وأرفعه فهو الجهاد ، وهذا يدلُّ على أنَّه أفضلُ الأعمال بعدَ الفرائض وفي الصحيحين عن أبي ذرٍّ قال قلتُ { يا رسولَ اللهِ ، أيُّ العمل أفضلُ ؟ قال { إيمانٌ بالله وجهادٌ في سبيله } أَلَا أُخْبِرُك بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ملاك ذلك كله اللسان الْمِلَاكُ مَا بِهِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَتَقْوِيَتُهُ ، أَيْ بِمَا تَقُومُ بِهِ تِلْكَ الْعِبَادَاتُ جَمِيعُهَا وأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِسَانِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ أَمْرَ اللِّسَانِ صَعْبٌ . وَالْمَعْنَى لَا تَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيَك ، فَإِنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ وَمَنْ كَثُرَ سقطه كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَلِكَثْرَةِ الْكَلَامِ مَفَاسِدُ لَا تُحْصَى فقوله: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ ثم أخذ بلسانه وقال كف عليك هذا فهذا معناه أنه حضه أولاً على جهاد الكفر، ثم نقله إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس وقمعها عن الكلام فيما يؤذيها ويرديها، فإنه جعل أكثر دخول الناس النار بسبب ألسنتهم حيث قال: " ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ " وقوله : { ألا أُخبرك بملاك ذلك كُلِّه } قلتُ بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسانه فقال { كُفَّ عليك هذا } إلى آخر الحديث . هذا يدلُّ على أنَّ كفَّ اللسان وضبطه وحبسه هو أصلُ الخير كُلِّه ، وأنَّ من ملك لسانه ، فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه وفي الحديث المتفق عليه { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت } وفي حديث آخر " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة " . عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه } ([2]) { أمسك هذا } ، وأشار إلى لسانه ، فأعادها عليه ، ولما قال معاذ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ أَيْ هَلْ يُؤَاخِذُنَا وَيُعَاقِبُنَا أَوْ يُحَاسِبُنَا رَبُّنَا بِجَمِيعِ ما نتكلم به فقال { ثكلتك أمُّك ، أَيْ فَقَدَتْك وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ في الظَاهِرِ ، وَلَا يُرَادُ وُقُوعُهُ ، بَلْ هُوَ تَأْدِيبٌ وَتَنْبِيهٌ مِنْ الْغَفْلَةِ وَتَعْجِيبٌ وَتَعْظِيمٌ لِلْأَمْرِ هل يَكُبُّ النَّاسَ على مناخرهم في النَّار إلاَّ حصائدُ ألسنتهم )) ( وَهَلْ يَكُبُّ ) كَبَّهُ إِذَا صَرَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ ، أَيْ هَلْ تَظُنُّ غَيْرَ مَا قُلْت وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ أَيْ يُلْقِيهِمْ وَيُسْقِطُهُمْ وَيَصْرَعُهُمْ ( عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ ) وَالْمَنْخِرُ الْأَنْفِ ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلنَّفْيِ خَصَّهُمَا بِالْكَبِّ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ الْأَعْضَاءِ سُقُوطًا ( إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ) أَيْ مَحْصُودَاتُهَا ، فإن لِسَانُ بَعْضِ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْكَلَامِ حَسَنًا وَقَبِيحًا . وَالْمَعْنَى لَا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ الْكُفْرِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتَانِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا الْحُكْمُ وَارِدٌ عَلَى الْأَغْلَبِ أَيْ عَلَى الْأَكْثَرِ لِأَنَّك إِذَا جَرَّبْت لَمْ تَجِدْ أَحَدًا حَفِظَ لِسَانَهُ عَنْ السُّوءِ وَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ شَيْءٌ يُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ إِلَّا نَادِرًا . فالمرادُ بحصائد الألسنة جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته ؛ فإنَّ الإنسانَ يزرع بقوله وعمله الحسنات والسَّيِّئات ، ثم يَحصُدُ يومَ القيامة ما زرع ، فمن زرع خيراً من قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامةَ ، ومن زرع شرَّاً مِنْ قولٍ أو عملٍ حصد غداً النَّدامة . وظاهرُ حديثِ معاذ يدلُّ على أنَّ أكثر ما يدخل النَّاسُ به النار النُّطقُ بألسنتهم، فإنَّ معصية النُّطق يدخل فيها الشِّركُ وهو أعظمُ الذنوب عندَ الله عز وجل ويدخل فيها القولُ على الله بغير علم ، وهو قرينُ الشِّركِ ، ويدخلُ فيه شهادةُ الزُّور التي عدَلت الإشراك بالله عز وجل، ويدخلُ فيها السِّحر والقذفُ وغيرُ ذلك مِنَ الكبائر والصَّغائر كالكذب والغيبةِ والنَّميمة ، وسائرُ المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من قول يقترن بها يكون معيناً عليها وفي حديث أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال { أكثرُ ما يُدخِلُ النَّاسَ النارَ الأجوفان الفمُ والفرجُ} وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال { إنَّ الرجلَ ليتكلَّمُ بالكلمة ما يتبيَّنُ ما فيها ، يَزِلُّ بها في النَّار أبعدَ ما بينَ المشرق والمغرب } وفي رواية { إنَّ الرجلَ ليتكلَّم بالكلمة لا يرى بها بأساً ، يهوي بها سبعين خريفاً في النار } وروى مالك ، عن زيد بنِ أسلم ، عن أبيه أنَّ عمرَ دخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو يجبذ لسانه ، فقال عمر مه ، غفر الله لك ! فقال أبو بكرٍ هذا أوردني الموارد . وقال ابنُ بريدة رأيتُ ابنَ عبَّاسٍ آخذاً بلسانه وهو يقول ويحك ، قُلْ خيراً تغنم، أو اسكت عن سُوءٍ تسلم، وإلا فاعلم أنَّك ستندم، قال فقيل له يا ابن عبَّاس، لم تقولُ هذا ؟ قال إنّه بلغني أنَّ الإنسان أراه قال ليس على شيءٍ من جسده أشدُّ حنقاً أو غيظاً يَوْمَ القيامةِ منه على لسانه إلا من قال به خيراً، أو أملى به خيراً وكان ابن مسعود يحلِفُ بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيءٌ أحوج إلى طولِ سجنٍ من لسان. وقال الحسن اللسان أميرُ البدن ، فإذا جنى على الأعضاء شيئاً جنت ، وإذا عفَّ عفت وقال يونس بنُ عبيد ما رأيتُ أحداً لسانه منه على بالٍ إلا رأيتُ ذلك صلاحاً في سائر عمله . وقال يحيى بن أبي كثير ما صلح منطقُ رجل إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله ، ولا فسد منطقُ رجل قطُّ إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله .
|
||||||||