الحسنات والسيئات والقدر

{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ

تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) } [النساء: 78، 79]

قد يرى بعض الناس اشكالا في هذا النص اذ يقول الله تعالى في الآية الاولى منه عما يصيب الانسان من حسنة او سيئة : (قل كل من عند الله) ويقول في الآية الثانية منه (ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك)

والجمع بين هاتين الفكرتين اللتين قد يتبادر منهما انهما متعارضتان يظهر في البيان التالي :

بعد هجرة الرسول صل الله عليه وسلم الى المدينة وتحولت المدينة فصارت قاعدة الدولة الاسلامية وعاصمة المسلمين اخذ المنافقون واليهود يتصيدون كل مناسبة لبث اراجيفهم وتقطيع المسلمين عن رسول الله صل الله عليه وسلم وصدهم عن دعوته فاذا جاءت المسلمين نعمة من رزق او من خير او نصر او غنيمة امتد نفعها للمنافقين واليهود اسرع هؤلاء فقالوا هذه من عند الله ليصرفوا انظار المسلمين عن اثر بركة الاسلام وبركة الرسول صل الله عليه وسلم بين ظهرانهم واذا اصابت سيئة في اموالهم او انفسهم وامتد اثر ذلك الى المنافقين او اليهود اخذ هؤلاء يرجفون ويقولون : هذا من شؤم محمد ورسالته ليقطعوا المسلمين عن رسول الله صلوات الله عليه فكان المناسب في جوابهم والرد عليهم ان يعلم الله رسوله ان يقول لهم (كل من عند الله) أي كل من الحسنة والسيئة من عند الله تعالى وافعال الله انما تكون لحكم هو يعلمها فهي من عند الله خلقا وايجاد وابتلاء (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا)أي ماذا جرى لهم حتى جعلهم منطمسي البصائر لا يكادون يفقهون حديثا اما قوله في الآية الثانية من النص (ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك) فهو يتضمن الاشارة الى ان ما يصيبنا من حسنات بقضاء الله فإنما هو تطبيق لقانون الفضل الإلهي وان ما يصيبنا من سيئات بقضاء الله فإنما هو تطبيق لقانون العدل الالهي او قانون التربية الالهية .

ويمكن شرح جملة النص على النحو التالي :

ان ما ينزل بالناس مما يحبون او يكرهون هو من عند الله بقضائه وقدره اما الحسنات منها فمن فضل الله اما السيئات منها فبسبب الانسان اما لان ذنبه هو السبب في استحقاق العقوبة واما لان تربيته وتأديبه يقتضيان اذاقته بعض ما يكره في حياته من مصائب والام فمصلحة الانسان نفسه هي التي اقتضت ان يصيبه من الله بعض ما يكره من صروف الحياة .

وعلى هذه الشاكلة يحسن تدبر معاني آيات القران الكريم لان القران متكامل المعاني يتمم بعضه بعضا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وعمل المتدبر لكلام الله يتم بان يضع معنى كل آية في الموضع الملائم له وعلى مقدار نسبته من ساحة المعاني فلا يعمم تعميما زائدا عن المراد ولا يخصص تخصيصا زائدا على المراد ولكن يجمع ما اختلف من النصوص حول موضوع واحد ويؤلف بينها تأليفا تاما يملا به ساحة الموضوع ويعطي كل نص منها على مقداره