الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)}
سورة الزخرف
الأخلاء جمع خليل بمعنى صديق حبيب
وسمي الأصدقاء أخلاء ، لأن المودة التي بينهم تخللت
قلوبهم واختلطت بنفوسهم .
أي الأخلاء في الدنيا يصير بعضهم لبعض يوم القيامة أعداء
، لأنهم كانوا يجتمعون على الشرور والآثام في الدنيا ، وكانوا يتواصون
بالبقاء على الفسوق والعصيان فيوم القيامة تنكشف الحقائق وتنقلب صداقتهم
إلى عداوة
لأن خلتهم في الدنيا لغير اللّه
الله تعالى بين تأثير خلة السوء وخطورتها
حتى يكون سلوك الإنسان في خلته مبني على حب الله وطاعته
ورضاه والتعبير هنا في سلوك الإنسان بخليله أعظم من التعبير بسلوكه مع غيره
لأنه هنا قد سلك مسلك ذابت نفسه في خله حتى كأنه وخليله قلب واحد ينبض لهم
بالمحبة فلا بد أن يقصد بهذا الخلة وجه الله المدعومة بتقواه
فالخلة في الدنيا على الإطلاق أو في الأمور الدنيوية أوكل
خلة مبنية على الهوى والطبيعة الإنسانية تكون في الآخرة عداوة ويتبرأ بعضهم
من بعض
لانقطاع ما بينهم من علائق الخلة فيجدون يوم القيامة أن
هذه الخلة التي كانت بينهم هي سبباً لعذابهم
فكل خلة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا خلة
المتقين لأنها كانت لله عز وجل، فإنها دائمة
لأن خلتهم في الدنيا كانت في الله فتبقى على حالها بل
تزداد بمشاهدة كل منهم آثار الخلة من الثواب ورفع الدرجات
فخلتهم في الدنيا تنفعهم في الآخرة ، لأنهم أقاموها على
الإِيمان والعمل الصالح والطاعة لله رب العالمين فتبقى نافعة أبد الآباد
فخلتهم تدوم وتتصل، بدوام من كانت المحبة لأجله
فالإخلاء في الله خلتهم باقية إلى الأبد وينتفع بعضهم من
بعض ويشفع بعضهم في بعض ويتكلم بعضهم في شأن بعض وهم المتقون الذين
استثناهم الله
فالآية الكريمة إنذار للذين كانت خلتهم في الدنيا تقوم
على محاربة الحق ، ومناصرة الباطل وفيها بشارة عظيمة للمتقين الذين بنوا
خلتهم في الدنيا على طاعة الله ونصرة دينه ، والعمل بشريعته
وشرائط الخلة في الله
أن يكونوا متحابين في الله محبة خالصة خلتهم لوجه الله من
غير شوب بعلة دنيوية هوائية
متعاونين في طاعة الله ولا يجرى بينهم مداهنة فبقدر ما
يرى بعضهم في بعض من صدق وجد واجتهاد يساعده ويوافقه ويعاونه فإذا علم منه
شيئاً لا يرضاه الله تعالى لا يرضاه من خليله ولا يداريه بل ينصحه بالرفق
والموعظة الحسنة فإذا عاد إلى ما كان عليه وترك ما تجدد لديه يعود إلى صدق
مودته وحسن صحبته
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ
يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ
خَذُولًا (29) } سورة الزخرف
والمعنى واذكر أيها العاقل يوم القيامة وما فيه من حساب
وجزاء ، عندما يعض الظالم يده سواء كان ظلمه لغيره بإفساده أو ظلمه لنفسه
في طاعة صديقه السوء وهو فعل النادم الملهوف المتفجّع من فرط الحسرة ، فعض
اليدين وأكل البنان وحرك الأسنان ونحوها عبارة عن الندم لما جرى به عادة
الناس أن يفعلوه عند ذلك وهو كناية من شدة غيظه وندمه وحسرته
يوم يقول هذا الظالم { يَا وَيْلَتَا }يا هلاكي فهذه
الكلمة تستعمل عند وقوع داهية لا نجاة منها
ويقول في هذا اليوم { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً
خَلِيلاً } ليتني لم أتخذ الذي أضلني في الدنيا صديقا وخليلا لي وحبيبا
مصافيا فعاديت أنصح الناس لي، وأبرهم بي وأرفقهم بي، وواليت أعدى عدو لي
الذي لم تفدني ولايته إلا الشقاء والخسارة والخزي والبوار.
والمراد بفلان كل من أضل غيره وصرفه عن طريق الحق وكل
ظالم أطاع خليله في العصيان حتى مات على ذلك ، ويدخل في ذلك دخولا أوليا
أُبى بن خلف وعقبة بن أبي معيط لأنه نهاه عن الإسلام بعد أن أتى بالشهادة
فقبل نهيه فنزلت الآية فيهما
فإن عقبة كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ويستمع إلى
حديثه ، فقالت قريش : قد سبأ عقبة وفارقنا ، فعاتبه أمية بن خلف صديقه وقال
وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تتفل في وجهه ولا أرضى منك إلا أن
تأتيه فتطأ قفاه وتبزق في وجهه ، حتى يعلم قومك أنك غير مفارقهم ، ففعل
عقبة ذلك
{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي
}
لقد أضلني خليلي هذا المشئوم عن الذكر يعني صرفني عن
الهدى الذي يشمله القرآن الكريم ، وما يشمله غيره من توجيهات النبي صلى
الله عليه وسلم بعد إذ جاءني إشعار بأن هدى الرسول صلى الله عليه وسلم قد
وصل إلى هذا الشقي ، وكان في إمكانه أن ينتفع به لكن خله عدل به إلى طريق
الضلالة وزين له ما هو عليه من الضلال بخدعه وتسويله , يزين له الباطل
ويقبح له الحق، ويعده الأماني
فمن كان هذا مسلكه مع خليل له من أهل السوء فإنه سيكتوي
بسوء سمعته في الدنيا فقد حمل رائحته التي تجعل المجتمع يحكم عليه بأنه على
مسلك سوء فإن الناس إن أرادت أن تعرف شخص عرفته من حال أخلائه فإن المرء
على دين خليله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل }
{ وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } فالشيطان
دائما وأبدا . خذولا للإنسان . أي صارفا إياه عن الحق ، محرضا له على
الباطل ، فإذا ما احتاج الإنسان إليه خذله وتركه وفرعنه وهو يقول : إني
بريء منك
وهكذا تكون عاقبة الذين يتبعون أصدقاء السوء ، وصدق الله
إذ يقول : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ
المتقين }
لأن للخلة تأثير قوي على سلوك الإنسان فالخليل إذا كان له
اتجاه جر خله إليه لأن الخلة لا تتم إلا مقترنة بتبادل الثقة ومع الثقة
يحصل الاستسلام والانقياد والموافقة فإذا ارتفعت الصداقة إلى مستوى المحبة
أو الخلة كان ذلك أشد وأقوى وكان تأثيرها على كل من الخليلين أعمق
والمسلم الواعي يحسن اختيار أخلائه من المؤمنين المتقين
الصالحين أهل الاستقامة حتى يكونوا عوناً له على الخير فإذا كانوا على غير
ذلك أثروا عليه تأثيراً عكسياً وكانوا له عوناً على الشر أو موسوسين له به
وأخذين بيده إليه وتكون هذه الخلة سبباً لعداوتهم وعذابهم يوم القيامة