والمحبة المنفردة عن الخضوع لا تكون عبادة؛ فمن أحب شيئا
ولم يخضع له؛ لم يكن عابدا؛ كما يحب الإنسان ولده وصديقه، كما أن الخضوع
المنفرد عن المحبة لا يكون عبادة؛ كمن يخضع لسلطان أو ظالم اتقاء لشره.
ولهذا لا يكفي أحدهما عن الآخر في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله
أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كل شيء.
والعبادة هي الغاية المحبوبة لله والمرضية له، وهي التي خلق
الخلق من أجلها؛ كما قال تعالى: {وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ، وبها
أرسل جميع الرسل؛ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .
العبادة لها أنواع كثيرة
فالصلاة,
والزكاة، والصيام، والحج،
وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود،
والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان
إلى الحيوان والأيتام والمساكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين
والبهائم، والدعاء، والذكر، والقرآن؛ كل ذلك من العبادة، وكذلك حب الله وحب
رسوله، وخشية الله والإنابة إليه؛ كل ذلك من العبادة، وكذلك الذبح والنذر
والاستعاذة والاستعانة والاستغاثة.
فيجب صرف العبادة بجميع أنواعها لله وحده لا شريك له؛ فمن
صرف منها شيئا لغير الله؛ كمن دعا غير الله، أو ذبح أو نذر لغير الله، أو
استعان أو استغاث بميت أو غائب أو بحي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله؛
فقد أشرك الشرك الأكبر وأذنب الذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة، سواء صرف هذا
النوع من العبادة لصنم أو لشجر أو لحجر أو لنبي من الأنبياء أو ولي من
الأولياء حي أو ميت؛ كما يفعل اليوم عند الأضرحة المبنية على القبور؛ فإن
الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد؛ لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي
ولا غيرهم: قال تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ، وقال تعالى: {فَلَا
تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ، وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا
اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .
ومع الأسف الشديد؛ فقد اتخذت القبور اليوم في بعض البلاد
أوثانا تعبد من دون الله ممن يدعون الإسلام... وقد يدعو أحدهم غير
الله في أي مكان، ولو لم يكن عند قبر؛ كمن يقول: يا رسول الله! عند
قيامه أو مفاجأته بشيء غريب!! أو يقول: المدد يا رسول الله! أو:
يا فلان... وإذا نهوا عن ذلك؛ قالوا: نحن نعلم أن هؤلاء ليس لهم من
الأمر شيء، ولكن هؤلاء أناس صالحون، لهم جاه عند الله، ونحن نطلب بجاههم
وشفاعتهم!! ونسي هؤلاء أو تناسوا- وهم يقرءون القرآن- أن هذا بعينه قول
المشركين؛ كما ذكره الله في القرآن في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ
هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا
لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، وقوله تعالى: {أَلَا
لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ
زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}
، فسماهم كفارا كذبة، وهم يعتقدون أن هؤلاء الأولياء مجرد وسائط بينهم وبين
الله في قضاء حوائجهم، وهذا ما يقوله عباد القبور اليوم، {تَشَابَهَتْ
قُلُوبُهُمْ} .