الصفحة الرئيسية السلوك الإيمان الإدمان وعلاجه  
التقوى المعلق عليها الفلاح

الرباط والفلاح

 

الصبر للفلاح

المصابرة للفلاح

الرباط للفلاح

التقوى للفلاح

يقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) } [آل عمران 200]

ورابطوا الرباط هو اللزوم والثبات من المرابطة وهي ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم أي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وهو القيام على الثغور الإسلامية لحمياتها من الأعداء ، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم

وذلك بالترصد لهم والاستعداد لمحاربتهم ودوام الحذر منهم حتى لا يفاجئوا المسلمين بما يكرهون

فهي استعداد ودفاع وحماية لديار الإسلام من مهاجمة الأعداء

والمعنى يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا على طاعة الله وعلى تحمل المكاره والآلام برضا لا سخط معه فإن الصبر جماع الفضائل وأساس النجاح

لعلكم تفلحون تفوزون بالمحبوب الديني والدنيوي والأخروي، وتنجون من المكروه كذلك

فإنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها، ولم يفت أحدا الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها

مما سبق يتبين معنا أن الرباط نوعين

النوع الأول رباط موجه لأعداء المسلمين والإسلام المحاربين له وهذا الرباط الذي يكون في أماكن الثغور بين البلاد الإسلامية والأعداء لحماية البلاد والعباد

والنوع الثاني رباط موجه لحماية النفس من الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء

النوع الأول الرباط الذي يكون في أماكن الثغور

لحمايتها من أعداء الإسلام والذي له فضائل عظيمة كلما سعى أبناء الإسلام في تحقيقها عظم شأنهم وشأن دولتهم ولذ كان الكثير من السلف الصالح يرابطون في سبيل الله نصف العام ، ويطلبون قوتهم بالعمل في النصف الآخر لحماية بلاد الإسلام

والأحاديث التي وردت في فضل المرابطة من أجل حماية ديار الإسلام كثيرة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها}

قوله صلى الله عليه وسلم { رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذى كان يعمله ، وأجرى عليه رزقه ، وأمن الفتان }

وأنتم يا أخواني المسلمين كل من يملك منكم ميزة وقدرة أن يرابط بها أعداء الله فعليه أن يرابط بها لله ويصبر ويصابر بها في بلاده بلاد الإسلام وسيجد من الله أجر الرباط وفضله وسيجازيه أحسن الجزاء

ولا يخرج بقدراته إلى بلاد الأعداء يظن أنه ينميها أو يجد فرصته عندهم وهو ينميها لهم لتكون لهم سلاحاً يرفع لتدمير إخوانه وأبناء بلاده المسلمين

إنهم لم يكتفوا بتوجيه السلاح لقتلنا كلما استطاعوا ذلك بل يهاجموننا بالمخدرات بالإباحية بأخلاق الرزيلة والفكر المنحرف من خلال الإعلام وطابوره المرئي والمسموع والمقروء من خلال أذنابهم وخدعاهم الكاذب في المواقع الاجتماعية التي كثرت وكثر انتشارها وكثر جلوس كثير من أبناء المسلمين عليها الذين انخدعوا بها حتى ضيعوا مع أوقاتهم فيها بر والديهم ورعاية أبنائهم وصلة أرحامهم والاهتمام بأعمالهم وواجباتهم

فأنت يا من تملك فكر إيماني سليم رابط به قم بتصحيح المفاهيم التي جعلت للباطل حقوق ثابتة والحقائق إلى أباطيل وستجد بعون الله النصرة

ستجد هذه الكثرة المغرضة المضللة التي تعتمد على قوة أعلامهم منابرهم هشة أمام منبرك أنت الذي تستمد قوته من اعتمادك على الله مصرف القلوب وها أنت قد رأيت كل هذه البشرية تصعق أصحاب منابر الضلال وتعلن قبولها ورضاها بأن يكون منهجها الذي يحكمها شريعة الإسلام

تحقق هذا بفضل الله الذي الهمك أنت وغيرك في إظهار الدين بالمصابرة مع المبطلين ، وحل شكوكهم والجواب عن شبههم والعمل على إزالة تلك الاباطيل عن قلوبهم

النوع الثاني الرباط الموجه لحماية النفس

وهو الذي نحتاجه كلنا وهو الرباط السها الميسر وهو انتظار الصلاة بعد الصلاة وهو رباط عظيم لأعدى أعداء البشر والزعيم الأكبر لكل دعاة الشر والفساد إبليس الذي يريد صدك عن ذكر الله مصدر قوتك ليضعفك فيسهل عليه صدك عن الصلاة لتخلد معه في النار

قال النبي صلى الله عليه وسلم { انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط }

هذا هو الرباط الذي رغبنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه حبس النفس على هذا العمل وهذه الطاعة

فأنت بعد انتهائك من الصلاة في انتظارك الصلاة التي بعدها أنت في رباط عظيم لأنك تكون قد سددت أعظم الثغور التي يدخل منها أشد أعداء الإنسانية فلا يتمكن من الوصول لمقاصده التي يدمر من خلالها الإنسان عندما يتمكن من صده عن الصلاة

والذي ينتظر الصلاة له أجر الرباط وثوابه سواء كان في انتظار وقتها أو في انتظار إقامتها في الجماعة

أو كان انتظاره لها بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِد أَوْ تَعَلُّق الْقَلْب بِهَا وَالتَّأَهُّب لَهَا

فرباطك بالصلاة ومقدماتها التي تأتي بها تجعل حياتك في خير ومماتك يكون على الخير وتخرجك من ذنوبك نظيف كيوم ولدتك أمك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ نقل الأقدام للجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ومن حافظ عليهن عاش بخير ومات بخير وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه}

تكفير الخطايا هو غفرانها والعفو عنها ومحوها من كتاب الحفظة وهو دليلا على عفوه تعالى عمن كتبت عليه

فرباطك بالصلاة ومقدماتها التي تأتي بها تغسل خطاياك غسلاً قال صلى الله عليه وسلم

{ إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا}

وليس فقط غسل ذنوبك ولكن تكتب لك الحسنات

قال صلى الله عليه وسلم

{ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به في الحسنات ويكفر به الذنوب

قالوا بلى يا رسول الله قال

إسباغ الوضوء على المكروهات وكثرة الخُطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط}

هذا الرباط يفضل على غيره من الرباط في الثغور ولذا قال فذلكم الرباط أي إنه أفضل انواعه كما يقال جهاد النفس هو الجهاد أي إنه أفضله

وهو الرباط الممكن المتيسر الذي يزيد الحسنات ويرفع الدرجات في الدنيا بالذكر الجميل وفي الآخرة بالثواب الجزيل يوم القيامة ورفع الدرجات في أعلى منازل الجنة

وفي سُّؤَالِ النبي صلى الله عليه وسلم هنا في قوله ألا أدلكم وإسماعه الْجَوَابِ فائدة عظيمة وهي أَنْ الْكَلَامُ يَكُونَ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ عندما يكون بلغة الحوار سؤال وجواب

هَذِهِ الْأَعْمَالَ هِيَ الْمُرَابَطَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِأَنَّهَا تَسُدُّ طُرُقَ الشَّيْطَانِ عَلَى النَّفْسِ ، وَتَمْنَعُهَا مِنْ قَبُولِ الْوَسَاوِسِ ، وَتَقْهَرُ الْهَوَى فيهزم الشَّيْطَانِ وجنده

وقد بشر صلى الله عليه وسلم المرابط ببشائر على رباطه هذا عندما بين أن المرابط فارس

فأنت في هذا الرباط للصلاة فارس هكذا شبهك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله { منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه وهو في الرباط الأكبر } (كشحه أي عدوه ) وتصلي عليك الملائكة إن كان انتظارك للصلاة في المسجد ولم ينقض وضوئك بخروج ريح ولم تخرج من المسجد ويكون رباطك هذا هو الرباط الأكبر

قال صلى الله عليه وسلم

{ منتظر الصلاة من بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه تصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم وهو في الرباط الأكبر }

ومن البشائر لك أيها المرابط دعاء الملائكة لك بالتوبة والمغفرة والرحمة وهذا ضمن عملهم الذي كلفهم الله به قال صلى الله عليه وسلم

{ ما من أحد يخرج من بيته متطهرا حتى يأتي المسجد فيصلي فيه مع المسلمين أو مع الإمام ثم ينتظر الصلاة التي بعدها إلا قالت الملائكة اللهم اغفر له اللهم ارحمه }

وقال صلى الله عليه وسلم { لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها [ لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ] ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد : اللهم اغفر له اللهم ارحمه [ اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ] ما لم يحدث }

فمن كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها الله عنه بغير تعب فليغتنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابته لقوله {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وقد أخبر عليه السلام أنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، وتأمين الملائكة إنما هو مرة واحدة في الصلاة عندما يقول الإمام ولا الضالين في نهاية قراءته للفاتحة وأنت تؤمن بقولك أمين وتوافق فيه تأمين الملائكة

أما دعاء الملائكة لمن قعد في مصلاه فقبوله مستمر ما دام قاعدًا في المسجد

وقد شبه صلى الله عليه وسلم انتظاره الصلاة بعد الصلاة بالرباط وأكد على ذلك بتكراره ثلاثا لِلِاهْتِمَامِ بهذا الرباط وَتَعْظِيمِ شَأْنِهَ

فعلى كل مؤمن عاقل سمع هذه الفضائل الشريفة أن يحرص على الأخذ بأوفر الحظ منها ولا تمر عنه صفحًا

ويتحقق المراد برباط انتظار الصلاة لمن يصلي في المسجد ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه فهو ملازم للمسجد بقلبه

وليس المقصود دوام الجلوس في المسجد

فالمعروف انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد إنما يكون في صلاتين العصر بعد الظهر والعشاء بعد المغرب

ولكن الأفضل لمن كان فارغا لا عمل له أو كان غنيا عن الكسب أن يبقى في المسجد انتظارا للصلاة الأخرى فإن فيه فضلا عظيما لقوله صلى الله عليه وسلم {من جلس في المسجد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة}

أي يكتب عند الله أنه في صلاة منذ خروجه من بيته حتى يعود لبيته قال صلى الله عليه وسلم {القاعد على الصلاة كالقانت ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه}

والمرأة يتحقق لها فضل هذا الرباط إِذَا صَلَّت بِالْجَمَاعَةِ أَوْ مُنْفَرِدة في بيتها ثُمَّ تنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى وَيُعَلِّقُ فِكْرَهُا بِهَا بِأَنْ تجْلِسَ فِي مصلاها ببيتها تنْتَظِرُهَا أَوْ تكُونُ فِي شُغْلِهِا وَقَلْبُها مُعَلَّقٌ بِهَا

فينبغي لكل مسلم أن يجتهد بكل طاقته لأن يحافظ على هَذِهِ الْخِلَالَ لأنها تَرْبِطُ صَاحِبَهَا عَنْ الْمَعَاصِي وَتَكُفُّهُ عَنْ الْمَحَارِمِ

فكما أن الرِّبَاط هو مُلَازَمَة ثَغْر الْعَدُوّ لِمَنْعِهِ فإن هَذِهِ الْأَعْمَال تَسُدّ طُرُق الشَّيْطَان عَنْهُ وَتَمْنَع النَّفْس عَنْ الشَّهَوَات وَعَدَاوَة النَّفْس وَالشَّيْطَان لَا تَخْفَى فَهَذَا هُوَ الرباط الْأَكْبَر الَّذِي فِيهِ قهر أَعْدَى عَدُوّهُ فَلِذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم الرِّبَاط بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّكْرَار تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ

والإنسان في ملازمة انتظار الصلاة بتقسيم يومه على الخمس صلوات ما منها صلاة يؤديها فيفرغ من أدائها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى انتهاء اليوم وكل يوم هو فيه كذلك مراقبا لوقت أداء صلاة يجد نفسه في صيانة عظيمة ويسهل عليه قيادة نفسه وإبعادها عن محارم الله وعن مخالفة أمره وبتقواه هذا مع رباطه وصبره ومصابرته ينال الفلاح الذي هو غاية النجاح