التوبة المعلق عليها الفلاح
وتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
لما أمر تعالى عباده بالأوامر الحسنة، ووصاهم بالوصايا
المستحسنة، وعلمه أنه لا بد من وقوع تقصير من المؤمن بذلك، أمر الله تعالى
بالتوبة فقال { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ }
لأن المؤمن يدعوه إيمانه إلى التوبة ثم علق على ذلك الفلاح فقال {
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي الرجوع
مما يكرهه الله، ظاهرا وباطنا
إلى ما يحبه الله ظاهرا وباطناً
والله تعالى خاطب المؤمنين جميعا بالتوبة، لأن" كل بني
آدم خطاء وخير الخطائين التوابون "
وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: { وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ } أي لا مقصد للتوبة غير وجه الله، لا مقصد سلامة من آفات
الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة
فالله تعالى أمر المؤمنين والمؤمنات بالتوبة وهي ترك ما
من شأنه أن يغضب الله تعالى ، وفعل ما وجب فعله ومن ذلك غض البصر وحفظ
الفرج والالتزام بالعفة والتنزه عن الإثم صغيره وكبيره وبذلك يتأهل
المؤمنون للفلاح الذي هو الفوز بالنجاة من المرهوب والظفر بالمحبوب المرغوب
فالله تعالى يأمر المؤمنين جميعاً بالتوبة إلى الله من كل
ما تدعو إليه الجبلة البشرية من الاستحسان والشهوة التي تصدر عن الإنسان من
غفلة ثم يتغلغل هو فيها
فأمرهم بالتوبة ليحاسبوا أنفسهم على ما يفلت منهم من ذلك
اللمم المؤدي إلى ما هو أعظم
وأن يؤملوا الفلاح إن هم تابوا وأنابوا
فلو راجع صاحب المعصية نفسه مراجعه صحيحة ، ولم يحابها في
معصية الله لعلم أن لذة المعاصي كلذة الشراب الحلو الذي فيه السم القاتل ،
والشراب الذي في السم القاتل لا يستلذه عاقل لما يتبع لذته من عظيم الضرر
وحلاوة المعاصي فيها ما هو أشدّ من السمّ القاتل ، وهو
ما تسلتزمه معصية الله جل وعلا من سخط الله على العاصي ، وتعذيبه له أشد
العذاب ، وعقابه على المعاصي قد يأتيه في الدنيا فيهلكه ، وينغص عليه لذة
الحياة كحال الواقعين في شرب المخدرات فإن في اللذة التي يقول شاربيها أنهم
يجدوها في شربها هم أيضاً يخبرون أنها لذة وهمية لأن حقيقة أمرهم هم في
عذاب نفسي واجتماعي سلطه الله عليهم ليدمرهم من سخطهم لله بشربها
والتوبة كما هي واجبة على المذنب من الذنوب كذلك لازمة
للمقصر في التكاليف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « توبوا إلى
الله جميعا فأنى أتوب إليه في كل يوم مائة مرة »
فتوبة المذنب من المحرمات وتوبة المقصر من زوائد المحللات
{ لعلكم تفلحون } ففلاح المذنب من النار إلى الجنة
والمقصر من ارض الجنة إلى اعلي عليين