تأثير الإخلاص

الإيمان الحق هو الذي ينتج الأعمال الصالحة ويدعُ إلى الالتزام بالأعمال والأخلاقِ الكريمة

فلأعمال الصالحةَ القولية والفعلية جزء من أجزاء الإيمان

والإيمان بالله ، إفرادُه بالعبوديّة، إخلاصُ الدين لله

’’ نادى رجل فقال يا رسول الله ما الإيمان قال الإخلاص ‘‘

الإخلاص الذي أمر به الله { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}  [الزمر:1-3]، { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}  [البينة:5].

ولذا نرَى النبي صلى الله عليه وسلم يفتَتِح دعوتَه, كما بدَأ إخوانُه الأنبياء والمرسَلون قبله، بالدّعوة إلى توحيدِ الله، إلى إخلاصِ الدّين لله، إلى أن يفرَدَ الله وحدَه بالعبادة، إلى تعلُّق القلبِ بالله رجاءً ومحبّةً وخوفًا.

بقِيَ بمكّةَ عشرَ سنين لم تفرَض عليه صلاةٌ ولا زكاة ولا أيّ فريضة، وإنما التوحيد يُبدِئ ويعيدُ فيه، ويعلِنُه ويدعو إلَيه، ويجتَثّ جذورَ العصيان والتمرد على الله من القلوب، حتى إذا حلَّ الإيمانُ محلَّ ذلك جاءت الفرائض والواجباتُ

فالعمل على تقوية الإيمان هي المهمة الأكبر في الصلاح

فلنبدأ بالإخلاص

 

أزرع الإخلاص في قلبك

فالإخلاصُ يمنَع العبدَ مِن معاصي الله، كلّما همَّ بسيّئة تذكَّر المقامَ بين يديِ الله، تذكَّر علمَ الله به واطِّلاعَه عليه وأنَّ اللهَ يسمَع كلامَه ويرى مكانَه ويعلَم سرَّه وعلانيتَه، وكلُّ أعمالِه يعلمُها ربّه قبل أن يعمَلَها، {َلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِي} [يونس:61].

، كلّما تذكّر العبدُ عِلمَ الله، كلّما قام بقَلبه الإيمانُ ، عند ذلك يقوَى الإخلاص ويتضاعَف اليقينُ ويزداد العبدُ خيرًا وهدى.

انظر إلى نبيِّ الله يوسُف عليه السلام والمحن التي مرَّت به والمغرِيَات التي عرَضَت له كيف تخطَّاها وتجاوَزها رغمَ كثرتِها، ما السببُ في ذلك؟ السبَب واضحٌ، سبَبٌ واحد، إخلاصُه لله حماه من كلِّ سوء، {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف:24]. لمّا أخلَصَ للهِ توحيدَه صار هذا الإخلاصُ سببًا لاتِّقاء المحرَّمات والقيام بالواجب.

فالمخلصون مستقيمون على طاعتهم، المخلِصون مواصِلُون للأعمالِ الصالحة لا ينحرِفون عن أعمالِهم

إبراهيم عليه السلام وأهل بيته سواء هاجر أو إسماعيل أخلصوا لله في أعمالهم فجعل الله أعمالهم مناسك يأتي بها الحجاج في أعظم عبادة فكانت آثارُ إخلاصِهم أنّ أعمالَهم التي عملوها بقَيت لهم ذكر في الدنيا والآخرة، {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ } [الشعراء:84].

الإخلاص يجعل الله به قوة تحرك للمرء الصخور

بين كم ينفَع الإخلاصُ أهلَه، وكم ينجيهِم من المضائِق والهموم، انظر إلى الثلاثةِ الذين انطبَقَت عليهم الصخرةُ في الغار، فأصبَحوا لا يقدِرون على أن يخرُجوا، لا يُسمَع لهم صوتٌ، ولا حولَ ولا قوّةَ لهم، ففكَّروا فالتَجؤوا إلى الله، وسألوا الله بما قام بقلوبهم من إخلاصهم لله، البارُّ بوالديه والمترفِّع عن المعاصي بعد القدرةِ عليه والمؤدِّي للأمانة قال كل رجل منهم وهو يطلب النجاة اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك هذا هو الإخلاص فجعل الله لهم بهذا الإخلاص قوة تحرك لهم الصخور

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

[بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار كهف في جبل]{ فدخلوا فانحدرت صخرة من الجبل على فم غارهم فسدت عليهم الغار فقال بعضهم لبعض: قد وقع الحجر وعفا الأثر ولا يعلم مكانكم إلا الله، إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا [الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه ] تدعوا الله بصالح أعمالكم فقال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ولي صبية صغار وكانت لي غنم فكنت أرعاها... وأختلف فيما بين غنمي وبين أبوي فكنت آتيهما بلبن غنم لي أطعمهما وأشبعهما وأرجع إلى غنمي ، فإذا رحت عليهم بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا وإنه قد نأى بي طلب شجر يوما ، فما أتيت حتى أمسيت ، فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحلاب ، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما ، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى برق الفجر [فاستيقظا فشربا غبوقهما]

اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة

فانصدع الحجر , انفرجت الصخرة حتى رأوا الضوء وأيقنوا الفرج زال ثلث الحجر

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

قال الآخر اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فلما هممت بها قالت: إني أخاف الله رب العالمين. فقلت لها: تخافين الله في الشدة ولم أخفه في الرخاء؟ فأعطيتها ما استغنت هي وعيالها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه

فانصدع الحجر فانفرجت الصخرة حتى رأوا الضوء وأيقنوا الفرج زال ثلث الحجر

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

إنه كان لي عمال استأجرتهم في عمل لي، كل رجل منهم بأجر معلوم. فجاءني رجل ذات يوم وذلك في شطر النهار فاستأجرته بقدر ما بقي من النهار بشطر أصحابه الذين يعملون بقية نهارهم ذلك، كل رجل منهم نهاره كله. فرأيت من الحق أن لا أنقصه شيئا مما استأجرت عليه أصحابه. وأعطيتهم أجرتهم فقال رجل منهم: يعطي هذا مثل ما يعطيني ولم يعمل إلا نصف نهاره  فقلت له: وأنا غضبان إني لا أبخسك شيئا من شرطك، وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت. فغضب وترك أجره فرق من أرز وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره إلى مر بي بعد ذلك بقر فاشتريت له فصيلا من البقر حتى بلغ ما شاء الله فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فلما رأيت ذلك عزلت حقه في جانب البيت ما شاء الله، ثم مر بي الرجل بعد حين وهو شيخ ضعيف وأنا لا أعرفه، فقال لي: إن لي عندك حقا. فلم أذكره حتى عرفني ذلك، فقلت له: نعم... إياك أبغي. فعرضت عليه ما قد أخرج الله له من ذلك الفصيل من البقر، فقلت له: هذا حقك فقال لي يا عبد الله أد إلي أجري فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق[فإنها من ذلك الفرق(مكيال معروف)]

فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي ولا تتصدق علي أعطني حقي إنما لي عندك فرق من أرز فقلت إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فساقه فلم يترك منه شيئا ، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأول، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ، فأفرج عنا ما نحن فيه

فزال الحجر , انفرجت الصخرة , فرج الله عنهم فخرجوا يمشون إلى أهليهم راجعين ‘‘

يتبين من هذه القصص الثلاثة عظم الإخلاص فكل منهم دعا الله بعمل أخلصه لله أي قصد به وجه الله فكان به النجاة جعل الله لهم بهذا الإخلاص قوة تحرك لهم الصخور

 

الإخلاص شرط لقبول العمل ولهذا بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عظم أمره لما سئل ’’ ما الإيمان قال الإخلاص ‘‘

 فجعله هو الإيمان لأهميته كما جعل الحج عرفة لأهميته والدعاء العبادة لأهميته

فأخلاق المؤمنين الكريمةُ وأعمالهم الطيّبة وصفاتهم الحميدةُ التي قامَت بقلوبهم من إيمانٍ بالله ربًّا، إيمان بأنّه النافعُ الضارّ، وأنه يجِب أن يقصَدَ بالعَملِ فالله لا يقبَل من أعمالنا وأقوالِنا إلاّ ما كان خالِصًا لوجهِه، نبتغِي به وجهَه والدارَ الآخرة

أهي نبدأ الإخلاص بترك المعصية بتوبة لوجه الله ليس لغرض آخر

الله تعالى لا يقبل العمل إلا الذي أفرد العبد في قصده وجه الله مخلصاً

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

’’ إن الله تبارك وتعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له ولا تقولوا هذه لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء ولا تقولوا هذه لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله منها شيء ‘‘

فلا يشرك المرء في عمله أحد مع الله من خيراً أو معروفاً للناس إما أن يقصد به وجه الله وإما أن يقصد الناس فلا يقول هذا لله ولناس فليس له سوى الناس وليس له من الله شيء وقد أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم في أظم الأعمال في الجهاد

’’ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا شيء له

فأعادها ثلاث مرار ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شيء له ثم قال إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي وجهه ‘‘

فلا يقصد المرء بعمله أي شيء سوى وجه الله أما انتظار الوجاهة عند الأخريين بالذكر أو الثناء والمحمدة فهذه أمور دنيوية يحصلها لكن قد حكم على كل شيء بالخسران ألا ما ابتغي به وجه الله

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

’’ الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله تعالى ‘‘

فلا بد أن تكون نية العبد قصد بها الله حتى يؤجر عليها 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

’’ إنما الأعمال بالنية وفي رواية بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ‘‘

فلا بد أن يكون العبد نوى بعمله وجه الله كمن كان على معصية وتوقف عنها فلا بد أن يكون تركها لله أي هجره للمعصية ابتغاء وجه الله

أما أن يكون هجره للمعصية ابتغاء أمر دنيوي كمن كان واقع في الإدمان وينوي بالتوقف عن التعاطي حياة خالية من المخدر

أو من أجل الزواج حتى لا يتعب المرأة التي يتزوجها

نعم هذا عمل أفضل من الاستمرار على التعاطي لكن ليس له فيه أجر بل قد ينتكس لأنه لم يقصد بهجره المعصية وجه الله فلا بد أن يعلم المرء أن هجره للمعاصي لابد أن يكون لله حتى يؤجر عليه ويعوضه الله خيراً منه ’’ من ترك شيء لله عوضه الله خيراً منه ‘‘

فالله تعالى يحاسب العبد على نية عمله وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم