الإسلام يدعوا إلى الزواج ويرغب فيه , لأنه هو أسلم طريقة
لتصريف الغريزة الجنسية, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’يا معشر
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج , فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن
لم يستطع فعليه بالصوم, فإنه له وجاء ‘‘([119])
فالشريعة توجه من كان لديه قدرة الإنفاق على الزواج أن
يتزوج، فالزواج أشد إحصانا ومنعاً من الوقوع في الفاحشة
ومن لم يستطع الزواج لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع
شهوته ويقطع شر منيه، وعلى هذا وقع الخطاب مع الشباب لأنهم مظنة ثوران شهوة
النساء الداعية إلى الجماع ولا ينفكون عنها غالباً
وفي الحديث إشارة إلى أن الغرض من الصوم في الأصل كسر
الشهوة.
وإرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم، لأن شهوة النكاح
تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوته وتضعف بضعفه، واستدل بهذا على جواز المعالجة
لتسكين شهوة النكاح بالأدوية، وليس قطعها من أصلها لأنه قد يقدر على الزواج
بعد ذلك, ومن العلاجات التي يكسر بها الشهوة الكافور ونحوه
وهذا الحديث مما استدل به على تحريم الاستمناء لأنه أرشد
عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة، فلو كان الاستمناء
مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل، ولو أباح الاستمناء طائفة من العلماء لأجل
تسكين الشهوة
والمسلم الذي يتفاعل مع هدي الشريعة إنسان تقي والتقوى
تجعله يغض بصره ويحصن فرجه ولا يقدم حظوظ النفوس والشهوات على أحكام الشرع
بل هي دائرة معها
والمسلم المستطيع الزواج الذي يخاف الوقوع في الزنا يجب
عليه الزواج
مخافة الضرر على نفسه ودينه من العزوبة
ولذا يفضل للقادر ألا يؤخر الزواج لانشغاله بالدراسات
والبعثات فإن الزواج لا يشغله كثيراً عن دراسته بل الخوف من الانشغال
بالزواج عن الدراسة أقل ضرراً من التعرض للوقوع في الزنا والحرام وخاصة
عندما تكون الدراسة أو البعثة في بلاد تنتشر فيها الإباحية وهو مع شبابه
عنده مطالب غريزية
البنت إن تقدم لزواجها من يوثق في دينه وخلقه فعلى وليها
وعليها الإسراع بالموافقة من أجل عفتها وصيانتها ولو كانت صغيرة في السن
فإن عائشة خطبت بنت ست سنين وبني بها وهي بنت تسع سنين ومن هو زوجها؟ رسول
الله المشرع لنا الأحكام بعد الله فلا يقال البنت لازالت صغيرة, فعن عائشة
أم المؤمنين رضي الله عنها قالت’’ تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا بنت ست ودخل علي وأنا بنت تسع سنين وكنت ألعب بالبنات
‘‘(
[120]) وفي رواية ’’ زفت
إليه وهي بنت تسع سنين ، ولعبها معها ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ‘‘(
[121])
ويحرص الأب على أن يكون لبنته موافقة على من تتزوجه قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم’’ لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر
حتى تستأذن قالوا : يا رسول الله ! وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت ‘‘(
[122])
وإن تقدم أكثر من رجل لزواج البنت واختارت هي أحدهما
فيقدم رأيها ولو تبين للأهل أفضلية الآخر فعن جابر بن عبد الله رضي الله
عنه قال ’’جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، عندنا
يتيمة قد خطبها رجلان مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ، وهي تهوى المعسر ونحن نهوى
الموسر، فقال صلى الله عليه وسلم لم نر للمتحابين مثل النكاح ‘‘ (
[123])
وفي رواية ’’ لم يروا للمتحابين في الله مثل التزوج ‘‘ ([124])
وإن بحث الأب أو بحثت الأم عن زوج لابنتهما أو عرض الأخ
أخته على أهل الصلاح لكان هذا شيء عظيم فعله عمر ابن الخطاب رغم تعرضه لرفض
من بعض من عرض بنته عليهم في الظاهر إلا أنه استمر في عرضها حتى تزوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعن عبد الله بن عمر’’ أن عمر بن الخطاب حين
توفي خنيس بن حذافة السهمي ، زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب وهو رجل صالح ممن
شهدوا بدرا ، فلما تأيمت ، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان ، فعرضت عليه حفصة
، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ، قال: سأنظر في أمري ، فلبث ليالي ،
فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج .
قال عمر: فلقيت أبا بكر ، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت
عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا ، فكنت عليه أوجد مني على عثمان
فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم
أرجع إليك ؟
قلت: نعم ، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت ،
إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي
سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها لقبلتها ‘‘([125])
ولا يؤخر الزواج وهو قادر عليه لأنه يريد أن يتمكن من جمع
مال أكثر أو لأنه يبني بيت أو يبتغي شراء شقة فإنه لو قدم الزواج على قدرته
الحالية ولو في بيت إيجار لكان أفضل لعفته وتحصينه من التعرض للوقوع في
الحرام وليعلم أن الله يساعده في نفقات الزواج
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ ثلاثة كلهم حق الله
عَوْنُهُ: الـمـجاهد فـي سبـيلِ الله، والناكح يريد العفاف، والـمكاتَب
يريد الأداء ‘‘ (
[126])
يريد العفاف الذي يقمع معه الشهوة الجبلية المركوزة في
الإنسان، التي تنزل بصاحبها في أسفل السافلين, والذي يبتغي العفة من الزنا
بالزواج يأتي بأمر من الأمور الشاقة لولا أن الله تعالى يعينه عليها قد لا
يقوم بها
ولا يجعل المسلم همه من الزواج تفريغ شهواته فقط بل
لإنجاب الذرية كما رغبنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقوله’’تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة‘‘([127])
وإن قصد بالزواج مع قضاء شهوته أن يخرج منه من يذكر الله
كان عظيماً
قال عمر بن الـخطاب رضي الله عنه ’’والله إني لأُكْرِهُ
نفسي علـى الـجماع، رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح ‘‘([128])
الأب القادر مادياً عليه تزويج ابنه
والأب القادر ينبغي عليه أن يزوج ابنه إذا بلغ ولا يلتفت
هو أو ابنه إلى أفكار من يحسد من هذا حاله ويقول بأهمية تزويج الرجل نفسه
من جهده وأن الذي لا يتعب في زواج نفسه لا يشعر بطعم الزواج أو لا يقدر
مسؤولية الزواج فقد جاء في حديث فيه مقال ’’من ولد له ولد فليحسن اسمه
وأدبه ، فإذا بلغ فليزوجه ، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثماً, فإنما إثمه على
أبيه ‘‘ (
[129]) وفي رواية ’’ في
التوراة مكتوب من بلغت ابنته اثنتي عشرة سنة ولم يزوجها فأصابت إثماً، فإثم
ذلك عليه ‘‘(
[130])
ولتحذر المرأة أن تزوج نفسها كما تفعل بعض بنات الجامعات
المختلطة من تزويج نفسها في السر دون أن تعلم أحد من أهلها بزواجها فليس
هناك كثير فرق بينها وبين من تسلم عرضها لنزوة
وخاصة زواج المتعة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ لا تزوج المرأة
المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ‘‘(
[131])
وبعد معرفة الأمور السابق ذكرها والتي فيها وقاية للمرء
من الانجراف في الانحراف ينبغي على المرء أن يستحضر دائماً أهمية المحافظة
على عورته فإن في العمل على حفطها يتكون عنده الوقاية وتدفعه للسعي في غض
بصره عن الأخرين, وعلى قدر حرصه في ذلك, الله تعالى يجعل له مهابة عند
الآخرين ليس فقط في غض بصرهم عن عورته ولكن بإعطائهم له التقدير والتوقير
والاحترام, كما كان من أمر عثمان الذي من شدة حيائه ومحافظته على عورته كان
في استحيائه من الله يغتسل وعليه ثيابه, فكافئه الله من جنس عمله فجعل
الملائكة والنبي يستحون منه, كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما
قالت له عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له
ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال’’ ألا أستحي من رجل تستحي
منه الملائكة ؟ ‘‘([132]) ’’ إن عثمان حيي ستير تستحي منه الملائكة