موضوع المحاضرة
 

قصة أبو محجن الثقفي

أبو محجن الثقفي الشاعر المشهور له صحبة 

كان فارس قوي شجاع

كان أبو محجن هذا من الشجعان الأبطال في الجاهلية والإسلام من أولي البأس والنجدة ومن الفرسان البهم

وكان شاعر تتغنى بقصائده العرب فقد كان يسمى صناجة العرب

كان شاعراً مطوعاً كريماً ألا إنه كان منهمكاً في الشراب لا يكاد يقلع عنه ولا يردعه حد ولا لوم لائم ، وكان أبوبكر الصديق يستعين به

وكان يدمن الخمر وكان يجلد عليها ,

وجلده عمر بن الخطاب في الخمر مراراً

فهو ممن حد من الصحابة في الخمر

وفي سنة 14 ضرب عمر بن الخطاب إبنه عبيد الله في الشراب هو وجماعة معه ، كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر  أيضاً وفي هذه السنة ضرب أبا محجن الثقفي في الشراب سبع مرات ، وضرب معه ربيعة بن أمية إبن حلف 

 و قد حد عمر بن الخطاب أبو محجن الثقفي في الخمر سبع مرات , فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه

حدث عمر أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحاب له ، فإنطلق عمر حتى دخل عليه ، فإذا ليس عنده إلاّ رجل ، فقال أبو محجن يا أمير المؤمنين ! إن هذا لا يحل لك ، قد نهى الله ، عن التجسس ، فقال عمر ما يقول هذا ؟ ، فقال له زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الأرقم صدق يا أمير المؤمنين ! هذا من التجسس فخرج عمر وتركه

وقيل دخل أبو محجن على عمر فظنه قد شرب فقال استنكهوه ([1])  فقال أبو محجن هذا التجسس الذي نهيت عنه فتركه

وكان قد هوى امرأة من الأنصار يقال لها شموس , فحاول النظر إليها فلم يقدر , فآجر نفسه من بناء يبني بيتا بجانب منزلها , فأشرف عليها من كوة , فأنشد ولقد نظرت إلى الشموس ودونها حرج من الرحمن غير قليل , فاستعدى زوجها عمر , ونفاه إلى جزيرة في البحر

وبعث معه رجلا يقال له أبو جهراء البصري كان أبو بكر يستعين به فأمر أبا جهراء البصري ورجلا آخر أن يحملاه في البحر

رأى أبو جهراء من أبي محجن سيف فهرب منهما وأتى العراق أيام القادسية , فكتب أبو جهراء إلى عمر بهروب أبو محجن , فكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص وكان أميرا على العراق يأمره بسجنه , ولما كان يوم القادسية وسعد يتخلل الصفوف ويعظهم ويوصيهم أي الامراء , وكان في الليل قد طاف على العسكر فرأى أبا محجن الثقفي يشرب الخمر فقال له يا عدو نفسه لقد محوت أجر جهادك وعبادتك , والله لآخذن منك حق الله, وجلده الحد وقيده في القصر ,

وكان بسعد فلم يخرج يومئذ على الناس

وإعتذر إليهم لما به من القروح في فخذيه وأليتيه ، فعذره الناس وعلموا حاله ، ولما عجز ، عن الركوب إستخلف خالد بن عرفطة على الناس

فلما كان يوم القادسية

ورفع سعد فوق العذيب لينظر إلى الناس فلما التقى الناس وقد صعد سعد فوق البيت لينظر ما يصنع الناس في المعركة

 ورأى أبو محجن قتال الفرس للمسلمين رآهم يقتتلون ، فكأنه رأى المشركين وقد أصابوا في المسلمين

قال لامرأة سعد وهي بنت خصفة واسمها سلمى يا سلمى يا بنت آل خصفة هل لك إلى خير , قالت وما ذاك , قال تخلين عني وتعيرينني البلقاء , فلله علي إن سلمني الله , أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي , وإن قتلت استرحتم مني , فقالت وما أنا وذاك , فرجع يرسف في قيوده يقول

كفى حزناً أن تلتقي الخيل بالقنا * وأترك مشدوداً علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت     مصاريع دوني ,

قال لامرأة سعد وهي بنت خصفة واسمها سلمى يا سلمى يا بنت آل خصفة هل لك إلى خير , قالت وما ذاك , قال تخلين عني وتعيرينني البلقاء , فلله علي إن سلمني الله , أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي , وإن قتلت استرحتم مني , فقالت وما أنا وذاك , فرجع يرسف في قيوده يقول

كفى حزناً أن تلتقي الخيل بالقنا * وأترك مشدوداً علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت     مصاريع دوني , قد تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة      فقد تركوني واحدا , لا أخا ليا

ثم استخيرت سلمى لما رئته من شدة الفرس ولمعرفتها بفروسية أبات محجن فقالت إني استخرت الله ورضيت بعهدك فأطلقته , ووثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء , ثم أخذ الرمح وانطلق حتى أتى الناس ,

ثم جعل  يركض حتى لحق بالقوم ، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ، ويدق صلبه ،

 فقاتل قتالا عظيما , وكان يكبر ويلعب بين الصفين برمحه وسلاحه , فجعل لا يحمل في ناحية إلا هزمهم الله فلا يقف بين يديه أحد , وكان يقصف قصفا منكرا , فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه فجعل الناس يقولون هذا ملك , ظنوه ملكا من الملائكة , وسعد ينظر وهو مشرف على الناس من فوق القصر , فجعل يقول والله لولا محبس أبي محجن , وأني تركته في القيد لظننتها بعض شمائله , ولقلت هذا أبو محجن وهذه البلقاء فجعل سعد ينظر إليه، ويتعجب ، من هذا الفارس ؟ وجعل سعد يقول الضبر ضبر البلقاء والطعن طعن أبي محجن ، وأبو محجن في القيد

  فإقتتل المسلمون قتالاً شديداً والخيول تجول

 فلم يلبثوا إلاّ يسيراً حتى هزم الله الفرس ،

فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد , ورد السلاح ، كما كان

، فجاء سعد ، فقالت له إمرأته أو أم ولده  كيف كان قتالكم ؟ فجعل يخبرها ويقول لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق ، لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائل أبي محجن ، فقالت والله إنه لأبوا محجن ، كان من أمره كذا وكذا ، فقصت عليه القصة ، فأخبرت بنت خصفة سعدا الذي كان من أمره ,  

فقال لا والله لا أحد اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم ,

فدعا به وحل عنه قيوده وخلى سبيله

وقال له سعد لا أجلدك في الخمر أبدا , فقال أبو محجن وأنا والله لا أشربها أبدا , والله لا تدخل في رأسي إبدأً قد كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم , لقد كنت أشربها , إذ كان يقام علي الحد أطهر منها , فأما إذا بهرجتني , فو الله لا أشربها أبدا , فلم يشربها بعد

فوفقه الله أن تاب توبة نصوحا فلم يعد إليها إلى أن مات بأذربيجان وقيل بجرجان ([2])

قال أبو محجن في تركه شرب الخمر

رأيت الخمر صالحة وفيها                مناقب تهلك الرجل الحليما

فلا والله لا اشربها حياتي                   ولا أشفي بها أبدا سقيما

هذه توبته بعد أن كان وقت تعاطيه من حبه للخمر , كان ينشد فيها ما أخبر به عبد الملك بن مروان لعبيد بن أبي محجن عندما دخل عليه , فقال أبوك الذي يقول

إذا مُتُّ فٱدِفنّي إلى جَنْب كَرْمةٍ      تروّي عظامِي بعد موتي عُروقُها

ولا تَدْفِنَنِّي بالفَلاَة فإنّني              أخاف إذا ما مِتُّ أنْ لا أذُوقُها

ليروى بخمر الحص ([3]) لحدي     فإنني أسير لها من بعد ما قد أُسقه

وبعد هذه القصة يتبين للمدمن من شعر أبو محجن مدى كان عشقه للخمر, ومع ذلك كان أشجع من بطولته قرار توبته , والاستمرار عليها حتى الممات , وفي إخباره كيف كان مخدوع في الخمر وهو يظن أنها صالحة , وهي تهلك الرجال , لينظر المدمن في قصته هذه وفي حاله ومدى الإهانة التي تعرض لها بسبب المخدرات من إقامة حد بجلد وحبس بل إن أبو محجن في جهالة الخمر وفي تغريبه كان أهون من تغريب مدمن اليوم لأنه بين أظهر أهله وناسه ويشعر بنفورهم منه

فعلى المدمن أن يقتاد بمثل قصة أبو محجن هذه كيف كان الشرب يضيع فروسيته وكان سيحرمه من جلب النصر لدينه وأمته , فإن في المدمنين ما عنده مواهب عظيمة في مجالات كثيرة تفيد الأمة والدين , وتجعل له كيان عظيم , لكن التعاطي يهينه ويخفي هذه المواهب , فلا بد للمدمن أن لا تقل شجاعته عن أبي محجن ويسطر ختاماً لقصته في الإدمان بتوبة نصوحة يتبعها بعمل صالح حتى الممات  

الحث على ألا يترك المرء نفسه للإهانة والتوبيخ الذي يتعرض له من الإدمان والتوضيح بأن المدمن ليس انسان شرير بل عنده خيرات يستطيع أن يوجهها توجيهاً صحيحاً يخدم بها دينه ومجتمعه وينفع بها الإسلام

توجيهه على أن يترك التعاطي حتى يتمكن من استغلال قدراته في النفع

اشعار المتعاطي بدفاع الدين عنه أمام من يسبه بل وأمر من يسبه بالدعاء له بالمغفرة والرحمة لترغيبه في سماحة الشريعة

من وسائل إيجاد الدافعية للعلاج

ولهذا يتبين الفرق بين إقامة الحد عليه لتطهيره وبين سبه الذي يعين الشيطان عليه الشريعة تثبت للمدمن أنه يحب لله ورسوله الحذر من الأفكار الخاطئة التي تجعل المرء يتمادى في التعاطي عناداً فيمن يقومه ويهذبه كما كان يحدث من أبو محجن عندما بين أنه كان يتعاطى عناداً لمن يقيم عليه الحد