وسائل اكتساب سماحة النفس
من الوسائل الناجعة لاكتساب هذا الخلق الحميد
الوسيلة الأولى
التأمل في الترغيبات التي رغب الله بها من يتحلى بهذا
الخلق , وتأمل الفوائد يجنونها في العاجلة والآجلة، والسعادة التي يظفرون
بها في الحياة الدنيا والآخرة
الوسيلة الثانية
التأمل في المحاذير التي حذر الله منها النكدين المشتددين
العسيرين، وما يجلبه لهم خلقهم وظواهره السلوكية من مضار عاجلة وآجله،
ومتاعب وآلام كثيرة، وخسارة مادية ومعنوية
الوسيلة الثالثة
الاقتناع الإيماني بسلطان القضاء والقدر ، وأنه هو
المهيمن على كل الأحداث التي تخرج عن حدود الإرادة الإنسانية
فمتى علم الإنسان أن المقادير أمور مرسومه ، وأنه لا راد
لقضاء الله ، وأن الله لا يقضي شيئا إلا لحكمه هو يعلمها، ولا يأذن بنفاذ
شيء في كونه ولو من أهل الاختيار إلا لحكمه هو يعلمها ، اطمأن قلبه ، وثبت
فؤاده، وهدأ قلبه، وأراح نفسه من طلب تغيير المقادير النافذة، وداوى هواه
الذي خالفته المقادير بقوله تعالى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
وبقوله تعالى { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) } [النساء: 19]
وحينما يعامل الناس ويناله منهم أذى فإنه يعلم أن ما ناله
منهم له وجهان
الوجه الأول أنه ظلم من العباد لا يرضى الله به لأنه على
خلاف ما أمر الله أو نهى عنه فالمؤمن لا يرضاه منهم
لأن الله أبان أنه لا يرضاه منهم
الوجه الثاني أن الله أذن بنفاذه لحكمة هو يعلمها ولو شاء
لمنع نفلذه فهو بهذا المعنى من قضاء الله وقدره وقد رضيه الله بحكمته فهو
يرضى بقضاء الله الحكيم ويرى أن الخير فيما رضيه الله لذلك فهو يتقبله
بانبساط وسماحة نفس وتسليم كامل ولا يوجه أي اعتراض وتذمر على الله فيما
قضاه
ومن يرضى بمقادير الله يسعد قلبه برضاه أما من يسخط على
المقادير فإنه يشقى قلبه ونفسه بتسخطه فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط
ومن أجل الأقناع بهذه الحقيقة من حقائق القضاء والقدر
لملء قلوب المؤمنين بالسعادة ومنحهم خلق السماحة وأبعادهم عن كل كآبة
تكاثرت نصوص القرآن والسنة لتبيان هذه الحقيقة التي تمثل أساساً عظيماَ من
أسس الإيمان فمنها
قوله تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا
فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)} [الحديد: 22، 23]
ففي هذه الآية يبين الله لعباده حقيقة من حقائق القضاء
والقدر والعلم الرباني السابق للأحداث وهذه الحقيقة تتلخص بان جميع المصائب
وجميع النعم التي ينالها الناس في الحياة سواء نزلت في الارض او نزلت في
الانفس هي مكتوبة في كتاب علم الله وقضائه من قبل ان يبرا الله الانفس أي
من قبل ان يخلقها فهي لابد حاصلة لا يمكن ردها ولا دفعها وهذا الامر في ضمن
تراتيب القضاء والقدر امر يسير على الله وليس بعسير .
ولقد اعلمنا الله بهذه الحقيقة من حقائق القضاء والقدر
لنتقبل مقادير الله بسماحة نفس راضين عن الله مستسلمين اليه عالمين بان لله
حكما عظيمة في كل مقاديره ولنتقبل مصائب المقادير الربانية بالصبر ونتقبل
نعم المقادير الربانية بالشكر مبتعدين عن الفرح المبطر الذي يولد في النفوس
رذيلتي الاختيال والفخر وذلك بالتكبر على خلق الله وبالطغيان الذي يولده
الشعور بالاستغناء .
وفي صدر الآية الاولى حذف دل عليه ما جاء في الآية
الثانية وتقدير الكلام : ما اصاب من مصيبة ولا نزل من نعمة في الارض ولا في
انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبراها لكي لا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا
بما اتاكم .
الاسى : هو الحزن يقال لغة : اسي يأسي اسى اذا حزن فهو
ايسان ويقال : اسوان أي : حزين .
والفرح المذموم : هو البطر المخرج عن حد الاعتدال والذي
يتولد عنه الفخر على الناس والاختيال عليهم .
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ} [التغابن: 11]
فهذا النص يدل على انه ما من مصيبة تنزل الا بإذن الله
تعالى فإما ان تكون بمحض قضاء الله وقدره فلا تنزل الا بإذن واما ان تكون
اثرا لا سباب باشرها بعض خلق الله وحين تكون النتائج مقضية بقضاء الله فان
الله تعالى يأذن للأسباب ان تتحقق منها هذه النتائج ولو شاء الله سبحانه
لمنع الاسباب عن التأثير فما يفعل احد من خلق الله امرا تنتج عنه مصيبة من
المصائب الا واذن الله بوقوع المصيبة مرافق له وربما يكون من فعل الفعل
مسؤولا عند الله تعالى عنه لأنه عصى اوامر الله او نواهيه ومع ذلك فان
النتائج لم يكن لها ان تحصل لو لم يأذن الله بوقوعها .
ومع ان العالم قائم على نظام السبية وتأثيرها في مسبباتها
فان أي تأثير لسبب لا بد ان يقترن بإذن الله تعالى ولو لم يأذن الله لم
تؤثر الاسباب بمسبباتها ومتى رفع الله اذنه عن سبب من الاسباب ارتفع تأثيره
كما ان السبب اذا لم يكن عين اختيار المخلوق المكلف هو من قضاء الله وقدره
.
وبهذا المعنى الدقيق نرد على الاتكاليين الذين يعتمدون
على المقادير فيعطلون اتخاذ الاسباب ويهملون شؤون الحياة مع انهم مأمورون
بأمر الله الجازم باتخاذ الاسباب .
وقد روى الامام احمد والترمذي وابن ماجة بإسناد حسن صحيح
عن ابن خزامة عن ابيه قال : قلت : يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء
نتداوى به وتقه نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا ؟ قال : (هي من قدر الله) .
ويسمكن ان نمثل بمثال مادي مشاهد لاقتران الاذن الرباني
بالأسباب ولله المثل الاعلى وهو إضاءتنا للمصابيح الكهربائية في بيوتنا
اننا لا نستطيع إضاءتها الا بإذن القائمين على مؤسسة الكهرباء فلو فرضنا ان
مراقب الامداد بالطاقة الكهربائية كان مطلعا على كل حركة نتحركها في بيوتنا
وان باستطاعته ان يقطع عنا التيار متى شاء قطعا كليا او جزئيا لكان كل ما
نعمله في بيوتنا باستخدام الطاقة الكهربائية بإذنه وان لم يكن على ما يحب
ويرضى وذلك لأنه هو الممد الوحيد بالطاقة وعلى علم بما يجري من احداث ومتى
شاء فصل الطاقة فاستمرار الامداد بفعله واستخدامنا لها بإذنه .
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
(157)} [البقرة: 155 - 157]
ولقد اشار هذا النص الى ان من سنن الله في خلقه ان
يبتليهم بالمصائب ليختبر ردود افعالهم تجاهها فهل يتقبلونها بالصبر والرضى
والتسليم ايمانا بالله وبما تشتمل عليه مقاديره من حكم ام يستقبلونها
بالضجر والتذمر والنكد والتسخط على الله .
فان كانوا من الفريق الاول قالوا : انا لله وانا اليه
راجعون وهؤلاء هم اصحاب المنزلة العظيمة عند الله عليهم صلوات من الله أي
رحمات ورحمة من نوع خاص فوق الصلوات وهؤلاء هم المهتدون .
وقد جعل الله جملة (انا لله وانا اليه راجعون) ذكر الذاكر
بعد نزول المصائب لان المصائب لا تعدو انها سلب للنعم التي سبق ان انعم
الله بها او الحرمان من النعم التي انعم الله بمثلها على عباده والنعم لدى
التحقيق هي ملك لله تعالى والناس وسائر عباد الله الذين ينعم عليهم بالنعم
هم ايضا ملك لله تعالى ومصير العباد كلهم ان يرجعوا الى مالكهم ومصير
الاشياء كلها ان تعود الى مالكها فاذا ابتلى الله المؤمن فاسترد منه نعمة
كان قد وضعها بين يديه ليبتليه بها فان المؤمن يتذكر بسرعة ان الله هو مالك
كل شيء ويتذكر ايضا انه هو نفسه مملوك لله وان جميع الخلائق مملوكون لله
وانهم عباده وانهم جميعا راجعون اليه فاذا رجع الملك لمالكه فعلام الحزن ؟
وعلام الاسى ؟ ولم الاعتراض ؟ ولماذا التسخط ؟
فحينما يتذكر المؤمن هذه الحقائق يعلن عبارة الايمان التي
تدل عليها فيقول انا لله وانا اليه راجعون .
هذه العقيدة الايمانية رحمة من الله تملا القلوب طمأنينة
وتسليما ورضى عن الله فيما جرت به مقاديره وهكذا الحال مع الفريق الاول .
اما الفريق الثاني : فاذا اصابتهم مصيبة تضجروا وتسخطوا
على الله واضافوا الى مصيبتهم التي امتحنوا بها مصيبة اكبر من داخل نفوسهم
وهم فوق ذلك يحرمون انفسهم من رحمة الله فيكون سخطهم شقاء عليهم ووبالا
ونكدا والما دائما وكآبة مقيمة :
ولما كانوا لا يملكون العقيدة الايمانية الصحيحة فان
المصائب اذ تصدمهم بآلامها القاسيات لا تجد لديهم اية قوة دفاعية داخل
نفوسهم ولا داخل قلوبهم بل تقوم لديهم قوى الحزن والضجر والاضطراب والتذمر
والتسخط والنكد فتساعد المصائب وتنضم الى جيشها فتخرب في كيان صاحبها اكثر
من تخريب العدو حتى يجد الانسان نفسه وحيدا وليس امامه من داخل نفسه صديق
يواسيه او يسليه او يداريه او يساعده في تحمل المصائب وتظلم الحياة في وجهه
ويسود في عينيه كل شيء وعندئذ قد يفر من الحياة بالانتحار وإما ان يتحول
مجرما وشيطانا رجيما يريد ان ينتقم من كل شيء ويحطم كل شيء وينفس غيظه على
كل شيء .
واذ فقد هؤلاء ركنا اساسيا من اركان الايمان كانوا غير
مهتدين وكانوا محرومين من الصلوات والرحمة من الله .
ولأهمية الاعتقاد بالقضاء والقدر في حياة الانسان اذ
يمنحه السعادة والطمأنينة والاستقرار وسماحة النفس وسعادة الرضى والتسليم
كان الرسول صل الله عليه وسلم يعلم صغار الصحابة مضامينه مع اول ما
يتعلمونه من العقائد ويلقنهم مفاهيمه تلقينا .
فمن ذلك ما رواه الامام احمد والترمذي بإسناد صحيح عن عبد
الله بن عباس رضي الله عنه قال : كنت خلف رسول الله صل الله عليه وسلم فقال
(يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك اذا سالت فاسأل الله واذا
استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم
ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك
الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف )
فالمؤمن يريح قلبه من عناء التعلق بالأسباب مع انه لا
يفرط في اتخاذ الاسباب الكونية التي ربط الله بها تحقيق المسببات وامر
الناس باتخاذها ومتى اراد الله شيئا انفذ مراده من خلال الاسباب واذ لم يرد
شيئا اوقف الاسباب او عطل تأثيرها من خلال اسباب اخرى معارضة او بسلب
الاسباب خصائصها ولكن هذا انما يتم في حدود المعجزات وخوارق العادات وخرق
قوانين الاسباب في مجرى المقادير من النوادر في سنن الله
والواجب على المؤمن أن يربط قلبه بمسبب الأسباب كلها وهو
الله عز وجل وأن يربط عمله وجوارحه بالأسباب وبذلك يسلم له معتقده ويسلم له
عمله ويظفر بأكبر قسط من السعادة ومتى خالف ذلك حرم من السعادة وتحمل متاعب
الشقاوة .
فعن سعد قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (من
سعادة ابن ادم رضاه بما قضى الله له ومن شقاوة ابن ادم تركه استخارة الله
ومن شقاوة ابن ادم سخطه بما قضى الله له)
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ
كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا
هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ
مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ
لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ
فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ
وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) }
[النساء: 78، 79]
قد يرى بعض الناس اشكالا في هذا النص اذ يقول الله تعالى
في الآية الاولى منه عما يصيب الانسان من حسنة او سيئة : (قل كل من عند
الله) ويقول في الآية الثانية منه (ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من
سيئة فمن نفسك)
والجمع بين هاتين الفكرتين اللتين قد يتبادر منهما انهما
متعارضتان يظهر في البيان التالي :
بعد هجرة الرسول صل الله عليه وسلم الى المدينة وتحولت
المدينة فصارت قاعدة الدولة الاسلامية وعاصمة المسلمين اخذ المنافقون
واليهود يتصيدون كل مناسبة لبث اراجيفهم وتقطيع المسلمين عن رسول الله صل
الله عليه وسلم وصدهم عن دعوته فاذا جاءت المسلمين نعمة من رزق او من خير
او نصر او غنيمة امتد نفعها للمنافقين واليهود اسرع هؤلاء فقالوا هذه من
عند الله ليصرفوا انظار المسلمين عن اثر بركة الاسلام وبركة الرسول صل الله
عليه وسلم بين ظهرانهم واذا اصابت سيئة في اموالهم او انفسهم وامتد اثر ذلك
الى المنافقين او اليهود اخذ هؤلاء يرجفون ويقولون : هذا من شؤم محمد
ورسالته ليقطعوا المسلمين عن رسول الله صلوات الله عليه فكان المناسب في
جوابهم والرد عليهم ان يعلم الله رسوله ان يقول لهم (كل من عند الله) أي كل
من الحسنة والسيئة من عند الله تعالى وافعال الله انما تكون لحكم هو يعلمها
فهي من عند الله خلقا وايجاد وابتلاء (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون
حديثا)أي ماذا جرى لهم حتى جعلهم منطمسي البصائر لا يكادون يفقهون حديثا
اما قوله في الآية الثانية من النص (ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك
من سيئة فمن نفسك) فهو يتضمن الاشارة الى ان ما يصيبنا من حسنات بقضاء الله
فإنما هو تطبيق لقانون الفضل الإلهي وان ما يصيبنا من سيئات بقضاء الله
فإنما هو تطبيق لقانون العدل الالهي او قانون التربية الالهية .
ويمكن شرح جملة النص على النحو التالي :
ان ما ينزل بالناس مما يحبون او يكرهون هو من عند الله
بقضائه وقدره اما الحسنات منها فمن فضل الله اما السيئات منها فبسبب
الانسان اما لان ذنبه هو السبب في استحقاق العقوبة واما لان تربيته وتأديبه
يقتضيان اذاقته بعض ما يكره في حياته من مصائب والام فمصلحة الانسان نفسه
هي التي اقتضت ان يصيبه من الله بعض ما يكره من صروف الحياة .
وعلى هذه الشاكلة يحسن تدبر معاني آيات القران الكريم لان
القران متكامل المعاني يتمم بعضه بعضا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه
اختلافا كثيرا وعمل المتدبر لكلام الله يتم بان يضع معنى كل اية في الموضع
الملائم له وعلى مقدار نسبته من ساحة المعاني فلا يعمم تعميما زائدا عن
المراد ولا يخصص تخصيصا زائدا على المراد ولكن يجمع ما اختلف من النصوص حول
موضوع واحد ويؤلف بينها تأليفا تاما يملا به ساحة الموضوع ويعطي كل نص منها
على مقداره .
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) } [الشورى: 30، 31]