الصفحة الرئيسية السلوك الإيمان الإدمان وعلاجه  
 

علاج

أصدقاء السوء

بالصحبة الطيبة

 
 
  مقدمة  

الحمد لله القائل {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) } طـه

فالله تعالى بين أن من خالف أمره وما أنزله على رسوله فأعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه فإن له معيشة ضنكا في الدنيا ، فلا طمأنينة له ولا انشرح لصدره ، بل صدره ضيق حرج لضلاله ، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك ، فلا يزال في ريبة يتردد وهذا من ضنك المعيشة [1]

وله تعالى الحمد على قوله {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}

والحياة الطيبة توفيقه إلى الطاعات فإنها تؤديه إلى رضوان الله [2]

هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحاً وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى ، من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا ، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة ، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت

والصلاة والسلام على رسول الله القائل{لا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم} [3]

   أما بعد فهذه الرسالة أفطن من خلالها المرء ليبغض السوء ويسعى لتجنبه حتى لا يحشر مع أهله وأُنمي فيه الرغبة في الإقبال على أهل الخير والصلاح ومحبتهم ليحشر معهم ويبلغ بمحبتهم حب الله له فينال فلاح الدنيا والآخرة

كتبها / عبد القادر بن محمد بن حسن أبو طالب

 

هناك أسباب كثيرة تدفع بالمرء إلى المعصية مع ضعف إيمانه ومنها :

* مشاكل اجتماعية سواء كانت مع الوالد أو الوالدة أو كلاهما أو مع الإخوان أو مع الزوجة أو الأولاد

* مشاكل نفسية عنده أو من الضغوط الخارجية

* حب التجربة

وغير ذلك من الأسباب التي قد تدفع بالمرء إلى المعاصي

لكن كل هذه الأسباب قد يمكن أن تبقى كامنة عند المرء دون التنفيذ والتكرار ,  لولا السبب الرئيسي وهو صاحب السوء الذي ساعد على تنفيذ المعصية الأولى مع البعد عن الله

والمرء بعد وقوعه في المعصية عندما يتأثر بصديق السوء ويقتاد به في المعصية يسحبه صاحب السوء إلى مواقعه لأن صاحب السوء بشخصيته أقوى إرادة وتأثيراً في السوءً منه والصاحب ساحب فيتحول المرء الذي كانت فطرته طيبة ليكون من أعضاء السوء ثم يكرر هو ما فعل به مع غيره وهكذا

ولهذا فإن الشريعة جاءت بنصوص الآيات والأحاديث التي يقي بها المرء نفسه من الوقوع في شراك صحبة السوء

وجاءت أيضاً بالنصوص التي ينتشل بها المرء الواقع في السوء نفسه من صحبة السوء ليرجع إلى صوابه وينصلح حاله

وما أتت به الشريعة من النصوص التي سنذكرها فهو من علاج أصدقاء السوء بالصحبة الطيبة كما هو بين في عنوان الرسالة ويشمل العلاج لصنفين من الناس

الصنف الأول من يتعرض أو تعرض لضرر من أصدقاء السوء

والصنف الثاني صاحب السوء نفسه

وجعلنا علاج كل صنف في مبحث على النحو التالي :

 المبحث الأول لحماية المرء من صديق السوء

المبحث الثاني لتغير المرء وتبديل حاله من صاحب سوء للآخرين ليكون صاحب في الله

المبحث الأول

حماية المرء من صديق السوء

ويشمل

المرء الذي تضرر من أهل السوء

المرء المتعرض لضرر أهل السوء

حماية المرء من صديق السوء

يشمل المرء الذي تضرر من أهل السوء والمرء المتعرض لإيذاء أهل السوء

وكلاهما يحتاج في حمايته معرفة خطورة وغاية صديق السوء حتى يتفطن ويعلم كيف يتعامل معهم لحماية نفسه منهم

معرفة خطورة وغاية صديق السوء

خطورة صديق السوء

أنه يعرف مداخل صاحبه وكيف يؤثر عليه وكيف يلعب في رأسه وأفكاره فيُفسد عليه صلاحه أو يحول بينه وبين توبته حتى يبقيه في دوامة المعاصي وكثيراً ما يستغله فيجعله أداة للشر والفساد

غاية صديق السوء

صديق السوء لا يريد ألا أن يرى غيره أحط وأخس منه , وخاصة عندما يرى غيره في صلاح بعد توبة وما يجده من تقدير المجتمع له لتركه المعاصي والدعاء له بالثبات وهو يبقى مبغوضاً في المجتمع لفساده وينظر المجتمع له نظرة سوء

إن صديق السوء لا يرضى بذلك , فتجده يستغل معرفته لمداخله فيلعب في رأسه حتى يحول بينه وبين توبته ليفسد عليه صلاحه كما لعب هو أو غيره من أصدقاء السوء عندما أدخلوه دوامة المعاصي

وتظهر خطورة أصدقاء السوء على الواقعين في إدمان المخدرات فإن أغلبهم إن لم يكن جميعهم قد دخلوا هذه الدوامة بسبب صديق سوء ومهما كانت الأسباب التي جعلته يقبل على تعاطي المخدر فإنه لم يعرف المادة المخدرة والحصول عليها والترغيب فيها إلا من صاحب سوء أرشده إليها فأوقع به وأدخله في المخدرات ولولا أن بينها له صديق سوء لظل بعيداً عن المخدرات لأنه ولد وتربى على الجهل بها حتى بينت له من أهل السوء  

وعندما يريد أحد من الواقعين في المخدرات الرجوع إلى الله فإن أصدقاء السوء يبذلون كل وسعهم ليفسدوا عليه ذلك سواء بتقديم الدعم أو تزيين التعاطي والصحبة وما يتبع ذلك , مستغلين ضعفه أمام المعصية وتعرضه للمشاكل التي دفعت به للمخدرات أو تعرضه للشوق في حداثة توبته ورجوعه إلى الله فيوقعوه في انتكاسه

لذا لا بد للمرء التفطن لأصحاب السوء كي يحمي نفسه منهم

المرء المتعرض لأضرار أهل السوء لا بد أن يكون فطناً

وكذا العائد إلى الله

العائد إلى الله لا بد أن يكون فطناً ولا يكن أُلعوبة لأصدقاء السوء , هذا يدخله دوامة المعاصي وهذا يفسد عليه توبته

وليحذر المرء من ثقته في قدراته ورجاحة فكره وأن أحداً لا يستطيع أن يؤثر عليه من أصدقائه , وليعلم أنه مهما كانت قدراته فإنه مأمور باجتناب أصدقاء السوء وهو من باب درء المفاسد ومهما كانت قدراته فصديق السوء يعرف كيف يلعب برأسه

وهذه قصص تبين للمرء أن هناك من كان له رجاحة عقل ومكانة وسيادة في قومه وأراد ترك السوء فأبى صديق سوئه إلا أن يبقى على سوئه فلعب برأسه حتى مات على الكفر والعياذ بالله

قصة الوليد بن المغيرة أحد رؤساء وسادت قريش

كان قد دخل على أبي بكر الصديق بن أبي قحافة فسأله عن القرآن

فلما أخبره خرج فقال يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذا من الجنون وإنَّ قوله لمن كلام الله

وجاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له

الوليد لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن قال الوليد : والله لقد سمعت منه كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن , وإن له لحلاوة , وإن عليه لطلاوة , وإنه ليعلو ولا يعلى عليه , وما يقول هذا بشر. فبلغ ذلك قريش

 قالت قريش: صبأ الوليد لتصبون قريش كلها. وكان يقال للوليد ريحانة قريش

فبلغ ذلك أبو جهل بن هشام فقال أنا والله أكفيكم شأنه لأنه صاحبه [1]

فانطلق أبو جهل بن هشام فمضى إلي الوليد حتى دخل عليه بيته وأتاه حزينا فقال له : مالي أراك حزينا. فقال له: ومالي لا أحزن ثم قال أبو جهل بن هشام للوليد أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً . قال لم ؟ قال يعطونكه وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك بها على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد , وتدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما 

فغضب الوليد وقال أقد تحدث به عشيرتي , ثم قال قد علمت قريش أني

أكثرها مالا فأنتم تعرفون قدر مالي قال أبو جهل: فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال وأنك كاره له قال فماذا أقول فيه والله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن والله ما يشبه الذي يقوله محمد شيئا من هذا والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو وما يعلى عليه قال أبو جهل والله لا يرضي قومك حتى تقول فيه قال فدعني حتى أفكر فيه [2]

فلما فكر خرج عليهم في دار الندوة وهم يجمعوا رأيهم على قول يقولونه في الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم عليهم وفود العرب للحج ليصدوهم عنه فقال قائلون شاعر وقال آخرون كاهن وقال آخرون مجنون كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه وتكبر الوليد وقال أنتم تزعمون أن محمدا مجنون , فهل رأيتموه قط يخنق قالوا: لا والله , قال: وتزعمون أنه شاعر , فهل رأيتموه نطق بشعر قط قالوا: لا والله. قال: فتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه كذبا قط قالوا: لا والله. قال: فتزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهن قط , ولقد رأينا للكهنة أسجاعا وتخالجا فهل رأيتموه كذلك قالوا: لا والله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى الصادق الأمين من كثرة صدقه. فقالت قريش للوليد: فما هو ففكر في نفسه , ثم نظر , ثم عبس , فقال ما هو إلا ساحر! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فقال هذه المقولة فتوعده الله وأنزل فيه

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا(11)وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا(12)وَبَنِينَ شُهُودًا(13)وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا(14)ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ(15)كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا(16)سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا(17)إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20)ثُمَّ نَظَرَ(21)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)} المدثر   [3]

ومات على الكفر ويخلد في النار بسبب من ؟ بسبب صديق السوء , بعد أن كاد يسلم لكن صديق السوء لأنه شخصية خبيثة لا يرضى إلا أن يجد غيره أحط منه ولا يقتصر إفساده على احد بل ما يبتغيه أن يرى الناس كلها أحط منه , أبو جهل بسببه الكثير ماتوا على الكفر والشرك وليس الوليد فقط فهذا ما فعله مع أبو طالب

قصة أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم

وهو الذي كفل رسول الله بعد موت جده عبد المطلب الذي كان يكفله حتى توفي وله من العمر ثمان سنين فكفله أبو طالب ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على راس أربعين سنة من عمره هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان

فمن نصرته للنبي أنه صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى الكعبة يوما وأراد أن يصلي فلما دخل في الصلاة قال أبو جهل لعنه الله من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته فقام ابن الزبعري فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وسلم فانتفل النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته ثم أتى أبا طالب عمه فقال يا عم ألا ترى ما فعل بي فقال أبو طالب من فعل هذا بك فقال النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن الزبعري فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشي معه حتى أتى القوم فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون فقال أبو طالب والله لئن قام رجل لجللته بسيفي فقعدوا حتى دنا إليهم فقال يا بني من الفاعل بك هذا فقال عبد الله بن الزبعري فأخذ أبو طالب فرثا ودما فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول فنزلت هذه الآية وهم ينهون عنه وينأون عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عم نزلت فيك آية قال وما هي قال تمنع قريشا أن تؤذيني وتأبى أن تؤمن بي فقال أبو طالب والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر منك عيونا ودعوتني وزعمت أنك ناصحي فقد صدقت وكنت قبل أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك يقينا [4]

وكان أبو طالب يرسل كل يوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل والله يعصمك من الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس فلا أحتاج إلى من يحرسني [5]

وعندما جاء موت أبو طالب أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفعه لما قدمه من نصرة لرسول الله في دعوته

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : {لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي عم إنك أعظمهم علي حقاً وأحسنهم عندي يداً ولأنت أعظم حقاً علي من والدي فقل كلمة تجب لك علي بها الشفاعة يوم القيامة قل لا إله إلا الله

فقالا له أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فسكت فأعادها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا على ملة عبد المطلب فمات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(113) }  التوبة }[6]

التوبة لا تنفع عند الغرغرة لكن رسول الله وعده بالشفاعة إن أتى بكلمة التوحيد وأبو طالب يعلم أنها الكلمة الحق وتحركت شفتاه يريد أن يأتي بها فلم يهنيه صديق سوئه أبو جهل على الإتيان بها ويعرف مداخله فقال له أتترك دينك ودين آبائك ؟ قال لا . بل على ملة عبد المطلب , ومات أبو طالب على الكفر ويخلد في النار بسبب من ؟ بسبب صديق السوء

فنفوس أصدقاء السوء لا تهدأ إذا وجدت إنسان يترك السوء ويبتغي الصلاح حتى ترده مرة أخرى للسوء كما حدث لعقبة بن أبي معيط

قصة عقبة بن أبي معيط

عقبة بن أبي معيط كان من وجهاء قريش وكان هو وأمية بن خلف الجمحي خليلين , وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم , بمكة لا يؤذيه ، وكان رجلاً حليماً ، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه ، وكان قد صنع وليمة فدعا إليها قريشا , ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأتيه إلا أن يسلم , وكره عقبة أن يتأخر عن طعامه من أشراف قريش أحد فأسلم ونطق بالشهادتين , فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل من طعامه وكان خليل أبي معيط أمية بن خلف غائب عنه بالشام فقالت قريش: صبأ أبو معيط ، وقدم خليله من الشام ليلاً ، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت: صبأ، فبات بليلة سوء ، فلما أصبح أتاه أبو معيط ، فحياه ، فلم يردّ عليه التحية ، فقال: مالك لا تردّ عليّ تحيتي؟ ، فقال: كيف أردّ عليك تحيتك ، وقد صبوت؟ قال: أو قد فعلتها قريش؟ قال نعم ، فقال عقبة: رأيت عظيما ألا يحضر طعامي رجل من أشراف قريش , فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا قال أبو معيط : فما يبريء صدرك إن أنا فعلته؟ فقال له خليله: لا أرضى حتى ترجع وتأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه ، وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم وتبصق فى وجهه وتطأ عنقه وتقول كيت وكيت ففعل عدو الله ما أمره به خليله , طاعة لخليله وإرضاءً له ولما بصق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع بصاقه في وجهه وشوى وجهه وشفتيه , حتى أثر في وجهه وأحرق خديه , فلم يزل أثر ذلك في وجهه حتى قتل , فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله فلما كان يوم بدر ، وخرج أصحابه أبى أن يخرج ، فقال له أصحابه: أخرج معنا ، قال: وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبراً فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك ، فلو كانت الهزيمة طرت عليه ، فخرج معهم ، فلما هزم الله المشركين ، وحمل به جمله في جدود من الأرض ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً في سبعين من قريش ، وقدم إليه أبو معيط ، فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم بما بزقت في وجهي ، فأنزل الله في أبي معيط { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ (29) } الفرقان

فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا , وقتل أمية في المعركة

فكان هذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم , لأنه خبر عنهما بهذا فقتلا على الكفر

أشر الرجال رجل قتل نبي أو قتله نبي [7]

فلينظر كيف يؤثر صديق السوء على صديقه فيجعله يطيعه في فعل أي شيء يرضيه ولو كان هذا الشيء إيذاء نبي

أبو معيط ارتد بعد أن أتى بالشهادة ومات على الكفر والشرك ويخلد في النار بسبب من ؟ بسبب صديق السوء

ألم يكن فعل صديق السوء أمية بن خلف بصاحبه عقبة يشابهه فعل صديق السوء الذي لا يترك صاحبه حتى يكره في أهل الطاعة والصلاح والدين وأهله ويصرفه عن الصلاة حتى يتركها بالكلية والرسول صلى الله عليه وسلم يقول { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } [8]

فالذي يموت على ترك الصلاة كافر يخلد في النار

ليس هناك فرق بين فعل صديق السوء الذي يجعل صاحبه يموت على ترك الصلاة فيخلد في النار وبين فعل أمية بن خلف أو أبو جهل بن هشام إنها كلها نفوس فيها خبث والاختلاف في الإمكانيات وأحوال كل منهم    

فعلى المرء أن يجتنب أصدقاء السوء ولا يغتر ويقول أنا مصر على الصلاح وهؤلاء لا يستطيعون أن يزعزعوا عزيمتي فهذا لا بد له من اجتناب أصدقاء السوء فأنه متى أتتهم الفرصة يلعبوا برأسه ويفسدوا

عليه عزمه على صلاح حاله وقد حدث مثل هذا مع الأعشى

قصة الشاعر الجاهلي أعشى قيس

اسمه ميمون بن قيس وكنيته أبو بصير ولقب الأعشى لضعف بصره , مولده ووفاته في قرية منفوحة وهي الآن حي من أحياء الرياض في جهتها الجنوبية

والأعشى من شعراء الطبق الطبقة الأولى ومن أصحاب المعلقات عند أهل الأدب وذاعت أشعاره وتغنى الناس بشعره فلقب [صنٌاجة العرب]

وقد أدرك الأعشى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فأعد قصيدة وتوجه إلى المدينة المنورة ليعلن إسلامه ويمدح النبي الكريم لكن قريش خشيت أن ينضم ببلاغته إلى صفوف المسلمين فجمعت له مائة ناقة وأغرته بالرجوع [9]

الأعشى لما توجه إلى المدينة ليسلم لقيه بعض المشركين في الطريق فقالوا له : أين تذهب  فأخبرهم بأنه يريد محمداً صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لا تصل إليه ، فإنه يأمرك بالصلاة ، فقال : إن خدمة الرب واجبة ، فقالوا : إنه يأمرك بإعطاء المال إلى الفقراء ، فقال : اصطناع المعروف واجب ، فقيل له : إنه ينهى عن الزنى فقال : هو فحش وقبيح في العقل ، وقد صرت شيخاً فلا أحتاج إليه ، فقيل له : إنه ينهى عن شرب الخمر ، فقال : أما هذا فإني لا أصبر عليه ! فرجع ، وقال : أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه ، فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات [10]

إنه كان مصر وتكلف السفر لكن حين أعلمه صاحب له في قريش يعلم مداخله أن محمداً يحرم الخمر رجع فسقط عن بعيره فدقت عنقه ومات أشعر الشعراء مات على الكفر والشرك بسبب من ؟ بسبب أصحاب السوء

كيفية التعامل مع أصدقاء السوء لحماية النفس منهم

المرء سواء وقع في شباك أهل السوء وعاد إلى الله أو لم يقع في شباكهم عليه أن يهجر السوء حتى لا يكون لديه ذريعة لمخالطتهم

قال صلى الله عليه وسلم

{ المهاجر من هجر السوء }[11]

سئل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم{ ما الإيمان ؟ قال تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت , قال فأي الإيمان أفضل ؟ قال الهجرة , قال فما الهجرة ؟ قال تهجر السوء }[12]

وبهجر المرء للسوء يكون قد قلل من احتكاكه بأهل السوء مما يساعده على اجتنابهم وما في اجتنابهم من حماية نفسه من سوء سمعتهم وشرر أذاهم

وبعد هجر السوء يأتي دوره في حماية نفسه سواء كان من العائدين لله أو ممن يتعرض لأذاهم ولم يقع في شباكهم على النحو التالي

أولاً: دور العائد إلى الله في حماية نفسه من أصدقاء السوء

المرء العائد إلى الله عليه أن يتأمل حاله بعد التوبة وقبلها وأن يتذكر كيف كانت نظرة المجتمع له لما كان مخالطاً لأصاحب السوء , والبغض الذي كان يجده من الناس وعدم تقبلهم له وكيف بتوبته الصادقة التي أرجعت به لله وطاعته جعلته يرضى عن نفسه بحاله الجديد في الصلاح بعيد عن المعصية

فإن مثل هذه الأمور تجعله يكره العودة إلى المعصية ويفكر في المحافظة على حاله الطيب بين الآخرين وتكون له دافعية يبعد بها أهل السوء ليكسب آخرته على النحو التالي :

1- أن يتعامل مع صديق السوء بكل غلظة

وأن يشعره أنه لا يهتم فيه هو ولا أمثاله , فيصرف وجهه عند وقوع نظره عليه ويحذر من تكرار النظر ومن أي شيء يؤدي إلى تواصل ويطرده إذا جاء منزله , يبين له أنه لا يريده كأن يقول له بغلظة وشدة لو حضرت هنا مرة أخرى سأخبر عنك الشرطة , وكذا إن اتصل به تليفونياً يقول له رقمك مسجل عندي لو اتصلت مرة أخرى سأخبر الشرطة وإن كرر المجيء أو طلبه مرة أخرى بالتليفون يخبر الشرطة بالفعل وسيجد عندهم الدور الأمني في حمايته وحماية أفراد المجتمع وتخليصه من أهل السوء

 ويحذر من الاستحياء الذي يمنعه من دفع أصحاب السوء إن أتوا أو أحدهم بيته دون دفعهم وردهم بكل غلظة وشدة من أول وهلة ,  فالحياء لا بد أن يوضع في محله , يستحي من الله الذي أمره باجتناب السوء , ولا يستحي من أهل السوء فإنهم إن وجدوا منه الغلظة ابتعدوا عنه وعرفوا أنه فاء من غفلته , ويتركوه ويعلموا أن إرادته في الحق قويت فلا يسعون للوقوع به , أما إن لم يستشعروا منه ذلك ردوه إلى المعصية مرة أخرى وباعدوه عن توبته مهما كانت الظروف

2- الثبات على طاعة الله مهما تعرض لضغوط

على المرء العائد إلى الله التمسك بطاعة الله وتقديمه للآخرة على النعيم وعليه بالصبر إن تعرض لإيذاء

وهذه قصة امرأة تركت ما كان عليه قومها من معصية لله وتعرضت لضغوط منهم قي محاولة استرجاعها لكنها ثبتت على طاعة الله ولم تنتكس

قصة فيها تمسك بطاعة الله وتقديم للآخرة على النعيم مع أهل العصيان

امرأة فرعون آسية بنت مزاحم

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11)} التحريم

 لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون آسية بنت مزاحم , كانت تسأل من غلب ؟ فيقال: غلب موسى وهارون , فتقول: آمنت برب موسى وهارون , وكان إيمان امرأة فرعون قبل إيمان امرأة خازن فرعون ماشطة أبنته , وعندما أسمع الله آسية كلام روح ابن امرأة خازن فرعون يبشر أمه بما أعده الله لها في الجنة لتصبر على الأذى وقبض الله روح امرأة خازن فرعون وكشف الغطاء عن ثوابها ومنزلتها وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون , فازدادت إيماناً ويقيناً وتصديقاً

فأطلع الله فرعون على إيمانها فخرج على الملأ فقال لهم: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها فقال لهم: إنها تعبد رباً غيري , فقالوا له: اقتلها , فأوتد لها أوتاداً فشد يديها ورجليها سمر يديها ورجليها وألقاها في الشمس , وذلك عندما تبين لفرعون إسلامها , فكانت امرأة

فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها وإذا

أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها

وأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها , فإن مضت على قولها فألقوها عليها , وإن رجعت عن قولها فهي امرأتي

فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء , وقالت { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } التحريم اختارت الجار قبل الدار , { وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ(11) } التحريم خلصني منه وما يصدر عنه من أعمال الشر{وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11) } التحريم فأبصرت بيتها في الجنة , فمضت على قولها , وعندما دعت آسية ربها , وافق ذلك أن حضرها فرعون , فضحكت حين رأت بيتها في الجنة , فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها إنا نعذبها وهي تضحك , فقبض الله روحها رضي الله عنها , انتزعت روحها وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح ولم تجد ألما

كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم فو الله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها

فإخبار الله لنا بامرأة فرعون ليتبين بقصتها هذه أن المرء معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعا , فقد جعل الله حال امرأة فرعون مثالا لحال المؤمنين ترغيباً لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين والصبر في الشدة ، وأن صولة الكفر لا تضرهم كما لم تضر امرأة فرعون ، وقد كانت تحت أكفر الكافرين وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم

فمن كان واقعاً في معاصي وليس في استطاعته هجر المكان الذي فيه أهل المعاصي كمن كان يتعاطى المخدرات في بيته وفيه أخ له يتعاطى معه أو إخوان يتعاطون معه وغير قادر أن يترك البيت ويعيش في مكان آخر وقد ترك المخدرات وتاب لله ويخشى على نفسه الانتكاسة من وجوده معهم في بيت واحد فهذا عندما يصدق مع الله في توبته وتركه للسوء فإنه لا يضره معصية غيره فإن معصية أكفر الكافرين فرعون لم تضر امرأة فرعون بل زادت ثباتاً

وفي قصة آسية حث للمؤمنين على الصبر في الشدة ، فلا يكون المرء في الصبر عند الشدة اضعف من امرأة فرعون حين صبرت على سوء فرعون

ويحسن الظن في أن الله سوف يعوض صبره خيراً , فقد فارقت امرأة فرعون رجل له أرفع مكانة على وجه الأرض حاكم بلادهم ومالكهم فرعونها لمحاربته لله , فعوضها الله بدلاً منه أفضل الخلق أجمعين محمد رسول الله صاحب أرفع مكانة في الآخرة المقام المرفوع في جنات النعيم

عن بريدة في قوله تعالى ثيبات وابكارا قال {وعد الله نبيه صلى الله عليه

وإله وسلم في هذه أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالبكر مريم بنت عمران}[13]

وعوضها عن السيادة في الدنيا مع السوء بأن تكون من أفضل سيدات الجنة

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران :فاطمة وخديجة وآسية امرأة فرعون } [14]

{أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرها في القرآن قالت { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا } التحريم }[15]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :

{ لم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام}[16]

ثانياً : دور المرء المتعرض لشباك أهل السوء في حماية نفسه منهم

المرء عليه أن يلتزم بنوعية الصحبة التي رغبت فيها الشريعة فلا يقبل على سواها لا بد أن يكون واعياً فلا يصاحب ألا مؤمن

لقوله صلى الله عليه وسلم

{ لا تصاحب إلا مؤمن }[17]

لأن المؤمن لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه فكما يحب لنفسه الجنة سوف يحب لأخيه الجنة يحب لنفسه السعي لرضا الله سوف يحب لأخيه السعي لكسب رضا الله يحب لنفسه ألا يعذب في النار سيحب لأخيه الوقاية من النار كذلك يحب لنفسه الصلاح والابتعاد عن معصية الله والثبات على طاعة الله فإنه يحب لأخيه مثل ذلك

ولهذا حددت الشريعة نوعية الصحبة التي رغبت فيها والمرء الفطن من ينتبه لهذا ويبتعد عن غير هذه النوعية من الأصحاب حتى لا يكتوي بنارهم

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير

فحامل المسك إما أن يحذيك (يعطيك) وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد

منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة }[18]

فمن صاحبَ أهل رفقاء السوء إن لم يكتوي بنار المعصية فقد حمل رائحتهم التي تجعل المجتمع يحكم عليه بأنه منهم فإن الناس إن أرادت أن تعرف شخص عرفته من حال أصدقائه فإن المرء على دين خليله

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل }[19]

لهذا رغبت الشريعة في صحبة الأخيار من أهل الطاعة والصلاح واجتناب غيرهم من أجل الفلاح والسمعة الحسنة

فعندما يعرف المرء ذلك دفع أهل السوء وبذل جهده في تحصين نفسه منهم على النحو التالي

1- حماية المرء نفسه عندما يتعرض لسوء من خارج منزله

 المرء إذا تعرض له أحد من أهل السوء من خارج منزله قام بإخبار مرجعه بحاله سواء وليه أو من له سلطان عليه يخبره بأمره ويكون بذلك قد أتى بنفعين الأول أن سلطانه  هذا يبعده عنه وهو المطلوب والثاني أن سلطانه هذا يلتفت لإصلاحه

كطالب في الدراسة عندما يتعرض له أخر في محاولة تعليمه الدخان أو التفحيط أو إعطائه حبوب فأنه ينظر من أكثر تأثير عليه إدارته التعليمية أو وليه وبذلك يكون صرف السوء عن نفسه وسعى في صلاحه

2- حماية المرء نفسه عندما يتعرض لسوء من داخل منزله

قد يتعرض المرء لسوء من داخل منزله والأمر في ذلك شديد على النفس وتأثيره أقوى كحال أبناء المدمنين أو زوجات المدمنين حيث إن بعض المدمنين يدعون زوجاتهم للتعاطي ليكونوا أمثالهم حتى لا ينكروا عليهم أو ينتقصوهم , فعلى الزوجة أن تحذر الانجراف إلى السوء والمشاركة فيه وخسران دنياها وأخراها  بل تثبت على الطاعة وتكون أكثر حكمة في السعي لصلاحه فإن وجدت أن الأمر يحتاج إلى مساعدة من يؤثر عليه ويستطيع أن يغير منه طلبت مساعدته بدون معرفة الزوج حتى لا يسيء الفهم ويتهمها بأنها تشهر به ويعود عليها ضرر من ذلك , فإن لم تجد من يؤثر عليه أو وجدت لكن عاد عليها بضرر فعليها أن تصبر كما صبرت امرأة فرعون وتدعوا الله أن ينجيها من عمله ولا تطلب الطلاق وتدعوا الله أن يصلحه لها وتستحضر قوله تعالى { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

وكذا أولاد المدمن يتصرفون بنفس الحكمة التي تتصرف بها الزوجات وحسب الحالة وعليهم أن يعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء}[20]

وقوله تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ (241)  } التوبة

المبحث الثاني

ويشمل

تغير صاحب السوء نفسه

وتبديل حاله من صاحب سوء للآخرين ليكون لهم صاحب في الله

من خلال

معرفة عواقب صحبة السوء

معرفة فضائل الصحبة الطيبة

معرفة كيفية انتشال المرء نفسه من صحية السوء

تغير صاحب السوء نفسه

عندما يعرف الواقع في السوء مضمون ما جاء في المبحث الأول من خطورة صاحب السوء من خلال القصص التي بينة النتائج الخطيرة على الإنسان والتي تخسره الدنيا والآخرة , فإن فكره سيدور في هذه الأمور

1- يدور فكره في حاله بما فعل به وكيف لعب به صديق سوء , وأنه كان إنسان على فطرة طيبة ولم يولد شريراً حتى دخل في حياته فجعل منه هذه الشخصية الحالية فيجد نفسه أنه ضحية صاحب سوء

2- يدور فكره فيما فعله هو بالآخرين , وما نتج عنه من تضيع أفراد وأسر وفساد في المجتمع لا يرضى الله به , فيتحرك ضميره ويشعر بالذنب على ما فعله بغيره

3- يدور فكره في التمني أن لو كان على صلاح فطرته لم يتعرض للسوء ولم يضر غيره

4- يدور فكره في الرغبة في أصلاح ما فات وكيف يصلح نفسه وكيف يبرئ ذمته ممن أضر بهم ويتحرك الخير الذي فيه فينقله إلى الرغبة في التوبة

عند ذلك ينبغي عليه أن يحمد الله على صحيان ضميره ولا يترك ما دار بفكره يمر عابراً بل يلجئ إلى الله تائباً فهو الذي وجهه إلى التوبة عندما هيئ له الإخبار بمثل هذه القصص أو غيرها من الأسباب التي جعلها الله توافق القبول في قلبه وأحيا بها ضميره ليغير حاله فهذه نعمة لا بد أن ينميها

تنمية الإقبال على التوبة لمن يريد تغير حاله إلى الصلاح يكون بالتالي :  1- التفقه في عواقب أهل السوء في الدنيا والآخرة

2- التفقه في فضائل الصحبة الطيبة في الدنيا والآخرة

3- التفقه في كيفية انتشال نفسه من صحبة السوء

وبذلك يكسب المرء مهارات يعينه بها الله في الثبات على التوبة وصلاح الحال ومع الوقت والعمل بما عرفه يكون أحسن من حاله قبل الوقوع في السوء

معرفة فضائل الصحبة الطيبة

عندما يعلم الواقع في السوء أن العلاقاتك الاجتماعية مع الآخرين والتي منها المحبات والجلسات والزيارات والعطاءات والتناصح والتناصر والتواصل والتي قد تجتمع كلها في الصحبة , إذا بنية هذه العلاقات على معصية فأصحابها على إثم وإن بنية على مصالح دنيوية فليس لأصحابها شيء أما إذا بنية على محبة الله أي ابتغاء وجه الله تقربا ًلله تحت دائرة طاعة الله فهذا الذي ندبت إليه الشريعة وأستحق أهلها محبة الله أي وجبت لأصحاب هذه الأعمال محبة الله أي نالوا محبته

فضائل الصحبة الطيبة في الدنيا

المرء الذي يبني علاقته بالآخرين محبة في الله وابتغاء مرضاة الله ينال فضائل عظيمة في الدنيا ومنها الفضائل الآتية :

1- ينال محبة الله له

يقول الله تعالى في الحديث القدسي :

{حقت محبتي على المتحابين في ، وحقت محبتي على المتناصحين في ، وحقت محبتي على المتزاورين في ، وحقت محبتي على المتباذلين في ، وهم على منابر من نور } [21]

حقت محبتي بمعنى أستحق محبتي وجبت له محبتي ونال محبتي

وفي رواية أخرى { وحقت محبتي للمتجالسين في }[22]

وفي رواية أخرى{ وحقت محبتي للمتواصلين }[23]

وفي رواية أخرى{ وحقت محبتي للمتصادقين}[24]

ورواية أخرى فيها {حقت محبتي للذين يتصافون من أجلي وحقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي}[25]

2- يوضع له القبول في الأرض

قال رسول صلى الله عليه وسلم :

{ إن الله عز و جل إذا أحب عبداً دعا جبريل عليه السلام : يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض }[26]

3- تتغير سلوكياته لطاعة الله

يقول تعالى في الحديث القدسي :

{ ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه} [27]

4- يشعر بطعم الإيمان

{من سره أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل }[28]

ومعنى حب المرء لأخيه في الله أي الحب في طاعة الله وابتغاء مرضاته أي في دائرة طاعته مثل أن يحب فيه طاعته لله يحب فيه شدة إقباله على الله يحب فيه خوفه من المعاصي يحب فيه أخلاقه الطيبة لله يحب فيه سماحة نفسه الطيبة يحب فيه حفظه لكتاب الله يحب فيه طلبه للعلم الشرعي محبة لله يحب فيه استغلاله لمكانته ووجاهته في الدعوة إلى الله يحب فيه كثرة معاونته للآخرين يحب فيه حرصه على الصلاة يحب فيه كثرة صيامه يحبه لأنه يذكره بالله كل هذه المحبات في الله لأنها كلها لوجه الله وسببها طاعة الله , ليست محبة لأموال يتعاطونها ومصالح دنيوية بينهما فإن أصحاب هذه ليس لهم فيها نصيب , وليست محبة في معصية كمن يحب شخص لجمال خلقته كمحبة لأمرد محبة في فحش فهذا وقوع في إثم عظيم فهذا من الانحطاط وتعلق القلب بالشياطين ووساوسها ويؤدي إلى سخط الله ورضا الشياطين ويدل على سلوك منعطف للشر واستحسانه

وعندما يحب المرء أخاه في الله سيشعر بحلاوة الإيمان وطعمه الذي لا يوصف والإيمان نوره يقوي القلب ويجعل عند المرء قوة لدفع المعاصي والإقبال على طاعة الله

5- يكرمه الله

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ ما أحب عبد عبداً لله إلا أكرمه الله عز وجل}[29]

والمرء ينال حب الله بحب أخيه , عندما يتعامل مع الآخرين معاملة تبنى على المحبة في الله فإنهم يبادلونه المحبة أيضاً لأنهم أخيار من أهل الطاعة والصلاح والله يحبهم

والمحبة الأكثر من الله يجدها أكثرهم محبة لأخيه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ ما تحابّ رجلان في الله إلا كان أحبّهما إلى الله عز وجل أشدُّهما حباً لصاحبه}[30]

6- الله تعالى يكفيه الدنيا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  { إن الله عزوجل ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه ، كما تحمون مريضكم } [31]

ومن حماية الله للعبد إبعاده عن أهل السوء وتقريبه بأهل الصلاح وجعل علاقاته بهم محبة في الله

وفي معرفة الواقع في السوء لهذه الحقائق مع الأمور التي لا يخلو منها بشر مهما بلغ فساده وهي ما في نفسه من رغبة في الصلاح أو الخوف من النار وعذاب الله أو الطمع في الجنة , فإنه سيسعى لتغير حاله بترك السوء والإقبال على الأخيار من أهل الطاعة والصلاح

فضائل الصحبة الطيبة في الآخرة

المرء الذي يبني علاقته بالآخرين محبة في الله وابتغاء مرضاة الله ينال فضائل عظيمة في الآخرة ومنها الفضائل الأتي :

1- يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{ قال الله عز و جل : المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي}[32]

فلا يشعر بشدة حر الشمس

2- يكون يوم القيامة على منابر من نور قريباً من الله

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله  فقال أعرابي : يا رسول الله انعتهم لنا ؟ جلهم لنا ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الأعرابي ، قال : هم ناس  من أفناء الناس ( ممن لا يعلم من هم) ونوازع القبائل ( الغرباء ) لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله عز وجل وتصافوا ، يضع الله عز وجل لهم منابر من نور ليجلسهم عليها ، فيجعل وجههم نوراً وثيابهم نوراً ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون ، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }[33]

فلا يشعر بكرب الغرق في العرق

3- يكون مع من أحبهم وإن لم يعمل أعمالهم

عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

{ يا رسول الله متى الساعة ؟ قال: وما أعددت للساعة ؟. قال: حب الله ورسوله ، قال: فإنك مع من أحببت. قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام ، فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : فإنك مع من أحببت  قال أنس : فأنا أحب الله ورسوله ، وأبا بكر وعمر ، فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم}[34]

4- ينال الغاية التي ما بعدها غاية وهي الجنة

قال صلى الله عليه وسلم :

{ ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : النبي في الجنة و الصديق في الجنة و الشهيد في الجنة و المولود في الجنة ورجل زار أخاه في ناحية المصر يزوره في الله في الجنة }[35]

5- يسكنه الله المكانة الرفيعة في الجنة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{إن في الجنة لعمداً من ياقوت عليها غرف من زبرجد لها أبواب مفتحة

تضيء كما يضيء الكوكب الدري قالوا يا رسول الله من يسكنها ؟ قال المتحابون في الله والمتجالسون في الله والمتلاقون في الله }[36]

إن في معرفة المرء لهذه الحقائق بعد أن كان يجهلها تشتاق نفسه لأن يكون واحد من هؤلاء من أهل الصلاح الذين ينالون الثواب في الدنيا وفي الآخرة

معرفة عواقب صحبة السوء

عواقب في الدنيا

1- أصدقاء السوء الله يضرب قلوبهم

أهل السوء بزيغهم عن الحق وميلهم عن الطريق المستقيم إلى المتاهات والضلالات حكم الله على قلوبهم بما جرى فيها

{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ(5) }الصف

إن العلاقات التي تقوم على المنافع الدنيوية والأهواء الخاصة تحمل في جنباتها عناصر فسادها وسرعة زوالها وغالباً من أحب شخص لغرض أبغضه عند فقده لا سيما إذا اقترنت بها معصية الله فإنها ما أسرع ما تنتهي بالتعادي والتقاطع والتخاصم وكثيراً ما تنتهي بالتقاتل وارتكاب الجرائم وهذه من النتائج الطبيعية للتلاقي على معصية الله , فمن لم يكن عنده وفاء لنعم الله بالشكر والطاعة فكيف يكون عنده وفاء لأصدقائه ورفاقه الذين يجتمع معهم على المعصية والإثم ويوادهم على غير طاعة الله , إن الله لا بد أن يعاقبهم بإلقاء العداوة فيما بينهم ولئن بقيت فيما بينهم مظاهر التوادّ فهي مشبعة بالحسد وإرادة كل منهم السوء بالآخر   لأنها مودات في سبيل الشيطان وعاقبتها ندامة وخسران [37]

فمن اجتمعوا على معصية الله جزاهم الله بأن يضرب قلوبهم ببعض يتضح هذا في الواقعين في المخدرات وتجارتها فتجده يضحي بأعز أصحابه عندما يقع في مشكلة حتى يخرج من مشكلته وتنتهي العلاقات بالتعادي والتقاطع والخصام

تجده حتى يكون هو التاجر الوحيد للمخدرات ولا يأخذ أحد زبائنه يتخلص من أعز أصحابه ويا ليته فعل ذلك ليخلص الناس من شرورهم ولكن فعل هذا ظناً منه أنه ينفع نفسه

2- أهل السوء يكونوا في شقاء ليس عندهم رحمة

أصحاب السوء لعدم رحمتهم بالآخرين سواء كانوا أمثالهم في السوء أو غيرهم ممن يزجون بهم في السوء , تنزع منهم الرحمة ويكونوا أشقياء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{لا تنزع الرحمة إلا من شقي }[38]

وهذا جزاء من جنس العمل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{من لا يرحم الناس لا يرحمه الله }[39]

3- الله تعالى يضر بهم كما يضرون بالآخرين

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{من ضارَّ ضارَّ الله به } [40]

والمتضرر مظلوم ودعائه عليهم مقبول ولو كان المظلوم فاجر أيضاً , فكيف بمن كانت فطرته سليمة وزُج به فَفُسدَ على أمه وأبيه وقد يكون أبنهم الوحيد وربما جاءهم بعد تأخير إنجابهم سنوات طويلة كيف يكون دعائهم على من كان أبنهم ضحيته أو ممن فَفُسدَ على زوجته وأولاده وترملت الزوجة وتشرد الأولاد بعد حياة أسرية كانت سعيدة كيف  تكون دعوة هؤلاء المظلومين على من خرب عليهم بيتهم وضيع عائلهم ووليهم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله جل جلاله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين}[41]

4- أهل السوء ينالون العقوبة على ظلمهم سريعاً في حياتهم

عقوبة الظلم بالآخرين تعجل لصاحب السوء في الدنيا قبل الآخرة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي } [42]

وقد يمهل المتمردين منهم حتى يأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر قبل مماتهم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{إن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته}[43]

وهذا ملاحظ في كل من مات على سوء خاتمة على معصيته ويبعث عليها يوم القيامة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ يبعث العبد على ما مات عليه}[44]

فكم من صاحب سوء وجدا ميتاً منكباً بجوار صندوق قمامة أو منكباً على وجهه داخل دورة مياه , بل دورة مياه مسجد , وفي رمضان , ميت على جرعة زائدة من المخدر , إن سوء خاتمته هذه عقوبة على إصراره على السوء ويبعث على ما مات عليه

إن معرفة المرء هذه الحقائق بعد ما لَمِسَهُ منها بعد انتهاء غفلته تحرك الخير الذي بداخله فيترك السوء ويصلح حاله بانتشال نفسه من الضنك لينعم بالحياة الطيبة

 عواقب في الآخرة

1- صحبة أهل السوء تنقلب يوم القيامة عداوة وتكون سبب عذابهم

يقول الله تعالى :

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27)يَا وَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا(29) } الفرقان

فالمحبة التي لا تكون لله ولا يلتزم فيها بتقوى الله ستتحول إلى عداوة يوم القيامة عقوبة لأصحابها من جنس عملهم

يقول الله تعالى :{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(67)} الزخرف

أي كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه , فالإخلاء في الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة بعضهم لبعض عدوّ , يعادي بعضهم بعضاً ، لأنها قد انقطعت بينهم العلائق واشتغل كل واحد منهم بنفسه ، ووجدوا تلك الأمور التي كانوا فيها أخلاء أسباباً للعذاب فصاروا أعداء

 ثم استثنى الله تعالى المتقين فقال : إلا المتقين فإنهم أخلاء في الدنيا  والآخرة ، لأنهم وجدوا تلك الخلة التي كانت بينهم من أسباب الخير والثواب فبقيت خلتهم على حالها فيقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله :

{ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ(68) }  الزحرف

فيذهب عند ذلك خوفهم ويرتفع حزنهم

عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(67)} الزخرف

قال خليلان مؤمنان وخليلان كافران فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة فذكر خليله فقال اللهم إن فلانا خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر وينبئني أني ملاقيك اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني فيقال له اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا وبكيت قليلا قال ثم يموت الآخر فتجتمع أرواحهما فيقال ليثن أحدكما على صاحبه فيقول كل واحد منهما لصاحبه نعم الأخ ونعم الصاحب ونعم الخليل 

وإذا مات أحد الكافرين وبشر بالنار ذكر خليله فيقول اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وتسخط عليه كما سخطت علي قال فيموت الكافر الآخر فيجمع بين أرواحهما فيقال ليثن كل واحد منكما على صاحبه فيقول كل واحد منهما لصاحبه بئس الأخ وبئس الصاحب وبئس الخليل [45]

كيفية انتشال المرء نفسه من صحبة السوء

تبين مما سبق في الآيات جزء من النعيم العائد على صحبة الأخيار علاوة على النعيم العظيم الذي ما بعده نعيم وهو محبة الله للعبد والتي يجد المرء بها نعيم في الدنيا ويوم القيامة ويدخل بها الجنة

فالعبد الذي يريد أن ينتشل نفسه للخير والصلاح وإرضاء الله عليه بعد علمه بما سبق عليه العمل بمضمونه مع فعل الأتي :

1- الابتعاد عن الفحش وظلم الآخرين

لأن الله لا يحب الظلم ولا الفواحش وأنه حذر من ذلك كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك فقال

{إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش } وفي لفظ {لا يحب الفاحش ولا

المتفحش }[46]

2- أن يشعر الآخرين بالأمان منه

عندما يعلم أن حق الناس عليه أن تأمنه على مالها ونفسها وعرضها وتسلم منه فلا بد أن يحمي الناس من نفسه, وأنه يستطيع أن يجعلهم في حماية منه إذا هجر السوء وجاهد نفسه على طاعة الله , قال صلى الله عليه وسلم

{ والمهاجر من هجر السوء والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه}[47]

وقال صلى الله عليه وسلم

{المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمهاجر من هجر السيئات }[48]

وقال صلى الله عليه وسلم

{ألا أخبركم بالمؤمن ؟ من أَمِنَهُ الناس على أموالهم وانفسهم ، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب}[49]

وعندما يهجر الخطايا والذنوب يكون فعلاً قد هجر ما نهى الله عنه

قال صلى الله عليه وسلم :

 {المهاجر من هجر ما نهى الله عنه} [50]

{أفضل الهجرة أن تهجر ما كره ربك عز وجل}[51]

3- يعتزل شرور الناس والابتعاد عما يحيل بينه وبين الصلاح

المرء في استطاعته أن يغير أو يترك الأماكن التي فيها أهل المعاصي ولا يضع لنفسه عواقب

فقد يريد مدمن ترك الإدمان ويضع لنفسه عواقب لأنه موظف في شركة يملكه أخر يتعاطى معه أو أخو صاحب الشركة أو قريبه يتعاطى معه ويعطيه مكانة ومنصب مرموق في الشركة براتب مغري لا يجده في مكان أخر , كل هذا النعيم الذي سببه مشاركة أهل المعاصي معاصيهم لا بد من تركه لأن التمسك به يحيل بينه وبين طاعة الله وعليه أن يحسن الظن في أن الله سيرضيه كما أرضى آسية بنت مزاحم عندما تركت أفضل وأرفع مكانة للمرأة وهي أن تكون زوجة لملك البلاد واختارت الموت ولا أن يكون لها المُلك وهذا النعيم في الدنيا مع معصية الله فعوضها الله بالنعيم الحقيقي الدائم في الآخرة الذي ما بعده نعيم

وليعلم المرء أن مع تأمينه للناس من أن يصلهم منه أذى وهجره الذنوب والمعاصي وكل ما نهى الله عنه , واعتزاله لأهل الشر والسوء يكون من خيرت الناس ويكون قلبه قد استسلم لله

عن ابن عباس رضي الله عنهما

{أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس في مجلس لهم فقال ألا أخبركم بخير الناس منزلا قالوا بلى يا رسول الله قال رجل أخذ برأس فرسه في سبيل الله حتى يموت أو يقتل , ألا أخبركم بالذي يليه قلنا بلى يا رسول الله قال امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس} [52]

وعند ذلك يكون أسلم قلبه لله وبفضل الله {قال رجل يا رسول الله ما الإسلام قال أن يسلم قلبك لله عز وجل وان يسلم المسلمون من لسانك ويدك قال فأي الإسلام أفضل قال الإيمان }[53]

4- أن يجعل حبه وبغضه للآخرين ابتغاء وجه لله ليستكمل إيمانه

المرء عليه أن يستحضر دائماً أن حبه لأهل الصلاح يكون لله وبغضه للقائمين على المعاصي لله وكذا معاملاته كلها لله ليكمل إيمانه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان }[54]

وعندما يسر بمحبة إخوانه في الله ويتأسف على صحبة الماضي يكون قد تمكن الإيمان من قلبه

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{إذا سَرَّتك حسنتك وساءتك سيئتك ، فأنت مؤمن}[55]

وبعد معرفة المرء ما جاء في هذه الرسالة والعمل بما جاء في مضمونها فليشرع في زيارة إخوانه الذين أحبهم في الله وليخبرهم أنه يحبهم في الله , وليعلم أنه في خير وأن الله يكافئه بمحبته لهم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله , فليخبره بأنه يحبه لله عز وجل }[56]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته، ملكاً ، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال لا ، غير أني أحببته في الله عز وجل ، قال: فإني رسول الله إليك ، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه}[57]

ويستحضر المرء مع إيمانه وإخلاصه لله واستقامته على طاعة الله قول الله تعالى :{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)}فصلت

ويكون المرء بذلك من المتقين من عباد الله الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر , لأنهم تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده , فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه , وقد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه


[1] ابن كثير

[2] القرطبي 

[3] الطبراني في الصغير 2/114 وفي الأوسط 6/293 , صححه الألباني في الترغيب 3037

[1] صديق سوئه لم يرضى أن يرى الوليد يترك سوء الكفر وينصلح حاله بالإسلام فتكفل شأنه لأنه خله يعرف مداخله وكيف يلعب بأفكاره

[2] فلينظر كيف لعب برأسه ؟ ماذا قال له ؟ وهو يعلم أنه أغنى قريش , ثم يوجهه لأن يُنكر ما أقبل عليه من صلاح إرضائاً لأهل الفساد

[3] القصة ذكرها ابن كثير و القرطبي عند تفسير الآيات من 11 – 26 من سورة المدثر وغيرهما من أصحاب كتب التفسير وقد جمعت القصة من مجموعة روايات بالسياق المذكور

[4] القرطبي 6/380

[5] القرطبي 6/231

[6] الحاكم 2 / 336 وصححه وفقه الذهبي , صححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2035

[7] الشوكاني في تفسير الآية 26 من سورة الفرقان وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسنده قال السيوطي صحيح وقد جمعت هذه القصة من مجموعة روايات

[8] الترمذي 2621 وقال هذا حديث حسن صحيح , صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1079

[9] من كتاب الأدب للصف الأول من المرحلة الثانوية للبنات ص66 للعام الدراسي 1422

[10] ذكر القصة القرطبي عند تفسير الآية 219 من سورة البقرة

[11] المسند 5/385 , صححه الألبانى في الصحيحة 549

[12] المسند 4/114 , صححه  الألبانى في الصحيحة 2/85

[13] الشوكاني في فتح القدير 5/253 عزاه للطبراني وابن مردويه

[14] الطبراني 1279 , صححه الألباني في  السلسلة الصحيحة 4/13

[15] أحمد 1/293 وصحح إسناده أحمد شاكر 2668والحاكم 2/497 وصححه , صححه الألباني في صحيح الجامع 1129

[16] البخاري 3411

[17] المسند 3/38 , الترمذي 2395 وحسنه , أبو داوود 4832 , حسنه الألباني في المشكاة 5018

[18] البخاري 2101

[19] الترمذي 4833 وحسنه , حسنه الألباني في صحيح الجامع 3545

[20] المعجم الكبير 24/245 , صححه الألباني في صحيح الجامع 992

[21] زوائد السند 5/328 , ابن حبان 577 , صححه الألباني في الترغيب 3019

[22] مالك 2 / 953 , صححه الألباني في الشكاة 5011

[23] الترمذي 2390 ,  صححه الألباني في الترغيب 3020

[24] المسند 4 / 386  , الحاكم وصححه ووافقه الذهبي  ,  المعجم الصغير 2/239 , المجمع 10/496 طبعة دار الفكر قال الهيثمي رواه الطبراني في الثلاثة وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات , كتاب الإخوان 8

[25] عزاه الهيثمي لأحمد وقال رجال أحمد ثقات المجمع  10 / 279 , صححه الألباني في الترغيب 3021

[26] البخاري 6640 ,  مسلم 16 / 400

يرجع لرسالة علاج السلوك ففيها إيضاح اكتفينا به هناك

[27] البخاري 6502

يرجع لرسالة علاج السلوك ففيها إيضاح اكتفينا به هناك

[28] المسند 2/298 الحاكم 4/168 وصححه ووفقه الذهبي , حسنه الألباني في الصحيحة 2300

[29] المسند 5/259 , حسنه الألباني في الصحيحة 1256

[30] البخاري في الأدب المفرد 79 , ابن حبان 2509 , الحاكم 4/ 171 وصححه , صححه الألباني في الترغيب 3014

[31] المسند 6/594 , الحاكم وصححه و وافقه الذهبي 4/208 , صححه الألباني في صحيح ا الترغيب 3179

[32] المسند 4 / 128 الهيثمي قال رواه أحمد و الطبراني وإسنادهما جيد , صححه الألباني في صحيح الترغيب3024

[33] المسند 5 / 343 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 3023 , 3027

كما مر معنا في حديث وجبت محبتي ص

[34] البخاري 3688 , مسلم 16/402

[35] الطبراني في الأوسط 1/46 , عشرة النساء 219 , الألباني حسنه في الصحيح 2604وذكره في الصحيحة 287

[36] البزار 3592 شعب الإيمان  6/487 , ضعفه الألباني في الترغيب 1782 , حسنه محققوا الترغيب4449

يرجع إلى رسالة علاج السلوك والمخاوف من مؤلفاتنا ففيها انشراح في الحب في الله وفضائله في الدنيا والآخرة أبسط من هنا

[37] حنبكة 271/2 مع تصريف

[38] المسند 2/301 , الترمذي 1923 وحسنه , صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 4942

[39] الترمذي 1922 وقال حسن صحيح , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1922

[40] الترمذي 1940 وحسنه , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1940

[41] الطبراني في الكبير 4/84 , مسند الشهاب 1/427 , صححه الألباني في صحيح الجامع 117

[42] الترمذي 2511 وقال حسن صحيح , صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 4211

[43] البخاري 4686 , ابن حبان 5175 واللفظ له ,  الترمذي 3110 وقال حسن صحيح

[44] مسلم 17/206

[45] كنز العمال 4595 , ذكر هذه الرواية ابن كثير في تفسير الآية 67 من سورة الزخرف وعزاها لابن أبي حاتم وكذا القرطبي وعزاها للثعلبي

[46] حسنه الألبانى في الصحيحة 553 , ابن حبان 11/579 الحاكم 1/11

[47] الحاكم 1/55 , صححه الألبانى في الترغيب 2555  

[48] الطبراني في الكبير 3/293 , 19/175 , صححه الألبانى في كتاب الإيمان لابن تيمية

[49] المسند 5/385 , صححه الألبانى في الصحيحة 549

[50] البخارى 10

[51] المسند 2/195 , ابن حبان 11/579 , حسنه الألبانى في الصحيحة 553 

[52] ابن حبان 604 , الطبراني في الكبير 10/315 , صححه الألباني في الترغيب 2737

[53] المسند 4/114 , صححه  الألباني في الصحيحة 2/85

[54] أبو داود 4681 , صححه الألبانى في الترغيب 3029

[55] المسند5/252 , صححه الألبانى في شرح العقيدة الطحاوية 386

[56] ابن المبارك في الزهد 1/188 , صححه الألباني في الصحيحة 797

[57] مسلم