فتاب عليه

علمنا التوبة من ناحية شروطها ومن ناحية تحقيقها

فالتوبة تتحقق من ثلاثة أمور مترتبة ، علم وحال وعمل

المراد من وصف الله تعالى بالتواب المبالغة في قبول التوبة وذلك من وجهين ، الأول : أن واحداً من ملوك الدنيا متى جنى عليه إنسان ثم اعتذر إليه فإنه يقبل الاعتذار ، ثم إذا عاد إلى الجناية وإلى الاعتذار مرة أخرى فإنه لا يقبله لأن طبعه يمنعه من قبول العذر ، أما الله سبحانه وتعالى فإنه بخلاف ذلك ، فإنه إنما يقبل التوبة لا لأمر يرجع إلى رقة طبع أو جلب نفع أو دفع ضرر بل إنما يقبلها لمحض الإحسان والتفضل . فلو عصى المكلف كل ساعة ثم تاب وبقي على هذه الحالة العمر الطويل لكان الله تعالى يغفر له ما قد سلف ويقبل توبته ، فصار تعالى مستحقاً للمبالغة في قبول التوبة فوصف بأنه تعالى تواب . الثاني : أن الذين يتوبون إلى الله تعالى فإنه يكثر عددهم فإذا قبل توبة الجميع استحق المبالغة في ذلك ، ولما كان قبول التوبة مع إزالة العقاب يقتضي حصول الثواب وكان الثواب من جهته نعمة ورحمة وصف نفسه مع كونه تواباً بأنه رحيم .

في هذه الآية فوائد : إحداها : أنه لا بد وأن يكون العبد مشتغلاً بالتوبة في كل حين وأوان ، لما ورد في ذلك من الأحاديث والآثار ، أما الأحاديث ( أ )

عن ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام : « توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في كل يوم مائة مرة . ( د ) »

لأن القلب لا ينفك عن الخطرات والخواطر والشهوات وأنواع الميل والإرادات فلا بد لنا أن  نستعين بالرب تعالى في دفع تلك الخواطر

قال عمر رضي الله عنه في قوله تعالى : { تُوبُواْ إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً } [ التحريم : 8 ] إنه هو الرجل يعمل الذنب ثم يتوب ولا يريد أن يعمل به ولا يعود

قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار وبالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها

التوبة اسم جامع لمعان كثيرة . أولهن : الندم على ما مضى ، الثاني : العزم على ترك الذنوب في المستقبل . الثالث : أداء كل فريضة ضيعتها فيما بينك وبين الله تعالى . الرابع : أداء المظالم إلى المخلوقين في أموالهم وأعراضهم . الخامس : إذابة كل لحم ودم نبت من الحرم . السادس : إذاقة البدن ألم الطاعات كما ذاق حلاوة المعصية

 يا صاحب الذنوب ألم يأن لك أن تتوب ، يا صاحب الذنوب إن الذنب في الديوان مكتوب ، يا صاحب الذنوب أنت بها في القبر مكروب ، يا صاحب الذنوب أنت غداً بالذنوب مطلوب