نزع الإيمان , يبغضه الله , لا يقبل الله له دعوة , أحلوا
بأنفسهم عذاب الله , الإثم يزاد على الزنا بالجيران
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ لا يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين
يشربها وهو مؤمن ‘‘
قال عكرمة: ’’قلت لابن عباس كيف ينزع منه الإيمان؟ قال
هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فإذا تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه‘‘
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم’’من زنى أو شرب الخمر
نزع الله منه الإيمان كما يخلع إنسان القميص من رأسه‘‘
قال ابن عباس: ’’ينزع منه نور الإيمان في الزنا‘‘ ’’وكان
ابن عباس يدعو غلمانه غلاماً غلاماً فيقول ألا أزوجك ما عبد يزني إلا نزع
الله منه نور الإيمان‘‘ وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ’’ من
نزع الله نور الإيمان من قلبه فإن شاء أن يرده رده‘‘
فالمؤمن لا يوقع نفسه في الزنا لأنه يخشى ألا يرد إليه
نور الإيمان فيكون ذلك خسران, نعم التوبة قد تعرض عليه، فإن تاب تاب الله
عليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من زنى خرج منه الإيمان فإن
تاب تاب الله عليه ‘‘(
[140]) لكن المسلم العاقل
لا يتجرأ على اجتراف هذه المعصية لأنه يخشى أن تأتيه المنية قبل أن يتوب
فكيف يلاقي ربه وهو على خطيئة الزنا منزوع الإيمان, قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ’’ إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع
رجع إليه الإيمان ‘‘
والحديث الأول فيه التنبيه على جميع أنواع المعاصي
والتحذير منها، فنبه بالزنا على جميع الشهوات، وبالسرقة على الرغبة في
الدنيا والحرص على الحرام، وبالخمر على جميع ما يصد عن الله تعالى، ويوجب
الغفلة عن حقوقه
وكل من زنى دخل في هذا الوعيد سواء كان بكراً أو محصناً
وسواء كان المزني بها أجنبية أو محرما،ولا شك أنه في حق المحرم فحش ومن
المتزوج أعظم
ذمت الشريعة أصحاب الزنا وزادت ذمها لمن كبر سنه ولم
تغنيه نفسه عن الزنا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’الثلاثة الذين
يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم ‘‘
سبب بغض الله للشيخ أي الكبير في السن لكمال عقله وتمام
معرفته بطول ما مر عليه من الزمان وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء وعنده
ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ويخلي سره منه فكيف بالزنا الحرام؟ وإنما
دواعي ذلك الشباب والحرارة الغريزية وقلة المعرفة وغلبة الشهوة لضعف العقل
وصغر السن
المسلم قوي بالله غني بالله سعيد بالله لأنه يعلم أن
سلاحه دعائه يسأل ربه فيعطيه الله سؤله ويعلم أن الذي لا يسأل ربه يغضب
الله عليه ويكله لنفسه فيهلك, أما التي تتعايش من أجر الزنا أو من تصوير
أوضاع الخليعة وكذا الذي يتعايش مما يُحصِلَه من الزنا أو تصوير أفلام
الخليعة وهو يعمل عشاراً, فأحدهما إن وقع في ضائقة ودعا الله فمن أين يأتيه
الفرج وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قبول دعائه فقال ’’ تفتح
أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له هل من سائل فيعطى
هل من مكروب فيفرج عنه فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له
إلا زانية تسعى بفرجها أو عشاراًً ‘‘
إن انتشار الزنا يؤدي إلى انتشار اللقطاء وهذا يتبعه عذاب
الله على العباد والبلاد بالزلازل والخسف كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم ’’ لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم
ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب‘‘ وقوله صلى الله عليه وسلم’’ إذا ظهر
الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ‘‘(وما عهد المناطق التي
كان بها قرى وشواطيء للعراة ببعيد فقد زلزل الله بهم الأرض فغارت وخسفت
بأصحابها ابتلعتهم وهم في غفلة ’’ عمهم الله بعقاب‘‘وهذا العذاب من باب
العقوبة على هذا الذنب, واعتبر بعذابهم من اعتبر, قال النبي صلى الله عليه
وسلم ’’ ما ظهر في قوم الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله ‘‘
5- الإثم يزاد على الزنا بالجيران
إن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما ينتهكه من الحرمة،
فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثما وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه
انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه، وتعليق نسب غيره عليه، وغير ذلك من أنواع
أذاه، فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل. فإن كان زوجها جارا
له، أضف إلى ذلك سوء الجوار, فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ’’ سألت رسول
الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال أن تجعل لله ندا وهو
خلقك قلت إن ذلك لعظيم ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي
قال أن تزاني حليلة جارك ‘‘
لأن الزنا بالجار غالباً ما يكون برضاها، وذلك يتضمن
الزنا وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني وذلك أفحش، وهو مع
امرأة الجار أشد قبحاً وأعظم جرماً، لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن
حريمه، ويأمن بوائقه ويطمئن إليه، وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا
قابل هذا كله بالزنا بامرأته وإفسادها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن
غيره منه كان في غاية من القبح وبهذا يتبين خطورة الزنا بحليلة الجار أنه
أعظم قبحا من مطلق الزنا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ’’ ما
تقولون في الزنا قالوا حرام حرمه الله عز وجل ورسوله فهو حرام إلى يوم
القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لأن يزني الرجل بعشر
نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره ‘‘(
[152]) وإن كان الجار أخا
أو قريبا من أقاربه انضم إلى ذلك قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم، فإن كان الجار
غائبا تضاعف الإثم
ولا يدخل الوعيد فيما يطلق عليه اسم الزنا من اللمس
المحرم وكذا التقبيل والنظر لأنها وإن سميت في عرف الشرع زنا فلا تدخل في
ذلك لأنها من الصغائر
الله تعالى العزيز الحكيم كلف وليَ الأمر بإيقاع عقوبات
على الزناة لأن البشر منهم من لا ينزجر بالقرآن ولكنه ينزجر بسيف السلطان,
فجعل للسلطان حدود يقيموها على الزواني والزناة والتي فيها:-
إقامة الحد على الزاني المحصن, وإقامة الحد للزاني الغير
محصن, وإقامة الحد عليهم بدون رأفة, وأشهاد أناس مسلمين على عذاب الزناة,
عقاب الزنا لمن زنا بمحارمه
قال تعالى{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ
وَاحِدٍ منْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي
دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ
وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ منَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النور2 ]
قال تعالى: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ
كُلَّ وَاحِدٍ منْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }
إن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يتزوج
أو محصناً وهو الذي قد وطأ في نكاح صحيح وهو بالغ عاقل
الغير محصن هو من لم يتزوج بعد والعقوبة التي بينتها
الشريعة جزاء له على فعله جلده مائة جلدة كما في الآية، ويزاد على ذلك أن
ينفى إلى بلد غير بلده لمدة سنة, لرواية الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله
صلى الله عليه وسلم’’ فقال أحدهما يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفاً
يعني أجيراً على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة،
فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة
هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين
بينكما بكتاب الله تعالى، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة
وتغريب عام، واغد يا أنيس لرجل من أسلم إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها
فغدا عليها فاعترفت فرجمها ‘‘
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغريب الزاني مع جلد
مائة إذا كان بكراً لم يتزوج فجمع في هذا الحد بين العقوبة على البدن
بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة
إذا كان الزاني محصناً وهو الذي قد وطأ في زواج صحيح وهو
بالغ عاقل فإن الشريعة بينت أنه يرجم كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
برجم هذه المرأة التي زنت بالعامل الأجير الذي استأجره زوجها ولرجم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية وغيرهم من الزناة كما سيأتي معنا
أن شاء الله
فالمحصن هو من تزوج ولو ليوم أو أقل والعقوبة جزاء على
فعله كما أوضحتها الشريعة إحلال دمه أي قتله بالرجم وهو أن يوضع في حفرة
ويضرب بالحجارة حتى يموت وهذا بإجماع المسلمين, ليحذر المسلم أن تسول له
نفسه انتهاك الأعراض وخاصة عندما يعلم أن الشريعة التي تحافظ على الأعراض
كما تحافظ على النفوس لم تبيح قتل النفس إلا في حالة الزنا أو الردة عن
الإسلام أو من خرج على المسلمين يحاربهم كما بين ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم’’ لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله إلا في إحدى ثلاث زنا بعد إحصان فإنه يرجم ورجل خرج محاربا لله
ولرسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض أو يقتل نفسا فيقتل بها ‘‘
والرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا
قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف
والله سبحانه وتعالى في هذا الحد أوجب عليهما الفضيحة رغم
أنه تعالى ستير يحب الستر وعفو يحب العفو، لكن لقبح الزنا وبشاعته أوجب ذلك
ردعاً للغير، فأمر أن يكون الحد بمشهد من المؤمنين، ولا يكون في خلوة بحيث
لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر
وحد الثيب أي المحصن مشتق من عقوبة الله تعالى لقوم لوط
بالإمطار بالحجارة وذلك لاشتراك الزنا واللواط في الفحش، وشدة معاناة
المرجوم دليل على عظم ما اقترفت يداه, نعوذ بالله من ذلك
3- إقامة الحد على الزناة بدون رأفة
الله تعالى شدد في عقوبة الزاني ما لم يشدده مع غيره من
العصاة فقد أمر بعدم التعاطف مع الزاني فإنه لا يستحق الرحمة
قال تعالى: { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي
دِينِ ٱللَّهِ } أي في حكم الله، أي لا يرأف بالزناة والزواني ولا رحمة
بهما في شرع الله
ويقول تعالى: { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ
وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ }أمر بإقامة الحدود على من زنى، والتشديد عليه ليرتدع
من يصنع مثله بذلك
فلينتبه من دخول أفكار أهل الدياثة الواردة علينا من غير
المسلمين من الترحم على حاله لأنه بعيد عن زوجته أو لأن المرأة هي التي
عرضت نفسها عليه دون معاكسة منه
4- إقامة الحد على الزناة علانية بحضرة المسلمين
وتنكيلاًً بالزاني والزانية أمر الله أن يكون الجلد أو
الرجم علانية بحضرة الناس قال تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا
طَآئِفَةٌ منَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في
ردعهما، وفي ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة إذا كان الناس حضوراً, ليكون ذلك
موعظة وعبرة ونكالاً
والناس يشاهدون الزاني وهو يرجم، بل ويعينوا في التنكيل
به، فيحمل كل واحد معه أحجاراً ويرمي بها ذلك الزاني في الحفرة، وفيهم من
يضرب رأسه ومنهم من يضرب عينيه التي أبصرت الحرام، ومنهم من يضرب أنفه الذي
شم عطر الزانية، ومنهم من يضرب شفتيه التي قبلت شريكته، والأغلب يضربون
بدنه الذي تلذذ وحضن يضربون بلا شفقة أو رحمة
إن من زنى بذات محرمه فعليه الحد ومعلوم أن المحارم كل من
يحرم على الرجل الزواج منها حرمة أبدية لا يحللها شيء قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ’’ من وقع على ذات محرم فاقتلوه ‘‘ فمن أتى ذات محرم وهو
يعلم فحده القتل وقال الإمام أحمد من تزوج أمه قتل, فليحذر مما يسموه بعقدة
أُديب وعقدة الكتيرا
ومن تزوج امرأة أبيه قتل فعن أبو بردة بن نيار قال ’’
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده وأمرني
أن أقتله‘‘ وفي رواية ’’ أن أضرب عنقه وأصفي ماله ‘‘ وفي رواية ’’ أن آتيه
برأسه ‘‘
فالمرء المسلم الذي يضحك عليه الشيطان ويحرك فيه شهواته
ويزين له أمر محارمه هو إنسان عنده جهل بهذه الأحكام, لكن عندما يتبصر
ويعلم أن من يأتي محارمه فهذا شرع الله فيه, فإنه يخاف الله لأنه مؤمن
والمؤمن كما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم’’ المؤمن غر كريم،
والفاجر خب لئيم‘‘ أما الفاجر الذي ينتهك المحارم فهو على ما يجده من هذه
العقوبات التي ينالها الله منه وكان له حسنات يجعلها له هباء, فعن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال ’’ لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة
بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً قال ثوبان
يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال أما إنهم
إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا
بمحارم الله انتهكوها ‘‘
فالفاجر الذي ينتهك محارمه له مع كل هذه العقوبات عقوبات
أخرى في الآخرة كما هو آتي تفصيلها