عن المسور بن مخرمة قال ’’ حملت حجراً ثقيلاً، فبينا أنا
أمشي سقط عني ثوبي، فلم أستطع أخذه، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال لي خذ عليك ثوبك, ولا تمشوا عراة ‘‘(
[21]) وفي لفظ ’’ أقبلت
بحجر أحمله وعليَّ إزار خفيف فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى
بلغت به إلى موضعه، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي ارجع إلى
ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة ‘‘(
[22])
الرسول صلى الله عليه وسلم أفرد الخطاب لمسور لاختصاصه
بالواقعة فقال له خذ عليك ثوبك ثم عمم النهي لعموم الأمة بقوله ولا تمشوا
عراة
وقال صلى الله عليه وسلم ’’ إياكم والتعري, فإن معكم من
لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم
‘‘(
[23]) إياكم والتعري أي
احذروا من كشف العورة فإن معكم من الملائكة الكرام وهم الحفظة الكتبة من لا
يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي أي يصل الرجل إلى أهله فاستحوا منهم
وأكرموهم أي بالتغطي وغيره مما يوجب تعظيمهم وتكريمهم
معنى هذا أنه لا يجوز كشف العورة إلا عند الضرورة كقضاء
الحاجة والمجامعة (
[24])
حكم كشف العورة والتجرد عن اللباس
يجب على الإنسان أن يستر عورته لما جاء في حديث معاوية بن
حيدة الذي قال ’’ يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك
إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في
بعض قال إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يراها قلت يا نبي الله إذا كان
أحدنا خاليا قال فالله أحق أن يستحيا منه من الناس ‘‘ (
[25])
كان السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي عورة
التي نسترها وأي عورة نترك سترها وعمن نسترها فقال احفظ عورتك أي استرها
كلها إلا من زوجتك (
[26])
القوم بعضهم في بعض أي مختلطون فيما بينهم مجتمعون في
موضع واحد ولا يقومون من موضعهم فلا نقدر على ستر العورة وعلى الحجاب منهم
على الوجه الأتم في بعض الأحيان لضيق الإزار أو لانحلاله لبعض الضرورة،
فكيف نصنع بستر العورة وكيف نحجب منهم قال ابذل كل ما استطعت في حفظها حتى
لا يراها أحد وفي هذا دليل على وجوب الستر للعورة لقوله فلا يرينها أحد
ولقوله احفظ عورتك
وعند الحديث عن العورة لا بد من معرفة العورة التي يجب
على المرء حفظها من التعري أمام الأخرين, والعورة التي يجب عليه سترها في
الصلاة, فالمرأة مثالاً يجب عليها حفظ بدنها كله لأنها كلها عورة لكن في
الصلاة وهي بعيدة عن الرجال الأجانب لها أن لا تستر وجهها
ما بين سرته إلى ركبتيه (
[27])
وعليه ستر منكبيه في الصلاة (
[28])
مع أن المناكب ليست من العورة لكن لقول النبي صلي الله
عليه وسلم ’’لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء‘‘(
[29])
عورة الصبي
ما بين سن السابعة إلى العاشرة الفرجان فقط(
[30])
وبعد العاشرة كالبالغ (
[31])
المرأة الحرة جميعها عورة حتى ظفرها (
[32])
وفي الصلاة كلها عورة غير الوجه (
[33])
عورة البنت
عورة البنت المراهقة كالمرأة الكبيرة (
[34])
وعورة البنت قبل السابعة الفرجين (
[35])
تنبيه: ليس معنى حفظ المرء عورته أن الواجب عليه ستر
العورة التي حددت فقط ويكشف ما دونها فيتسبب في فتنة الأخرين به كما تفعل
بعض النساء في لبس الملابس القصيرة والضيقة التي تبدي المفاتن وبدون أكمام
ومبدية للصدر والظهر وتكون شبه عارية تماماً، ويقلن أنهن لا يلبسن هذه
الملابس إلا عند النساء, أو كما تفعل بعض النساء من إلباس بناتهن الصغيرات
ثياباً قصيرة تكشف عن الساقين, فتتعود البنت من صغرها أن تتعرى أمام
إخوانها وجيرانها وأقاربها وتفقد حيائها تدريجياً حتى تصبح مما اعتادت عليه
من العري وفقدها الحياء أنها ترى من تتستر من النساء بأنها رجعية أو أن هذا
ما اعتاد عليه قومها
فلا ينبغي للإنسان أن يلبس ابنته هذا اللباس وهي صغيرة،
لأنها إذا اعتادته بقيت عليه وهان عليها أمره، أما لو تعودت الحشمة من
صغرها بقيت على تلك الحال في كبرها، والذي أنصح به أخواتنا المسلمات أن
يتركن لباس أهل الخارج من أعداء الدين وأن يعودن بناتهن على اللباس الساتر،
وعلى الحياء فالحياء من الإيمان (
[36])
فالأم عليها أن تعود أبنتها وخاصة إذا بلغت حدّ تأخذها
العين وتُشتهى أن تتستر لتقي نفسها من تحمل الإثم بفتنة الأخرين فلا تكون
بنتها من البنات التي مجرد أن بلغت حدّ تشتهى فيه تتعرى لتظهر عن جمال
بدنها أمام النساء في الأعراس والمناسبات ويقلن كلنا نساء مع بعض, أليس
التعري للنساء من أعظم الإفتتان إن المرأة تفتن بالمرأة كما يفتن الرجل
بالرجل
كشف المرء عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي، فإن
كان لحاجة جاز, وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف العلماء في كراهته وتحريمه
والأصح أنه حرام (
[37])
ولمسائل العورات فروع وتتمات وتقييدات معروفة في كتب
الفقه، وأشرنا هنا إلى بعضها فقط لئلا تخلو هذا الرسالة من أصل ذلك