المتقين

التقوى اجل الرغائب لأنها من الصفات التي يحبها الله تعالى ويحب من تخلق بها من بني آدم ولهذا قال { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) } [التوبة]

ومحبة الله للعبد مبدأ لكل سعادة ودلالة عن رضا الله عن العبد وارادة الخير به

والإنسان عندما يكون تقياً تجده يسلك السلوك الطيب مع خالقه ومع الآخرين فتجده يسارع إلى الأعمال الصالحة التي تجعل بينه وبين عذاب الله حاجزاً لاستحضاره مخافة الله

والله تعالى أخبر أن الجنة معدة للمتقين أي هيئها للمتقين وهم الذين صانوا أنفسهم عن محارم الله ، وجعلوا بينهم وبين الوقوع في المحارم وقاية وساترا ، وخافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى

هنا يسأل البعض كيف أكون تقياً فأنا كثيراً ما يقال لي أتقي الله وفي أغلب الخطب كل جمعة أسمع الخطيب يقول ثلاث مرات أتقوا الله

تبين من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن المتقين أقسام وأصحاب كل قسم من هذ الأقسام من المتقين وإن لم يحقق ما في باقي الأقسام فكيف بمن يجمع بين هذه الأقسام

القسم الأول

المنفقين الكاظمين الغيظ العافين عن الناس

المتقين هم المنفقين على اختلاف أحوالهم المادية والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس

قال تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) } [آل عمران ]

المتقون هنا من حققوا أمور ثلاثة :

 1- الأنفاق

الذين ينفقون حال يسرهم وفى حال عسرهم ، وفى حال سرورهم وفى حال حزنهم ، وفى حال صحتهم وفى حال مرضهم ، لا يصرفهم صارف عن إنفاق أموالهم في وجوه الخير ما داموا قادرين على ذلك

وهذا مما يدل على صفاء نفوسهم ، وقوة إخلاصهم وعلى التزامهم العميق لتعاليم دينهم وطاعة ربهم

2- كظم الغيظ

الذين يتعرضون لأذية من غيرهم توجب غيظ قلوبهم وتدفعهم للانتقام بالقول أو الفعل فعليهم أن يكظموا ما في القلوب من الغيظ ولا يظهرونه وخاصة عند قدرتهم على من أغضبهم

3- الإعفاء عن الناس

الذين يعفون عن الناس الذين أساءوا  إليهم بقول أو فعل

فهؤلاء هم المتقون الذين تاجروا مع الله، وعفوا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنهم

فمن حقق الأمور الثلاثة السابقة فهو من المتقين

القسم الثاني

الذين إذا أذنبوا تابوا

من صفات المتقين أنهم إذا فعلوا فعلة قبيحة ، أو ظلموا أنفسهم ، بارتكاب أي نوع من أنواع الذنوب ذكروا الله أي تذكروا حقه العظيم ، وعذابه الشديد ، وحسابه العسير للظالمين يوم القيامة فاستغفروا لذنوبهم أي طلبوا منه سبحانه المغفرة لذنوبهم التي ارتكبوها ، وتابوا إليه توبة صادقة نصوحا

وقد بين تعالى ذلك وهو يدعو الناس إلى المبادرة بدون تأخير أو تردد إلى ما يوصلهم لمغفرة ربهم ورحمته ورضوانه وجنته بقوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)} [آل عمران]

المتقون هنا في هذا القسم من حققوا هذه الأمور

1- الإسراع في طلب الغفران

الإنسان الذى يدخل في جملة المتقين هو الذي يعود إلى ربه تائبا فور وقوع المعصية ، بحيث لا يسوف ولا يؤخر التوبة

2-  العلم بأن الذنب لا يغفره إلا الله

الإنسان عليه أن يعلم أن الله يتوب على من تاب

ويعلم عظم غضب الله على المذنبين الذين يداومون على فعل القبائح دون أن يتوبوا إليه

ويعلم أنه لا أحد يقبل توبة التائبين ، ويغفر ذنوب المذنبين ، ويمسح خطايا المخطئين ، إلا الله العظيم الحليم

3- عدم الإصرار على الذنب بعد معرفة قبحه

فالإنسان الذي يريد أن يتحلى بصفات المتقين عليه إذا فعل فاحشة أو ظلم نفسه أن يسارع بالتوبة إلى الله تعالى ولا يصر على الفعل القبيح الذى فعله وهو عالم بقبحه ، بل يندم على ما فعل ، ويستغفر الله تعالى مما فعل ، ويتوب إليه توبة صادقة فمن يرتكب فاحشة ويظلم نفسه ، ويتذكر الله عند ارتكابها فيعود إلي الله تائباً منيبا له يكون من المتقين

والذي يحقق الأمور الثلاثة لهذا القسم هو من المتقين