أمرت الشريعة بغض البصر وهذا يشمل غض البصر المباشر
للعورات كما تقدم, ويشمل غض البصر عن محل الشهوة مما ليس بعورة كالأمرد,
وغض البصر عن صور المجون التي هي محل جامع للشهوات
غض البصر عن صور الخليعة التي تثير الشهوة عند الرجال
والنساء
من أعظم ما يحتاج غض النظر عنه ما يبث من إثارة لشهوات
الرجل والمرأة في أفلام الخليعة والأفلام المدبلجة التي تموع الدين, وصور
المجون في مجلاتها وخطورة مشاهدة هذه الشرور أنها تُكون عند من يشاهدها
رغبة ملحة في الوصول إلى الفعل الشنيع بكل اشتياق ولهفة, لما لها من غي على
الفروج الذي تخوف علينا منه النبي صلى الله عليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
’’ أنما أخشى عيكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات
الهوى‘‘(
[92])
إن ما تخوفه النبي صلى الله عليه وسلم أصبح بيّن عند من
سمحت نفسه بمشاهدة صور الخليعة سواء كانت صوراً ثابتة أو متحركة, وكثيراً
ما يجد الرجل في مشاهدة أفلام الخليعة نساء أجمل من زوجته والجمال يغير
قلبه وعقله، وقد يذهله ما رآه بما يحصل في نفسه من الهوى. كما فعلت النسوة
لما رأين يوسف {قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَـذَا
بَشَرًا} [يوسف] والآن تحدث أمور فظيعة مع توفر أجهزة الجوالات الحديثة وما
يخزن فيها من أفلام كاملة للخليعة
إن مشاهدة أفلام الخليعة وشيوعها يترك آثارا وأضرارا تشيب
منها الرؤوس وتقشعر منها الأبدان ويشتت بها القلب وتمرضه إن لم تمته
وعندما يموت القلب يقوم ببث ونشر فساده فلا يكتفي أن
يشاهد هو الرذيلة ولكن يقوم بإرسالها إلى غيره ويدعوهم للعمل بما جاء فيها
ونتيجة فعله هذا أنه يعاقب على مشاهدته لها ويعاقب على مشاهدة كل من أرسل
إليهم وشاهدوها مثل عقابهم على مشاهدتها يقول تعالى {لِيَحْمِلُواْ
أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ
يُضِلُّونَهُمْ } [النحل 25 ] يحملوا آثامهم الخاصة بهم وهي آثام ضلالهم
كاملة لم ينقص منها شيء فلا يخفف من عذابهم شيء بل يوصل إليهم بكليته
ويحملوا مثل أوزار من ضل بإضلالهم كاملة
لأن المضل والضال شريكان هذا يضله وهذا يطاوعه فيتحاملان
الوزر وللضال أوزار زائدة وهي أوزار الذين يضلهم, فيعاقب عقاباً مساوياً
لعقاب كل من اقتدى به علاوة على العقاب على وزرهم
وكثيراً ما يقوم من أرسلت له الخليعة بإرسالها إلى غيره,
وغيره يرسلها إلى غيره, فيعاقب كل من أرسل فساداً بمثل عقوبة كل من تسبب في
مشاهدتهم جميعاً, قال صلى الله عليه وسلم’’ أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع
عليها وعمل بها فعليه مثل أوزار الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أوزارهم
شيئاً ‘‘(
[93])
وقد يقوم من وصلت له خليعة بتنفيذ مثلها بالفعل وربما كان
تطبيقه لهذه الخليعة مع محارمه فكم تكون عاقبة أمره, يقول تعالى
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ
وَلَيُسْـئَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِياٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [
العنكبوت 13]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم’’ من سن سنة شر فاتبع
عليها كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا ‘‘(
[94])
وأي شر أشر من مجاهرته بهذا الفساد الذي يتباهى ويجاهر به
في نشره وهو يشيع الفاحشة بين أبناء المسلمين وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم ’’كل أمتي معافى إلا المجاهرين‘‘ (
[95]) وقال تعالى{إِنَّ
ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [النور 19]
فبينت الشريعة أن الذين يريدون ويقصدون أن تنتشر الخصلة
المفرطة في القبح وهي الزنا ويشيع خبرها بين الناس لهم عذاب أليم في الدنيا
والآخرة وقد تحقق عذاب الله في الدنيا لرجل كان يقوم ببث أفلام الخليعة من
خلال استقبالها من قنوات مشفرة ثم يقوم هو ببثها للغرف التي يسكنها زملائه
المغتربين في العمل في سرية, فمات في الحمام ولم يعلم بموته إلا بعد أيام
من انتشار رائحته, وكان ذلك قبل انتشار الفضائيات التي تولت هي نشر
الخليعة, وفي نفس الوقت رجل آخر كان أثناء عمله بإحدى الدول العربية يقوم
بنشر أفلام الخليعة بين زملائه بالعمل فرجع بلده ليقابل عذاب الله له الذي
بدأ بطلب زوجته الطلاق فتدمر البيت بطلاقها وأبنائه في الجامعة مشردين الآن
لا مع أبيهم ولا أمهم وضاعت أمواله التي جمعها من الغربة والله أعلم
بنهايته{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [الفجر 14] فلينتبه المسلم
ويخشى على نفسه أن يكون من الذين استهانوا بالخليعة والصور القبيحة وهم
يشيعونها بين أبناء المسلمين ويهدونها لمن يعرفونهم ومن لا يعرفون وهم لا
يستجيبوا لقول النبي صلى الله عليه وسلم’’ لا تؤذوا عباد الله ‘‘(
[96]) ولا يحذروا عذاب
الله لأن {الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ
شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ ص26 ]