الابتلاء بالمصائب لوسيلة الإيمان بسلطة القضاء والقدر
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
هذه الآية تبين لنا أن من سنن الله في خلقه ان يبتليهم
بالمصائب ليختبر ردود افعالهم تجاهها فهل يتقبلونها بالصبر والرضى والتسليم
ايمانا بالله وبما تشتمل عليه مقاديره من حكم ام يستقبلونها بالضجر والتذمر
والنكد والتسخط على الله
فان كانوا من الفريق الاول قالوا : انا لله وانا اليه
راجعون وهؤلاء هم اصحاب المنزلة العظيمة عند الله عليهم صلوات من الله أي
رحمات ورحمة من نوع خاص فوق الصلوات وهؤلاء هم المهتدون
وقد جعل الله جملة انا لله وانا اليه راجعون ذكر الذاكر
بعد نزول المصائب لان المصائب لا تعدو انها سلب للنعم التي سبق ان انعم
الله بها او الحرمان من النعم التي انعم الله بمثلها على عباده
والنعم لدى التحقيق هي ملك لله تعالى والناس وسائر عباد
الله الذي ينعم عليهم بالنعم هم ايضا ملك لله تعالى ومصير العباد كلهم ان
يرجعوا الى مالكهم ومصير الاشياء كلها ان تعود الى مالكها فاذا ابتلى الله
المؤمن فاسترد منه نعمة كان قد وضعها بين يديه ليبتليه بها فان المؤمن
يتذكر بسرعة ان الله هو مالك كل شيء ويتذكر ايضا انه هو نفسه مملوك لله وان
جميع الخلائق مملوكون لله وانهم عباده وانهم جميعا راجعون اليه فاذا رجع
الملك لمالكه فعلام الحزن وعلام الاسى ولم الاعتراض ولماذا التسخط
فحينما يتذكر المؤمن هذه الحقائق يعلن عبارة الايمان التي
تدل عليها فيقول انا لله وانا اليه راجعون .
هذه العقيدة الايمانية رحمة من الله تملا القلوب طمأنينة
وتسليما ورضى عن الله فيما جرت به مقاديره وهكذا الحال مع الفريق الاول .
الفريق الثاني
فاذا اصابتهم مصيبة تضجروا وتسخطوا على الله واضافوا الى مصيبتهم
التي امتحنوا بها مصيبة اكبر من داخل نفوسهم وهم فوق ذلك يحرمون انفسهم من
رحمة الله فيكون سخطهم شقاء عليهم ووبالا ونكدا والما دائما وكآبة مقيمة
ولما كانوا لا يملكون العقيدة الايمانية الصحيحة فان
المصائب اذ تصدمهم بآلامها القاسيات لا تجد لديهم اية قوة دفاعية داخل
نفوسهم ولا داخل قلوبهم بل تقوم لديهم قوى الحزن والضجر والاضطراب والتذمر
والتسخط والنكد فتساعد المصائب وتنضم الى جيشها فتخرب في كيان صاحبها اكثر
من تخريب العدو حتى يجد الانسان نفسه وحيدا وليس امامه من داخل نفسه صديق
يواسيه او يسليه او يداريه او يساعده في تحمل المصائب وتظلم الحياة في وجهه
ويسود في عينيه كل شيء وعندئذ قد يفر من الحياة بالانتحار وإما ان يتحول
مجرما وشيطانا رجيما يريد ان ينتقم من كل شيء ويحطم كل شيء وينفس غيظه على
كل شيء .
واذ فقد هؤلاء ركنا اساسيا من اركان الايمان كانوا غير
مهتدين وكانوا محرومين من الصلوات والرحمة من الله