|
الصفحة الرئيسية | السلوك | الإيمان | الإدمان وعلاجه |
القصص من القرآن والسنة | قصص أحداث وعبر من السنة |
|
التوبة عندما تكون من العبد وتكرارها وعندما تكون التوبة من الله وتكرارها التوبة إذا كانت من العبد فمعناها رجوعه إلى الله من ذنب وقع فيه أو من تقصير في طاعة وتكرارها من العبد رجوعه إلى الله من الذنب أو التقصير الذي وقع فيه أو في غيره أو استمرار تأكيده على الندم والتوبة من الله على عبده معناها توجيه العبد للتوبة أي تهيئته لها ليرجع عن ذنبه أو تقصيره أو قبول الله لتوبة العبد الراجع إليه من ذنبه فيغفره له ولا يحاسبه عليه ويثبته عليها وتوبته على المقصر في طاعة الله بأن يرده إلى طاعة أفضل منها وتكرار توبة الله للعبد هي تعظيم وتشريف لهذا العبد لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) { تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ } يخبر تعالى أنه من لطفه وإحسانه تَابَ عَلَى النَّبِيِّ محمد صلى الله عليه وسلم { وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ } فغفر لهم الزلات، ووفر لهم الحسنات، ورقاهم إلى أعلى الدرجات، وذلك بسبب قيامهم بالأعمال الصعبة الشاقات، ولهذا قال: { الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في وقعة "تبوك ولم يتخلفوا عنه ولم يخلوا بأمر من أوامره { في ساعة العسرة } وهو الزمان الذي وقع فيه غزوة تبوك وكانت في حر شديد، وضيق من الزاد والركوب، وكثرة عدو، مما يدعو إلى التخلف فانه قد إصابتهم فيها مشقة عظيمة من شده الحر وقلة المركب حتى كانت العشرة من الرجال يعتقبون بعيرا واحداً يركب الرجل منهم ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك ومن قلة الزاد حتى قيل أن الرجلين كانا يقتسمان تمرة وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء المتغير من قلة الماء فقد كان النفر منهم يخرجون وليس معهم إلا التمرات اليسيرة فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلا يأكلها حتى يجد طعمها ، ثم يشرب عليها جرعة من الماء فاستعانوا باللّه تعالى والمعنى : لقد تقبل الله تعالى توبة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقبل توبة أصحابه المهاجرين والأنصار ، الذين اتبعوه وأطاعوه وأخلصوا في ساعة العسرة وقد كانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة ، كما سمي من جاهد فيها بجيش العسرة وجهزهم عثمان وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم والمقصود وصف المهاجرين والأنصار بأنهم اتبعوا الرسول عليه السلام في الأوقات الشديدة والأحوال الصعبة ، وذلك يفيد نهاية المدح والتعظيم لهم وذلك لأن المؤمنين خرجوا إليها في شدة من الأمر ، في سنة مجدبة ، وحر شديد ، وفقر في الزاد والماء والراحلة . ومضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوائل بلد العدو فصالحه أهل أذرج وأيلة وغيرهما على الجزية ونحوهما ، وانصرف ومع ذلك فقد كانوا محتاجين إلى التوبة { مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ } بيان لتناهى الشدة ، وبلوغها الغاية القصوى . حتى كاد يميل قلوب طائفة منهم عن الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدائد إصابتهم في تلك الغزوة لكنهم صبروا واحتسبوا وندموا على ما ظهر على قلوبهم فتاب الله عليهم أي : تاب سبحانه على الذين اتبعوا رسوله من المهاجرين والأنصار من بعد أن أشرف فريق منهم على الميل عن التخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك ، لما لابسها وصاحبها من عسر وشدة وتعب وكادت تنقلب قلوبهم، ويميلوا إلى الدعة والسكون، ولكن اللّه ثبتهم وأيدهم وقواهم. وفى ذكر { فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } إشارة إلى أن معظم المهاجرين والأنصار ، مضوا معه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك دون أن تؤثر هذه الشدائد في قوة إيمانهم وعزيمتهم وصدق يقينهم ، وشدة إخلاصهم والمرد قبول توبتهم ، وغفران ذنوبهم ، والتجاوز عن زلاتهم التي حدثت منهم في تلك الغزوة قال ابن عباس : كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أنه أذن للمنافقين في القعود عن الخروج ، لقوله سبحانه قبل ذلك : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ . . . } وكانت توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه أي : إلى التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك وفي الآية الكريمة بيان فضل الله تعالى على رسوله وعلى المؤمنين ، حيث غفر لهم ما فرط منهم من هفوات وقعت فى هذه الغزوة وهذه الهفوات صدرت منهم بمقتضى الطبيعة البشرية ، فليس معنى الزلة أنهم زلوا عن الحق الى الباطل ولكن معناها أنهم زلوا عن الأفضل إلى الفاضل وإنهم يعاتبون به لجلال قدرهم ومكانتهم من الله تعالى ، فهي لا تنقص من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من منزلة أصحابه الصادقين في إيمانهم وقوله { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } أي: تأكيد منه سبحانه وتعالى على قبول توبتهم ولعظيم فضله عليهم ولطفه بهم . أى : ثم تاب عليهم سبحانه بعد أن كابدوا ما كابدوا من العسر والمشقة ومجاهدة النفس لما تحملوا مشاق هذا السفر ومتاعبه ، وصبروا على تلك الشدائد والمحن وذكر التوبة أولا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم ، ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى ، تعظيما لشأنهم ، وليعلموا أنه تعالى قد قبل توبتهم ، وعفا عنهم فتوبته سبحانه عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ وتلك سنة الحق سبحانه مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ووطنوا أنفسهم على الهلاك ، أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ومن رأفته ورحمته أن مَنَّ عليهم بالتوبة، وقبلها منهم وثبتهم عليها. والرأفة عبارة عن السعي في إزالة الضرر ، والرحمة عبارة عن السعي في إيصال النفع . { و } كذلك لقد تاب الله { وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) } { عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا } وكما تقبل الله تعالى بفضله وإحسانه توبة النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوا رسولهم صلى الله عليه وسلم في ساعة العسرة . فقد تقبل توبة الثلاثة الذين تخلفوا عن الاشتراك في غزوة تبوك كسلا وحبا للراحة ، الذين أخر أمرهم ولم يقطع في شأنهم بشيء إلى إن نزل فيهم الوحي أي الذين سبق أن أرجأ الله حكمه فيهم بقوله { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ . . } والمقصود بهؤلاء الثلاثة الذين خلفوا : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع, وثلاثيتهم من الأنصار تخلفوا عن غزوة تبوك بدون عذر . ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك سألهم عن تخلفهم فلم يكذبوه بالعذر ولكنهم اعترفوا بذنبهم وحزنوا . ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم ، وأمرهم بأن يعتزلوا نساءهم { حَتَّى إِذَا } حزنوا حزنا عظيما و { ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } أي : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض على سعتها ورحبها ، بسبب إعراض الناس عنهم ، ومقاطعتهم لهم حتى عن المكالمة معهم ولو بالسلام ورده وكانوا يخافون إن يموتوا فلا يصلى النبي عليه السلام ولا المؤمنون على جنازتهم وهو مثل لشدة الحيرة كأنهم لا يستقر بهم قرار ولا تطمئن لهم دار لشدة تحيرهم ، وكثرة حزنهم ، واستسلامهم لحكم الله فيهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم صار معرضاً عنهم ومنع المؤمنين من مكالمتهم وأمر أزواجهم باعتزالهم وبقوا على هذه الحالة خمسين يوماً { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ } ضاقت صدورهم بسبب الهم والغم الذي ملأها وامتلأت قلوبهم بالوحشة ومجانبة الأحباء ، ونظر الناس لهم بعين الإهانة بحيث لم يبق في النفس ما يسع شيء من الراحة والأنس والسرور فضاق عليهم الفضاء الواسع، والمحبوب الذي لم تجر العادة بالضيق منه، وذلك لا يكون إلا من أمر مزعج، بلغ من الشدة والمشقة ما لا يمكن التعبير عنه، وذلك لأنهم قدموا رضا اللّه ورضا رسوله على كل شيء { وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ } أي: تيقنوا وعرفوا بحالهم، أنه لا ينجي من الشدائد، ويلجأ إليه، إلا اللّه وحده لا شريك له، فانقطع تعلقهم بالمخلوقين، وتعلقوا باللّه ربهم، وفروا منه إليه ، عندما أيقنوا أن لا ملاذ ولا خلاص من سخطه تعالى إلا إلى استغفاره فالفرار ليس إلا إليه على كل حال فمكثوا بهذه الشدة نحو خمسين ليلة. { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } أي: أذن في توبتهم ووفقهم لها فجاءهم فرج الله ، حيث قبل توبتهم ، وغفر خطأهم وعفا عنهم { لِيَتُوبُوا } أي: لتقع منهم، فيتوب اللّه عليهم أى : بعد هذا التأديب الشديد لهم ، تقبل سبحانه توبتهم ، ليتوبوا إليه توبة نصوحا ، لا تكاسل معها بعد ذلك عن طاعة الله وطاعة رسوله فقد قبل توبتهم من التخلف ليتوبوا في المستقبل إذ صدرت منهم هفوة ولا يقنطوا من كرمه { إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ } أي: كثير التوبة والعفو، والغفران عن الزلات والعصيان، وهذا محض الرحمة والكرم منه تعالى فالله تعالى هو الكثير القبول لتوبة التائبين ، وهو الواسع الرحمة بعباده المحسنين . أي المبالغ فى قبول التوبة لمن تاب وان عاد فى اليوم مائة مرة { الرَّحِيمُ } وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين، في جميع اللحظات، ما تقوم به أمورهم الدينية والدنيوية
. ذكر قصة الثلاثة الذين خولفوا عن الخروج مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لحرب بني الروم في الشام
وأحمد . والبخاري . ومسلم . والبيهقي من طريق الزهري قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال : «سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحداً تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر ، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزاة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً ومفاوز ، واستقبل عدوّاً كثيراً فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرلا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان قال كعب فقال رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل وأنا إليها أصغرهم فتهجز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولا أقضي شيئاً فأقول لنفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً وقلت أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه فغدوت يوم ما فصلوا لا تجهز فرجعت ولم أقض من جهازي شيئاً ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى انتهوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم وليت أني فعلت ثم لم يقدر ذلك لي وطفقت إذا خرجت في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أن لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذره الله تعالى ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب بن مالك قال رجل من بني سلمة : حبسه يا رسول الله برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل : بئسما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك حضرني شيء فطفقت أتفكر الكذب ، وأقول : بماذا أخرج من سخطه غداً أستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً فأجمعت صدقه فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت فلما سلمت عليه عليه الصلاة والسلام تبسم تبسم المغضب ثم قال لي : تعالى فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي : ما خلفك ألم تكن قد اشتريت ظهرك؟ فقلت : يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر لقد أعطيت جدلاً ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كذب ترضى عني به ليوشكن الله تعالى بسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه أني لأرجو فيه عقبي من الله تعالى ، والله ما كان لي عذر والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله تعالى فيك فقمت وبادرني رجال من بني سلمة واتبعوني فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون ولقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فوالله ما زالوا يرايبوني حتي أردت أن أرجع فأكذب نفسي ، ثم قلت : هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا : نعم لقيه معك رجلان قالا ما قلت وقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت : من هما؟ قالوا : مرارة بن الربيع وهلال بن أمية فذكروا إلى رجلين صالحين قد شهدا بدراً لي فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي قال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض التي كنت أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق فلا يكلمني أحد وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ملجسه بعد الصلاة فأسلم وأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لاثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلى فإذا التفت نحوه أعرض حتى إذا طال عليّ ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد السلام علي فقلت له : أبا قتادة أنشدك الله تعالى هل تعلم أتي أحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فسكت فعدت فنشدته فسكت فعدت فنشدته فقال : الله تعالى ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار ، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدل علي كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء فدفع إلى كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً فإذا فيه : أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله تعالى بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسيك فقلت حين قرأتها : وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته فيها إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك قلت : أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال : بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلي صاحبي مثل ذلك فقلت : لامرأتى الحقي بأهلك لتكوني عندهم حتى يقضي الله تعالى في هذا الأمر ، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن هلالا شيخ ضائع ، وليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ فقال : لا ولكن لا يقربنك قالت : وإنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي من لدن أن كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ماذا يقول إذا استأذنته وأنا رجل شاب قال : فلبثت عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى عنها قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت على الأرض بما رحبت سمعت صارخاً أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجداً وعرفت أن قد جاء فرج فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله تعالى علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلى رجل فرسا وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي وكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يؤمئذ فاستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجاً بعد فوج يهنؤنني بالتوبة يقولون : ليهنك توبة الله تعالى علك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلى رجل من المهاجرين غيره قال : فكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو ببرق وجهه من السرور : ابشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : لا بل من عند الله تعالى ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قال : أمسك بعض مالك فهو خير لك قلت : إني أمسك سهمي الذي بخيبر وقلت : يا رسول الله إنما نجاني الله تعالى بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت ، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين إبلاه الله تعالى في الصدق بالحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ ذلك إلى يومي هذا وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي قال : وأنزل الله تعالى { لَقَدْ تَابَ } [ التوبة : 117 ] الآية والله ما أنعم الله تعالى على من نعمة قط بعد أن هداني الله سبحانه للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله عليه الصلاة والسلام يومئذ أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه فإن الله تعالى قال للذين كذبوه حين نزل الوحي شر ما قال لأحد فقال : { سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انقلبتم إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } [ التوبة : 95 ، 96 ] قوله سبحانه : { الفاسقين } . وجاء في رواية عن كعب رضي الله تعالى عنه قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامي كلام صاحبي فلبثت كذلك حتى طال على الأمر وما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلى علي فأنزل الله تعالى توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة ، وكانت محسنة في شأني معينة في أمري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة تيب علي كعب بن مالك قالت : أفلا أرسل إليه أبشره؟ قال إذاً تحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليل حتى إذا صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر آذن بتوبة الله تعالى علينا » هذا وفي وصفه سبحانه هؤلاء بما وصفهم به دلالة وأية دلالة على قوة إيمانهم وصدق توبتهم ، وعن أبي بكر الوارق أنه سئل عن التوبة النصوح فقال : أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة كعب بن مالك وصاحبيه واعلم أن قصة هؤلاء الثلاثة إشارة إلى أن الهجران بين المسلمين إذا كان فيه صلاح لدين المهجور لا يحرم هجره حتى يزول ذلك وتظهر توبته وكذا إذا كان المهجور مذموم الحال لفسق فانه لا يحرم الهجران إلى ظهور التوبة لأنه لحق الله دلالات الآيات توبة اللّه على العبد أجل الغايات وفي هذه الآيات دليل على أن توبة اللّه على العبد أجل الغايات، وأعلى النهايات، فإن اللّه جعلها نهاية خواص عباده، وامتن عليهم بها، حين عملوا الأعمال التي يحبها ويرضاها ومنها: لطف الله بهم وتثبيتهم في إيمانهم عند الشدائد والنوازل المزعجة. ومنها: أن العبادة الشاقة على النفس، لها فضل ومزية ليست لغيرها، وكلما عظمت المشقة عظم الأجر. ومنها: أن توبة اللّه على عبده بحسب ندمه وأسفه الشديد، وأن من لا يبالي بالذنب ولا يحرج إذا فعله، فإن توبته مدخولة، وإن زعم أنها مقبولة.
|
||||||||