أنت يا من أنعم الله عليك واستخلفك في منصبك الذي تشغله
فأعطاك المكانة أعطاك الإدارة المنصب وبسط عليك هذا النعيم فاذكر ألآء الله
عليك ووجه هذا النعيم لطاعة الله حتى لا تكون متشبها بقوم عاد فلا تقل
مكانتي ومنصبي بعلمي بشهادتي وخبراتي هي التي جعلتني أستحق ما أنا فيه
فتغتر كهؤلاء الذين قالوا من
أشد منا قوة
فإن الله استخلفك وجعلك تشغل منصب كان لغيرك فوصل إليك
بفضل الله ليختبرك ابتلاء وامتحان من الله لك لينظر هل تشكر الله عليه
وتطيع ربك فيه أم تغتر وتنسبه لنفسك سيجيء يوم وتفقد المنصب بمجيء غيرك أو
بموتك فهو لن يدوم لك كما لم يدم لمن قبلك فماذا عملت كن في هذه المكانة
حامدا لله شاكرا له موجها هذا العلم الذي بسطه إليك كطالوت الذي بسط الله
إليه في العلم والجسم فوجه ألآء الله لطاعة الله
وهذه قصته
لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بني إسرائيل
وقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا من أبنائهم جمعا كثيرا وانقطعت النبوة من
أسباطهم ولم يبق من سبط لاوي الذي يكون فيه الأنبياء إلا امرأة حامل من
بعلها وقد قتل فأخذوها واحتفظوا بها في بيت لعل الله يرزقها غلامًا يكون
نبيًّا لهم ولم تزل تلك المرأة تدعو الله عز وجل أن يرزقها غلامًا فسمع
الله لها ووهبها غلامًا، فسمته شمويل ومعناه بالعبرانية إسماعيل، أي سمع
الله دعائي
شب ذلك الغلام
ونشأ فيهم وأنبته الله نباتًا حسنًا فلما بلغ سن الأنبياء أوحى الله إليه
وأمره بالدعوة إليه وتوحيده، فكان من أمره معهم ما قص الله في كتابه دعا
بني إسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعداءهم وكان الملك
في سبط يهوذا وأيضًا قد باد فيهم
والمقصود أن هؤلاء القوم لما أنهكتهم الحروب وقهرهم
الاعداء سألوا نبي الله في ذلك الزمان وطلبوا منه أن ينصب لهم ملكا يكونون
تحت طاعته ليقاتلوا من ورائه ومعه وبين يديه الاعداء
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ }
الملأ هم الأشراف والرؤساء، وإنما سمى الأشراف بذلك لأن
هيبتهم تملأ الصدور وخص الملأ بالذكر، لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن
مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه
{مِنْ بَعْدِ مُوسَى } بيان للزمن الذي كان يعيش فيه
أولئك الملأ من بني إسرائيل
{إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا
نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّه }
طلبوا هذا من نبيهم لأن العمالقة أتباع جالوت كانوا قد
أخرجوهم من ديارهم ، وأنزلوا بهم هزائم شديدة ، فطلبوا ذلك لكي يستردوا
مجدهم الضائع ، وعزهم المسلوب ، على يد هذا القائد المختار من جهة نبيهم
فقال لهم النبي:
{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا }
هذا استفهماً من نبيهم عما هو متوقع عنده ومظنون يعني هل
الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون؟ إن أقام الله لكم ملكًا لا تفوا بما
التزمتم من القتال معه
{ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا }
قال الملإِ على سبيل الإِنكار والتعجب مما قاله نبيهم وأي
صارف يصرفنا عن القتال وقد أخذت منا البلاد وسبيت الأولاد؟ وحالنا كما نرى؟
إننا قد أخرجنا من ديارنا وحيل بيننا وبين أبنائنا وفلذات قلوبنا فكيف لا
نقاتل مع أن الدواعي موجودة، والبواعث متوفرة، والأسباب مهيئة؟
قال لهم نبيهم { إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ
طَالُوتَ مَلِكًا }
قال لهم بعد أو أوحى إليه
قيل أن الله قد أوحى إلى شمويل أن أي بني إسرائيل كان
طوله على طول هذه العصا وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الذي فيه من دهن
القدس فهو ملكهم.
فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا فلم يكن أحد
منهم على طولها سوى طالوت ولما حضر عند شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه
وعينه للملك عليهم
لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكًا منهم فعين لهم
طالوت وكان رجلا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم لأن النبوة كانت في
سبط لاوى والملك فيهم كان في سبط يهوذا، ولم يكن طالوت من سبط يهوذا وكان
من سبط بنيامين فنفروا منه وطعنوا في إمارته عليهم وقالوا كيف يكون ملكا
وهو دوننا في الشرف والنسب ونحن أحق بالملك منه
وكان تعيين طالوت هذا من الله وكان الواجب عليهم فيه
القبول والانقياد وترك الاعتراض، ولكن أبوا إلا أن يعترضوا، فقالوا
{ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا } أي: كيف
يكون ملكًا علينا { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ
سَعَةً مِنَ الْمَالِ } وهو مع هذا فقير لا مال له يقوم بالملك، وقد ذكر
بعضهم أنه كان سقاء وقيل دباغًا.
ذكروا أنه فقير لا سعة من المال معه فكيف يكون مثل هذا
ملكا.
وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت وكان الأولى بهم طاعة
وقول معروف فأجابهم النبي قائلا { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ }
اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم
يقول لهم نبيهم لست أنا الذي عينته من تلقاء نفسي بل الله
أمرني به لما طلبتم مني ذلك
{ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ }
أي أن الله تعالى منحه سعة في العلم والمعرفة والعقل
والإِحكام في التفكير المستقيم لم يمنحها لكم ، وفي { والجسم } بأن أعطاه
جسماً قوياً ضخماً مهيباً . وهذه الصفات ما وجدت في شخص إلا وكان أهلا
للقيادة والريادة وفضلا عن كل ذلك فمالك الملك هو الذي اختاره فكيف تعترضون
يا من تدعون أنكم تريدون القتال في سبيل الله؟
ثم قال لهم نبيهم { وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ
يَشَاءُ }
يعطي ملكه لمن يشاء من عباده لحكمة يعلمها . فلا يجوز
لأحد أن يعترض على اختياره ، والله واسع الفضل والعطاء وهو الحاكم الذي ما
شاء فعل ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه
ولهذا قال { وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } بمن يستحق الملك
ممن لا يستحقه فيضع الفضل فيمن يستحق
فأزال بهذا الكلام ما في قلوبهم من كل ريب وشك وشبهة
لتبيينه أن أسباب الملك متوفرة فيه، وأن فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده،
ليس له راد، ولا لإحسانه صاد.
ثم إن نبيهم لم يكتف بهذه الدلائل الدالة على صلاحية
طالوت للقيادة ، وإنما ساق لهم بعد ذلك من العلامات التي تشهد بأحقيته بهذا
المنصب ما يثبت قلوبهم ، ويزيل شكهم ويشرح نفوسهم
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ }
يقول نبيهم لهم إن علامة بركة ملك طالوت عليكم أن يرد
الله عليكم التابوت والمراد به صندوق التوراة
وهذا أيضا من بركة ولاية هذا الرجل الصالح عليهم ويمنه
عليهم أن يرد الله عليهم التابوت الذي كان سلب منهم وقهرهم الأعداء عليه
وأخذوه منهم
ذكر لهم نبيهم آية حسية يشاهدونها وهي إتيان التابوت الذي
قد فقدوه زمانا طويلا وفي ذلك التابوت سكينة
{ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ }
تسكن بها قلوبهم، وتطمئن لها خواطرهم
أي في إتيانه سكون لنفوسكم وطمأنينة لها ومودع فيه ما
تسكنون إليه وهو التوراة
{ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ }
عصا موسى وعصا هارون وألواح من التوراة
{ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ } أي تأتيكم به الملائكة
يحملونه وأنتم ترون ذلك عيانا ليكون آية لله عليكم وحجة باهرة على صدق ما
أقوله لكم وعلى صحة ولاية هذا الملك الصالح عليكم.
فجاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته
بين يدي طالوت، والناس ينظرون فأصبح التابوت في دار طالوت فزاد المؤمنين
بنبوة شمويل وأطاعوا طالوت
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ } دليل على صدقي فيما
جئتكم به من النبوة، وفيما أمرتكم به من طاعة طالوت { إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ } بالله واليوم الآخر
{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ
اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ }
لما تملَّك طالوت ببني إسرائيل واستقر له الملك تجهزوا
لقتال عدوهم، فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل وكانوا عددا كثيرا وجما
غفيرا، امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك
فقال { إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَر} وهو نهر
الأردن بين الأردن وفلسطين المشهور بنهر الشريعة
{فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي }
فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته
{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ
اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }
وكان أمر طالوت لجنوده عند هذا النهر عن أمر نبي الله له
عن أمر الله له اختبارا وامتحانا أن من شرب من هذا النهر فلا يصحبني في هذه
الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه أو من أغترف غرفة بيده
{ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ }
وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق
الامتحان، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه، وضعفوا الذين
شربوا عن المصادمة، وزال ما كانوا عزموا عليه، واستولى على أكثرهم الخور
والجبن ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قتال عدوهم فظلموا أنفسهم وتركوا أمر
الله ورجعوا عن باقي العسكر
وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم
صبرهم على القتال الذي سيطول وتحصل فيه المشقة الكبيرة
أما القليل الثابتون الذين لم يشربوا والذين شربوا غرفة
واحدة فقد ازدادوا توكلا على الله، وتضرعا واستكانة وتبرؤا من حولهم
وقوتهم، وزاد صبرهم على قلتهم وكثرة عدوهم، فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم
فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم على مقارعة أعدائه، فحازوا شرف الدنيا
والآخرة
{ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}
فلما جاوز طالوت ومن معه النهر وتخطوه وكان عدد أصحاب
طالوت الذين جاوزوا معه النهر بضعة عشر وثلاثمائة مؤمن نفس عدد أصحاب بدر
وقد شاهدوا كثرة جند جالوت فقال بعض الذين عبروا النهر مع
طالوت لبعض بقلق ووجل لا قدرة لنا اليوم على محاربة أعدائنا ومقاومتهم فهم
أكثر منا عَدداً ، وأوفر عُددا .
استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم
واستضعفوا أنفسهم عن مقاومة أعدائهم
والقائلون هذا القول هم بعض المؤمنين الذين عبروا معه
النهر ، ولم يقولوا ذلك هروباً أو نكوصاً عن القتال ، وإنما قالوه كمظهر من
مظاهر الوجل الذي يعتري بعض النفوس عند الاستعداد للقتال
فهم الذين أطاعوا أمر الله ولم يشربوا من النهر الشرب
المنهي عنه لكنهم عندما رأوا قلتهم وكثرة أعدائهم وعَددهم وعُددهم
{ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ
وَجُنُودِهِ }
{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ }
قال الذين يتيقنون أنهم ملاقوا الله يوم القيامة فيحاسبهم
على أعمالهم وهم الشجعان منهم والفرسان أهل الإيمان والإيقان الصابرون
قالوا مشجعين لإخوانهم الذين تهيبوا قتال أعدائهم كم من جماعة قليلة
بإيمانها وصبرها تغلبت بإذن الله وتيسيره على جماعة كثيرة
فثبتهم وشجعهم وطمئنوا خواطرهم علماؤهم وهم العالمون
مبينين أن وعد الله حق فإن النصر من عند الله بإرادته ومشيئته فالأمر لله
تعالى، والعزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، فلا تغني الكثرة مع
خذلانه، ولا تضر القلة مع نصره، فالنصر ليس عن كثرة عدد ولا عدد
{ والله مع الصابرين } بالنصر والمعونة والتوفيق، فأعظم
جالب لمعونة الله صبر العبد لله، فوقعت موعظتهم في قلوبهم وأثرت فيهم
ولهذا قالوا { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ
فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }
فلما واجه حزب الإيمان وهم قليل من أصحاب طالوت لعدوهم
أصحاب جالوت وهم عدد كثير { قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا }
أنزل علينا صبرًا من عندك { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } في
لقاء الأعداء وجنبنا التزلزل والفرار والعجز
{ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
طلبوا من الله أن يفرغ عليهم الصبر أي يغمرهم به من فوقهم
فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبت أقدامهم في مجال الحرب ومعترك الابطال
والدعاء إلى النزال فسألوا التثبيت الظاهر والباطن وأن ينزل عليهم النصر
على أعدائهم وأعدائه من الكافرين الجاحدين بآياته وآلائه، فأجابهم العظيم
القدير السميع البصير الحكيم الخبير إلى ما سألوا وأنالهم ما إليه رغبوا.
وكان طالوت ملك بني إسرائيل يحرض بني إسرائيل على قتل
جالوت ملك العدو وجنوده ويقول طالوت من حكمته تشجيعاً لقتل جالوت أن الذي
سيقتل جالوت سيزوجه طالوت أبنته وسيشركه في ملكه
وكان داود عليه السلام في ذلك الوقت أصغر أولاد أبيه
وكانوا ثلاثة عشر ذكرا، وقد سمع كلام طالوت أنه سيزوج أبنته لمن يقتل ملك
العدو جالوت وسيشركه معه في الملك
وكان داود عليه
السلام يرمى بالقذافة وهو المقلاع [ النبل ] رميا عظيما، فبينا هو سائر مع
بني إسرائيل إذ ناداه حجر أن خذني فإن بي تقتل جالوت.
فأخذه ثم حجر آخر كذلك ثم آخر كذلك، فأخذ الثلاثة في
مخلاته فلما تواجه الصفان برز جالوت ودعا إلى نفسه فقال لطالوت خرج إلي من
يبارزني وأخرج إليك من يبارزك فندب طالوت الناس فانتدب داود وتقدم داود إلى
طالوت فقال له طالوت ارجع فإني أكره قتلك
فقال داود لكني أحب قتلك
وأخذ داود تلك الأحجار الثلاثة فوضعها في القذافة ثم
أدارها فصارت الثلاثة حجرا واحدا.
ثم رمى بها جالوت ففلق رأسه { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ
}
وفر جيشه منهزما
{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ } غلبوهم وقهروهم بنصر
الله لهم
أي بحول الله لا بحولهم، وبقوة الله ونصره لا بقوتهم
وعددهم، مع كثرة أعدائهم وكمال عددهم
وبشجاعة داود عليه السلام الذي قتل جالوت قتلا أذل به
جنده وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها ملك عدوه فيغنم بسبب ذلك
الأموال الجزيلة ويأسر الإبطال والشجعان والإقران وتعلو كلمة الإيمان على
الأوثان ويدال لأولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل
وأوليائه
واطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان
أعدائهم وتمكينهم من الأرض
ووفى له طالوت بما وعده فزوجه ابنته وشاطره نعمته وشاركه
في أمره وأجرى حكمه في ملكه وعظم داود عليه السلام عند بني إسرائيل وأحبوه
ومالوا إليه
وكانت مدة ملك طالوت أربعون سنة
فرجع الله بطالوت ملك قومه لأنه وجه ألآء الله عليه من
بسط العلم والجسم لله فدعمه الله بشجاعة داود التي أتت بنصر الله وقتل عدو
الله الغاصب جالوت وهزيمة الأعداء
وبعد هذه القصة
أنت أنت أنت يا من مكنك الله بمنصب أذكر ألآء الله عليك
واجعل هذا المنصب لخدمة الله ولا تظلم من مكنك الله عليهم وتزدري الناس
وتتعالى عليهم وتجعلهم صغار في نظرك لأنك صاحب المكانة والسلطة وصاحب
القرار في مكانك
وأنت أنت أنت يا من أنعم الله عليك بمن هو أقل منك شرفاً
اجتماعيا أو ماليا فيعلوك بمنصب يفيدك أو يفيد غيرك ويكون ممن يتقي الله
فتحتقره لأنه وتستضعفه فارجع إلى الله الذي بسط إليك المكانة والشرف
واستحضر ألآء الله عليك حتى لا تكون مثل هؤلاء الذين اعترضوا على تولية
طالوت عليهم وبين لهم نبيهم أنه أفضل منهم ولو كان لهم الشرف والمكانة
وأنت أنت أنت يا من بسط الله عليه علم فهيئ له مكانة
ومنصب أعلى من نشأته الاجتماعية والمالية وأصبحت في المنصب أو الوظيفة
والمكانة الرفيعة فاشكر الله عليها ووجها لله حتى يزيد الله شأنك لأنك تكون
بذالك شاكراً وذاكراً لألاء الله عليك
واحذر أن تغتر بهذه المكانة ويكون كل همك إثبات نفسك
اجتماعيا أو ماديا فيؤدي بك هذا الأمر إلى البعد عن الله