حالنا وأمهتنا وحال جريج وأمه
كان رجل في بني إسرائيل تاجرا يقال له جريج وكان ينقص مرة
ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى
صومعة وترهب فيها وكان يقال له جريج
وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يوما
وهو في صلاته
فنادته قالت أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك
فقال أجيبها أو أصلي
أمي وصلاتي أي
اجتمع علي إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لافضلهما
جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات
أمي وصلاتي لربي أوثر صلاتي على أمي ذكره ثلاثا
وكل ذلك قاله في
نفسه
لو كان جريج عالما لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته
فقالت اللهم لا
تمته حتى تريه وجوه المومسات
فغضبت فقالت
اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات
فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها
فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغى منهم إن شئتم
لأفتنته قالوا قد شئنا فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأمكنت نفسها من
راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج
قيل أنها كانت بنت ملك القرية
خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل
الفساد إلى أن ادعت أنها تستطيع أن تفتن جريحا فاحتالت بأن خرجت في صورة
راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته
فحملت حتى انقضت أيامها فولدت
فسئلت ممن هذا فقالت
فأخذت وكان من زنى منهم قتل فقيل لها ممن هذا قالت هو من
صاحب الصومعة
جريج الراهب نزل إلي فأصابني
فذهبوا إلى الملك فأخبروه قال أدركوه فأتوني به
فأتوه فكسروا
صومعته وأنزلوه
فأقبلوا بفئوسهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا
يهدمون ديره
فما شعر حتى سمع بالفئوس في أصل صومعته فجعل يسألهم
فلم يجيبوه
وضربوه فقال ما شأنكم قالوا انك زنيت بهذه
فقال له الملك
ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه اذهبوا به فاصلبوه فجعلوا
يضربونه ويقولون مراء تخادع الناس بعملك
فتولوا عنه فصلى ركعتين
ثم أتى الغلام
فقال من أبوك يا غلام فقال الراعي
فطعنه بإصبعه فقال بالله يا غلام من أبوك فقال أنا بن
الراعي
فأتى بالمرأة
والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج يا غلام من أبوك فنزع الغلام فاه من
الثدي
فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته فأتى
به فقال من أبوك قال فلان سمي أباه
قال للمرأة أين أصبتك قالت تحت شجرة فأتى تلك الشجرة فقال
يا شجرة أسألك بالذي خلقك من زنى بهذه المرأة فقال كل غصن منها راعي الغنم
ويجمع بين ما ذكر بأنه مسح رأس الصبي ووضع إصبعه على بطن
أمه وطعنه بإصبعه وضربه بطرف العصا التي كانت معه
فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه وزاد الأعرج في روايته
فأبرأ الله جريجا وأعظم الناس أمر جريج
فقالوا نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن
أعيدوه كما كان ففعلوا
فقال له الملك نبنيها من ذهب قال لا قال من فضة قال لا
إلا من طين
فردوها فرجع في صومعته فقالوا له بالله مم ضحكت فقال ما
ضحكت إلا من دعوة دعتها على أمي
وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن
الإستمرار فيها نافلة وإجابة الأم وبرها واجب
أنها كانت تشتاق
إليه فتزوره وتقتنع برؤيته وتكليمه
لو كان جريج
فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه
أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة
صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن وفيه قوة يقين جريج
وصحة رجائه لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق ولولا صحة رجائه
بنطقه ما استنطقه
الله يجعل لأوليائه بعد ابتلائهم مخارج وإنما يتأخر ذلك
عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا وزيادة لهم في الثواب وفيه اثبات كرامات
الأولياء ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم
بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدق فيما تدعيه على
الرجال من الوطء ويلحق به الولد وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها
المفزع في الأمور
المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة
وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود
بشهادته له بذلك وقوله أبي فلان الراعي