العقيدة
الإسلامية
مقدمة
ويليها توطئة
لسماحة الشيخ صالح
الفوزان
لكتابه
الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد
الحمد لله رب العالمين.
خلقنا لعبادته، وأمرنا بتوحيده وطاعته، وهو غني عنا ونحن
المحتاجون...
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا
أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ}.
أرسل رسله داعية إلى التوحيد وإخلاص الدين... {وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره
المشركون.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى الناس أجمعين، صلى الله
عليه وعلى آله وأصحابه الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا، والذين آووا ونصروا،
وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد...
فلما كان توضيح العقيدة الصحيحة والدعوة إليها هو أهم
الأمور وآكد الواجبات؛ لأنها الأساس الذي تنبني عليه صحة الأعمال وقبولها؛
كان اهتمام الرسل صلوات الله وسلامه عليهم واهتمام أتباعهم بإصلاح العقيدة
أولا عما يناقضها أو ينقصها، وكان نصيب هذا الجانب من سور القرآن وآياته
النصيب الأوفر، وكان نصيبه من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم واهتمامه
النصيب الأكبر؛ فقد مكث في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد وإخلاص
العقيدة، ولما فتح الله عليه مكة؛ كان أول ما بدأ به هدم الأصنام والقضاء
عليها والأمر بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.
وقد أولى علماء هذه الأمة هذا الجانب قدرا كبيرا من جهودهم
وجهادهم وتعليمهم وتأليفهم، حتى شغلت كتب العقيدة حيزا كبيرا من المكتبة
الإسلامية، وصار لها الصدارة بين محتوياتها.
وقد أحببت أن أسهم بجهدي القليل في هذا العمل الجليل، فكتبت
هذه الكلمات التي أقدمها للقارئ، وهي لم تأت بشيء جديد، وإنما هي تقريب
لبعض المعلومات، وقد يكون فيها ربط لواقع الناس اليوم وممارساتهم بتلك
المعلومات، حتى يتضح حكمها ويتبين خطأ أصحاب تلك الممارسات لعلهم يرجعون،
ونصيحة لغيرهم لعلهم يحذرون.
وقد اقتبست هذه الكلمات من كتب أئمة الدين وعلماء المسلمين؛
ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وتلميذه الحافظ ابن كثير،
ومن كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه أئمة الدعوة الإصلاحية،
خصوصا كتاب "فتح المجيد"، ولا أدعي أنني أتيت بجديد، وإنما أرجو أن
أكون قربت بعض المعلومات وربطتها بواقع الناس كلما سنحت فرصة وعرضت
مناسبة.
وأصل هذا الكتاب كان حلقات أذيعت من إذاعة القرآن الكريم في
المملكة العربية السعودية، وما كان في نيتي أن تخرج في كتاب لولا تقدير
الله سبحانه، ثم إن بعض الإخوة الكرام اقترح علي جمعها وتنسيقها وإخراجها
في كتاب ليبقى نفعها إن شاء الله، وأرجو أن يكون في ذلك الخير، وأن تكون
إسهاما -ولو ضئيلا- في مجال الدعوة إلى الله سبحانه، في وقت جهلت فيه طريقة
الدعوة الصحيحة، وصار كثير من الدعاة يهتمون بجوانب ضئيلة لا تسمن ولا تغني
من جوع بدون العقيدة، ويتركون جانب العقيدة، وهم يرون الناس متورطين في
الشرك الأكبر حول الأضرحة والمزارات، ومتورطين في البدع والخرافات، ويرون
دعاة الضلال قد استحوذوا على كثير من الجهلة والعوام، وساقوهم إلى مواقع
الهلاك والضلال، واتخذوهم عبيدا لهم يتصرفون بعقولهم وأموالهم ويترأسون
عليهم بالباطل وباسم العلم والولاية.
إن كثيرا من الدعاة اليوم -مع الأسف- لا يهتمون بجانب
العقيدة وإصلاحها، بل ربما يقول بعضهم: اتركوا الناس على عقائدهم! ولا
تتعرضوا لها!! اجمعوا ولا تفرقوا!! لنجتمع على ما اتفقنا عليه
وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه... أو نحوا من هذه العبارات التي
تخالف قول الله تعالى:
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.
إنه لا اجتماع ولا قوة إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة
رسوله وترك ما خالفهما، ولا سيما في مسائل العقيدة التي هي الأساس؛ قال
تعالى: {وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، ولا يصلح آخر
هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المؤلف / الشيخ صالح الفوزان
العقيدة
الإسلامية
العقيدة الإسلامية هي التي بعث الله بها رسله وأنزل كتبه
وأوجبها على جميع خلقه الجن والإنس؛ كما قال تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}، وقال
تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
فكل الرسل جاءوا بالدعوة إلى هذه العقيدة، وكل الكتب
الإلهية نزلت لبيانها وبيان ما يبطلها ويناقضها أو ينقصها، وكل المكلفين من
الخلق أمروا بها، وإن ما كان هذا شأنه وأهميته لجدير بالعناية والبحث
والتعرف عليه قبل كل شيء، خصوصا وأن هذه العقيدة تتوقف عليها سعادة البشرية
في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}.
ومعنى ذلك: أن من أفلت يده من هذه العقيدة؛ فإنه يكون
متمسكا بالأوهام والباطل؛ فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! {ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ
الْبَاطِلُ} ، وبالتالي يكون مصيره إلى النار وبئس القرار.
والعقيدة معناها: ما يصدقه العبد ويدين به.
فإن كانت هذه العقيدة موافقة لما بعث الله به رسله وأنزل به
كتبه؛ فهي عقيدة صحيحة سليمة تحصل بها النجاة من عذاب الله والسعادة في
الدنيا والآخرة.
وإن كانت هذه العقيدة مخالفة لما أرسل الله به رسله وأنزل
به كتبه؛ فهي عقيدة توجب لأصحابها العذاب والشقاء في الدنيا والآخرة.
والعقيدة السليمة الصحيحة تعصم الدم والمال في الدنيا وتحرم
الاعتداء عليهما وانتهاكهما بغير حق؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا
إله إلا الله؛ فإذا قالوها؛ عصموا مني دماءهم وأموالهم؛ إلا بحقها)
. وقال صلى الله عليه وسلم: (من
قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه
على الله عز وجل) . رواه مسلم.
وهي أيضا تنجي من عذاب الله يوم القيامة؛ فقد روى مسلم عن
جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من
لقي الله لا يشرك به شيئا؛ دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا؛ دخل النار)
. وفي "الصحيحين"من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: (فإن
الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله؛ يبتغي بذلك وجه الله)
.
والعقيدة الصحيحة السليمة يكفر الله بها الخطايا؛ فقد روى
الترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (قال الله تعالى يا ابن آدم!
لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا؛ لأتيتك بقرابها
مغفرة). وقراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها. فشرط حصول
هذه المغفرة سلامة العقيدة من الشرك؛ كثيره وقليله، صغيره وكبيره، ومن كان
كذلك؛ فهو صاحب القلب السليم الذي قال الله فيه: {يَوْمَ
لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ}.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في معنى حديث عتبان:
"ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس
كذلك؛ فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئا ألبتة ربه بقراب الأرض
خطايا؛ أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده؛ فإن التوحيد
الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب؛ لأنه يتضمن من محبة الله
وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ولو كانت قراب
الأرض؛ فالنجاسة عارضة، والدافع لها قوي..."انتهى.
والعقيدة السليمة تقبل معها الأعمال وتنفع صاحبها؛ قال
تعالى: {مَنْ عَمِلَ
صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ} .
وعلى العكس من ذلك؛ فالعقيدة الفاسدة تحبط جميع الأعمال؛
قال تعالى: {وَلَقَدْ
أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
، وقال تعالى: {وَلَوْ
أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
والعقيدة الفاسدة بالشرك تحرم من الجنة والمغفرة وتوجب
العذاب والخلود في النار؛ قال تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ} ، وقال تعالى: {إِنَّهُ
مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}
والعقيدة الفاسدة تهدر الدم وتبيح المال الذي يملكه صاحب
تلك العقيدة، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
، وقال تعالى: {فَإِذَا
انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ
مَرْصَدٍ} .
وبالتالي؛ فالعقيدة السليمة لها آثار طيبة في القلوب
والسلوك الاجتماعي والنظام العمراني.
فهناك فريقان كل منهما بنى مسجدا في عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم؛ فريق بنى مسجده بنية صالحة وعقيدة خالصة لله عز وجل، وفريق بنى
مسجده لهدف سيئ وعقيدة فاسدة، فأمر الله نبيه أن يصلي في المسجد الذي أسس
على التقوى، ونهاه أن يصلي في المسجد الذي أسس على الكفر والمقاصد السيئة؛
قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ
مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ
يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ
أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ
فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ . أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ
اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا
جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
|