|
الصفحة الرئيسية | السلوك | الإيمان | الإدمان وعلاجه |
كتاب |
الحمد لله القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (55)} غافر أمر بالاستغفار لتقتدي به الأمة , مع عصمته لتستن به أمته وهذا تهييج للأمة على الاستغفار ولله تعالى الحمد على قوله { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ(21) } الحديد أي سارعوا إلى المغفرة والأعمال الصالحة التي توجب لكم المغفرة من ربكم والصلاة والسلام على رسول الله الذي أقسم فقال {والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم }[1] أما بعد : فهذه رسالة لعلاج العصيان بطلب الغفران مضمونها ترغيب كل من هو واقع في المعاصي إلى استغفار الله مما هو واقع فيه , ليجد عند الله المغفرة , فقد دل الكتاب المبين على أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين , وإن لكل داء دواء وإن داء الذنوب دوائه الاستغفار كتبها / عبد القادر بن محمد بن حسن أبو طالب علاج يقول الله تعالى لنبيه أن يخبر الناس جميعاً بقوله تعالى {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) } الحجر الله تعالى يخبر أنه غفور رحيم وأن رحمته وسعت كل شيء وأن مغفرته تسع الذنوب كلها لمن تركها لله وابتغى مرضاته وصدق في ذلك أما المصر على المعصية السعيد بها الذي لا يريد تركها فإن الله تعالى القوي العزيز أخبر في هذه الآية أيضاً بأن عذابه هو العذاب الشديد فالمصرّ على معصية الله هالك ، لأنه لا تنهاه مخافة الله عن حرام حرَّمه الله عليه ، ولا يستغفر من ذنب أصابه , فهو قُدُما قدُما في معاصي الله ومعنى الإصرار هو الإقامة علـى الذنب عامدا وترك الاستغفار منه , لأن الله عزّ وجلّ مدح بترك الإصرار علـى الذنب مواقع الذنب ، فقال: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) } آل عمران والمصر على المعصية حاله يؤول لعذاب الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على المنبر { ويل للمُصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون}[2] وهذه الرسالة موجهة لمن يؤول حاله لرحمة الله ومغفرته , لمن يرغب في أصلاح نفسه لله , لمن وجد الله في قلبه الخوف منه ورجا مغفرته , فهذا يجد الله له وسع المغفرة وإن تكرر منه الذنب { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ(32)} النجم أي هو بصير بكم عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي ستصدر عنكم وتقع منكم , ولذا يقول من فضله وسعة مغفرته { يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة}[3] الله تعالى في هذا الحديث يقول لعبده الواقع في المعاصي ما دمت تدعوني وترجوني غفرت لك على ما كان فيك من المعاصي وإن تكررت وكثرت ولا أنظر إن كانت ذنوباً كثيرة أو قليلة كبائر أو صغائر لا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره ولا أسأل عما فعلت مادمت ترجو مغفرتي ورحمتي وتدعوني ويقول تعالى له أيضاً لو تراكمت ذنوبك فوق بعضها وعظمت كثرتها حتى تبلغ السحاب المحمل بالمطر في السماء وقولت اللهم اغفر لي غفرت لك ويقول تعالى له أيضاً لو لقيتني بعدد تراب الأرض خطايا وأنت لا تشرك بي شيئاً , لا نبي ولا ولي , قابلتك بعدد خطاياك مغفرة {يقول الله تعالى من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بقرابها مغفرة}[4] فالتوحيد هو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بالمغفرة قال الله تعالى {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ (48)} النساء فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه حتى الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوي الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر وربما قلبتها حسنات فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات [5] ومن أهم ما يدعو به العبد ربه مغفرة ذنوبه وقد قال صلى الله عليه وسلم { ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة عنده أو يغفر له بها ذنبا قد سلف قالوا إذا نكثر قال الله أكثر}[6] والإلحاح في الدعاء بطلب المغفرة مع رجاء الله تعالى موجب للمغفرة والله تعالى يقول في الحديث القدسي {أنا عند ظن عبدي بي , فليظن بي ما شاء }[7] { أنا عند ظن عبدي بي ، إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله}[8] فالعبد عندما يظن أن الله يغفر له ويصلح له حاله سيجد الله عند ظنه فلا تظنوا بالله إلا خيرا والمغفرة يجدها العبد من ربه إذا أذنب ذنبا ولم يرج مغفرة الذنب إلا من الله ويعلم أنه لا يغفر الذنوب ويأخذ بها ألا الله وقوله { إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي} قال النبي صلى الله عليه وسلم {إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء} [9] فذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته عن جابر {أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول واذنوباه مرتين أو ثلاثا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجي عندي من عملي فقالها ثم قال له عد فعاد ثم قال له عد فعاد فقال له قم قد غفر الله لك} [10] الاستغفار قول استغفر الله أو اللهم اغفر لي فكلاهما معناه طلب المغفرة والمغفرة وقاية شر الذنوب مع سترها فالذنب له عند الله عقوبة إما في الدنيا وإما في الآخرة وأما في الاثنين الدنيا والآخرة , فمن مات على الخمر مثلاً دون توبة من ذلك فهذا عُذبَ في الدنيا حتى مات على خاتمة سوء وفي الآخرة يعذب في النار كأهل النار ويزيد عليهم أنه يشرب من طينة الخبال عصارة أهل النار فالمستغفر يسأل الله أن لا يعذبه على الذنب مع ستره والستر في الدنيا والآخرة والستر شيء يُهم لأن الفضيحة يوم القيامة أمام الخلائق جميعاً ليس البشر فقط منذ خلق الخلق إلى قيام الساعة بل الملائكة والإنس والجن ومن ستره الله في الدنيا ستره في الآخرة فعندما يستغفر العبد ربه فإنه يطلب من ربه ألا يعذبه على ذنبه وأن يستره عليه وقد كثر في القرآن الكريم ذكر الاستغفار فتارة يؤمر به ، كما في قوله تعالى { وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ (3)} هود وقوله تعالى {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ (20)} المزمل وتارة يمدح أهله ، كما في قوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ(17)} عمران وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ (135)} آل عمران وتارة يذكر أن الله يغفر لمن استغفره ، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا(110) } النساء للاستغفار فضائل عظيمة في الدنيا والآخرة فمنها في الدنيا : المستغفر ينجلي قلبه من المعاصي , ينال المغفرة , ينال مصادر القوة , يجد فرجاً لهمومه ومخرج عند الضيق والرزق دون احتساب , المستغفر آمن من العذاب في الدنيا وفي الآخرة : المستغفر تسره صحيفته , يجزى بطوبى , ينال الجنة الاستغفار يجلي القلب بعد أن يسود بالمعصية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله تعالى { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) }المطففين }[11] المستغفر ينال من الله المغفرة ومعها مصادر القوة وهي الإمداد بالمال والأولاد والزرع والماء الذي هو أصل الحياة لقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12)} نوح ولهذا خرج عمر رضي الله عنه يستسقى فلم يزد على الاستغفار ، فقالوا : ما رأيناك استسقيت ؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر ، ثم قرأ هذه الآيات وعن الحسن البصري رحمه الله: أن رجلا شكى إليه الجدب فقال: استغفر الله ، وشكى إليه آخر الفقر ، فقال: استغفر الله ، وشكى إليه ثالث جفاف بستانه ، فقال : استغفر الله ، وشكى إليه رابع عدم الولد ، فقال: استغفر الله المستغفر يجد فرجاً لهمومه ومخرج عند الضيق والرزق دون احتساب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم }من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب } [12] المستغفر آمن من العذاب في الدنيا انْكَسَفَتِ الشمس عَلَى عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فصلى صلاة الكسوف وقال:{ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد أمحصت الشمس }[13] وقال تعالى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الأنفال قال ابن عباس كان فيهم أمانان من عذاب الله رسول الله والاستغفار فذهب رسول الله وبقي الاستغفار الله يغفر لمن استغفره ، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا(110) } النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ هذه الآية { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) } آل عمران }[14] {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً } الزنا وكل فعلة قبـيحة خارجة عما أذن الله عزّ وجلّ {أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ } بركوبهم معصية الله وما أوجبوا به العقوبة لأنفسهم {ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } ذكروا وعيد الله علـى ما أتوا من معصيتهم إياه {فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } فسألوا ربهم أن يستر علـيهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة علـيها أي صدر منهم ذنب أتبعوه بالاستغفار {وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ} لا يغفرها أحد سواه وهل يغفر الذنوب: أي يعفو عن راكبها فـيسترها علـيه إلا الله ؟ {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } ولـم يقـيـموا علـى ذنوبهم التـي أتوها ، ومعصيتهم التـي ركبوها {وَهُمْ يَعْلَمُونَ } لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها ، وهم يعلمون أن الله قد تقدّم بالنهي عنها ، وأوعد علـيها العقوبة لمن ركبها وهذه الآية أنزلت خصوصا بتـخفـيفها ويسرها أُمَّتَنا كان بنو إسرائيـل إذا أذنب أحدهم أصبحت كفـارة ذنبه مكتوبة فـي عتبة بـابه , اجدع أذنك ، أجدع أنفك ، فنزلت لنا: {وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلاْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }... إلى قوله: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ }آل عمران قال ابن مسعود: كانت بنو إسرائيـل إذا أذنبوا ، أصبح مكتوبا علـى بـاب المذنب الذنب وكفـارته ، فأعطينا خيرا من ذلك هذه الآية عن ثابت البنانـي ، قال: لـما نزلت: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ (11) } النساء بكى إبلـيس فزعا من هذه الآية {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } لـم يثبتوا علـى ما أتوا من الذنوب ، ولـم يقـيـموا علـيه ، ولكنهم تابوا واستغفروا أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها ، ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه ، فليس تكرار الوقوع في الذنب إصرّارا ً، لقوله صلى الله عليه وسلم { ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة}[15] فقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصرّ عليه ، فمعلوم بذلك أن الإصرار غير الموقعة والآية فيها إشارة إلى أن من شرط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب ، وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه ، وسعة رحمته ومغفرته ، فمن أذنب صغيرا كان أو كبيرا ، ثم يستغفر الله ، يجد الله غفورا رحيما ، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول {يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته فاسألوني المغفرة أغفر لكم ومن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة واستغفرني بقدرتي غفرت له [16]}[17] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار}[18] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير}[19] الجزاء بالجنة لمن أتى بسيد الاستغفار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ، ووعدك ، ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء لك بذنبي ، فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقنا بها فمات قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة}[20] أفضل الاستغفار ما قرن به ترك الإصرار وهو حينئذ يؤمل توبة نصوحا وهو أن يقول بلسانه أستغفر الله مقلع بقلبه فهو داع لله بالمغفرة كما يقول اللهم اغفر لي وقد يرجي له الإجابة إن بدأ العبد بالثناء على ربه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل الله المغفرة ، كما في حديث { سيد الاستغفار..} لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد ، وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور فقوله: { أن يقول العبد ، اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت خلقتني } اعتراف بربوبية الله وألوهيته ، قول العبد أنت ربي خلقتني ، ليس لي رب غيرك ، ولا خالق سواك ، وأنت معبودي وحدك {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الفاتحة وقوله: {وأنا عبدك} فيه التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة ، وامتثال أمر سيده ، واجتناب نهيه ، ودوام الافتقار إليه وفيه أني عبد من جميع الوجوه : صغيرا وكبيرا ، حيا وميتا ، مطيعا وعاصيا ، معافى ومبتلى ، وفيه أن مالي ونفسي ملك لك , وأنت الذي مننت علي بكل ما أنا فيه من نعمة ، وأني لا أملك لنفسي خيرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وقوله: {وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت} فالعبد يقول يا رب أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك ، وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك ، وأنا مقيم على ما عهدت إلي من أمرك ، ومتمسك به ، ومنتجز وعدك في المثوبة والأجر وفي قوله صلى الله عليه وسلم : {ما استطعت} إعلام لأمته أن أحدا لا يقدر على الإتيان بجميع ما يجب عليه لله ، ولا الوفاء بكمال الطاعات والشكر على النعم ، فرفق الله بعباده فلم يكلفهم من ذلك إلا وسعهم وقوله: { أبوء لك بنعمتك علي } أي أعترف بأن ما بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك ، وقوله: { وأبوء بذنبي} أي أعترف وأقر بما ارتكبت من الذنوب والخطايا ، ومنها عدم قيامي بشكرك على نعمك وقوله: {فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} هذا الاعتراف الثاني بعد الاعتراف الأول من موجبات المغفرة وقوله صلى الله عليه وسلم : {من قالها من النهار موقنا بها فمات قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة} فيه الإشارة إلى ضرورة تعلم هذه الكلمات ، وقولها صباحا ومساءا جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى {سيد الاستغفار} ففيه الإقرار لله وحده بالأُلوهية والعبودية ، والاعتراف بأنه الخالق ، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده ، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه ، وإضافة النعماء إلى موجودها ، وإضافة الذنب إلى نفسه ، ورغبته في المغفرة ، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على المغفرة إلا الله ينبغي الإكثار من الاستغفار في البيوت ، وعلى الموائد وعلى الفرش ، وفي الطرقات والأسواق وأينما يكون الإنسان ، فإنه لا يدرى متى تنزل المغفرة ولذا قال لقمان لابنه: يا بني عوّد لسانك اللهم اغفر لي ، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا والله تعالى يمدح المستغفرين , قال تعالى{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ (135)} آل عمران أفضل أوقات الاستغفار والرب ينادي هل من مستغفر[21] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر}[22] قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله يمهل حتى إذا ذهب من الليل نصفه أو ثلثاه قال لا يسألن عبادي غيري من يدعني أستجب له من يسألني أعطه من يستغفرني أغفر له حتى يطلع الفجر }[23] الله تعالى يدعو العبد للاستغفار مع علمه بخطأ العبد في ليله ونهاره يقوله تعالى في الحديث القدسي : {يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم}[24] المسلم باستغفاره يقهر عدوه اللدود المصر على دفعه إلى المعاصي قال النبي صلى الله عليه وسلم {قال إبليس وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني}[25] من الهلكة ظن الرجل أن ذنوبه لا تغفر عن البراء رضي الله عنه قال له رجل يا أبا عمارة { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ (195) } البقرة أهو الرجل يلقى العدو فيقاتل حتى يقتل قال لا ولكن هو الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفره الله }[26] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} الزمر عن ابن مسعود قال {إن أكثر آية في القرآن فرحا (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم}[27] ضعف الإنسان يجبره الله باستغفاره إن أصحاب النبيّ شكوا إليه أنَّا نصيب من الذنوب ، فقال لهم: {لولا أنكم تذنبون لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر له }[28] { لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون ويغفر لهم }[29] في هذا الحديث بيان لعفو الله تعالى وتجاوزه عن المذنبين ليرغبوا في ترك المعاصي والعودة إلى الله ، والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين ، وقد دل على ذلك غير واحد من أسمائه الغفار الحليم التواب العفو ، أو لم يكن الله ليجعل العباد شأناً واحداً كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالاً إلى الهوى متلبساً بما يقتضيه ثم يكلفه التوقي عنه ويحذره عن مداناته ويعرفه التوبة بعد الابتلاء فإن وفي فأجره على الله وإن أخطأ الطريق فالاستغفار بين يديه وليس في الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله تعالى فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب وفي هذا الحديث تبين الشريعة أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين[30] من تكررت انتكاسته أي وقع في الذنب مراراً واستغفر غفر له قال صلى الله عليه وسلم : {إن عبدا أذنب ذنبا ، فقال: أي ربي! أذنبت ذبنا فاغفر لي ، فقال الرب سبحانه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم أذنب ذنبا ، فقال: أي رب ! أذنبت ذنبا فاغفر لي ، فقال الرب سبحانه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم أذنب ذنبا ، فقال: أي رب ! أذنبت فاغفر لي ، قال الرب سبحانه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، قد غفرت لعبدي فليفعل ما يشاء}[31] والمعنى : ما دام كلما أذنب استغفر غفرت له ما دام صادقا في استغفاره وقوله: أستغفر الله ، بحيث يقولها من كل قلبه ، ويعزم عزما أكيدا على أن لا يعود ، فإن عاد واستغفر غفر الله له يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه ، لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الإصرار ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة [32] ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والرجوع إلى الله , لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية ، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار [33] فالاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة لكن يأتي به لأن مجرد قول القائل اللهم اغفر لي طلب منه للمغفرة ودعاء بها فيكون حكمه حكم سائر الدعاء إن شاء الله أجابه وغفر لصاحبه لاسيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنوب أو صادف ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات المسلم يستحب له أن يشرك في استغفاره المؤمنين والمؤمنات إن المسلم مطالب بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات كما هو مطالب بالاستغفار لنفسه ، إقتداء بالملائكة المقربين ، والنبيين المرسلين ، وعباد الله الصالحين , فإن الله تعالى قال عن الملائكة المقربين: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (7)} غافر وحكى تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (28) } نوح وأمر سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات فقال: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (19)} محمد وقال تعالى عن عباده الصالحين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ (10)} الحشر فينبغي على المسلم أن يشرك إخوانه المسلمين في استغفاره وله على ذلك أجر عظيم ، بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة}[34] وأولى المؤمنين بالاستغفار الوالدان تأسيا بالأنبياء ، وطاعة لله عز وجل وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستغفار للوالدين ينفعهما فقال: {إن الرجل لترفع درجته في الجنة ، فيقول: يا رب! أنى هذا ؟ فيقول: باستغفار ولدك لك} [35] الاستغفار لا يحتاجه العصاة وحدهم بل أهل الطاعة محتاجون أيضا إلى كثرة الاستغفار ، لأن التقصير لابد أن يحصل في العبادة ، فينبغي للعابد أن يجبر هذا التقصير بالاستغفار عند الفراغ من العبادة , ولذا شرع الاستغفار عقب الطاعات: شرع للحجاج إذا أفاضوا من عرفات بعد أداء الركن العظيم وبعد المن ّعليهم بالعفو والمغفرة والعتق من النيران أن يستغفروا الله ، فقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ (199)}البقرة وشرع في نهاية الصلاة أن يقول {اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك}[36] وهذا الدعاء شرع الإتيان به عند ركوب السيارة وشرع للمصلي إذا انصرف من صلاته أن يقول: استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله ولقد وعى المتقون ذلك ، فكانوا يبيتون لربهم سجدا وقياما ، حتى إذا كان السحر جلسوا يستغفرون الله ، فمدحهم الله على ذلك ، وآتاهم من النعيم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر , قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15)آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ(16)كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17)وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18) } الذاريات مما يستغفر هؤلاء ؟ ألم يقوموا والناس نيام ؟ ألم يتركوا فرشهم وزوجاتهم ولذاتهم وقاموا يرجون الآخرة ورحمة ربهم ؟ ففيم الاستغفار إنه معرفة العبد لقدر ربه أولاً ثم قدر نفسه ثانياً فلما علم عظمة خالقه وغناه عن خلقه , استصغر نفسه واحتقر عمله واستغفر ربه بل أهل الجنة وهم في طريقهم إلى الجنة يستغفرون ربهم , يقول تعالى {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8) } التحريم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار وكان يقول {إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة}[37] وهو المعصوم من الخطأ وهو المغفور له ما تقدم وما تأخر من ذنبه بل كان أقل أحواله صلى الله عليه وسلم أنه يستغفر في اليوم سبعين مرة فقد قال صلى الله عليه وسلم {إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة }[38] وبعض الناس لو حاسبوا أنفسهم لوجدوا أنهم لم يستغفروا في العام كامل سبعين مرة التي كان يأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم في أقل أحواله على عصمته وغفران ذنوبه المقدمة والمؤخرة , مع أنهم أحوج بالاستغفار لأنهم ذو خطأ كثيرا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة ، فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان ، والتوبة عبارة عن الإقلاع من الذنوب بالقلوب والجوارح , كقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ (52)} هود وقوله تعالى على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : {وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا (3)} هود أمر من الله بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله عز وجل فيما يستقبلونه وإن استمروا على الاستغفار والتوبة يمتعهم الاستغفار المقرون بالتوبة شرع عند الفراغ من الوضوء وختامة المجلس {سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، استغفرك وأتوب إليك}[39] المغفرة لمن أتى بالاستغفار المقرون بالتوبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له}[40] شرع أن يؤتى بالاستغفار المقرون بالتوبة كالأذكار اليومية [41] كان يعد له في المجلس الواحد قوله : {رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة}[42] فالاستغفار طلب المغفرة إما باللسان أو بالقلب أو بهما ، فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه يعتاد قول الخير ، والثاني نافع جدا ، والثالث أبلغ منهما ومعنى الاستغفار هو غير معنى التوبة بحسب وضع اللفظ ، لكنه غلب عند كثير من الناس أن لفظ أستغفر الله معناه التوبة فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوبة لا محالة [43] {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ(41) } إبراهيم
[1] المسند 5414 , صححه الألباني في الصحيحة 1951 [2] المسند 2/165 , صححه الألباني في الصحيحة 482 [3] الترمذي 3534 وقال حسن صحيح , حسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب 1616 العنان هو السحاب وقراب الأرض بضم القاف ما يقارب ملأها [4] ابن ماجة 3821 , صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 3821 [5] كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم{لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل} سنن ابن ماجة 3797 في الزوائد قال في إسناده زكريا ابن منظور وهو ضعيف [6] المسند 3/18 , الطبراني في الأوسط 4/337 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 1633 [7] ابن حبان 2/15 , صححه الألباني في الصحيح 4316 [8] ابن حبان 2/16 , صححه الألباني في الصحيح 4315 [9] ابن حبان 3/177 , صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد 465 , 607 [10] الحاكم 1/543 وقال رواته عن آخرهم مدنيون ممن لا يعرف واحد منهم بجرح ولم يخرجاه , ضعفه الألباني في الترغيب 1007 [11] الترمذي 334 وقال حسن صحيح , ابن حبان 7/27, الحاكم وصححه , حسنه الألباني في صحيح الترغيب 1620 [12] المسند 1/248 , صحح إسناده أحمد شاكر 2234 [13] أبو داوود 1194 , صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود 1149 [14] أبو داود 1521 , ابن حبان 2/389 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 1621 [15] أبو داوود 1514 , حسنه ابن كثير في التفسير 1/409 , ضعفه الألباني في سنن إبي داوود1514 [16] {من استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي} الترمذي 2495 وحسنه , ابن ماجة 4257 [17] المسند 5/154 , ابن ماجه 4257 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 1625 [18] الطبراني في الأوسط 1/256 , حسنه الألباني في صحيح الترغيب 1619 , وفي الصحيحة 2299 [19] ابن ماجه 3818 , البيهقي 6/118 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 1617 [20] البخاري 6306 [21] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إذا بقي ثلث الليل ينزل الله عزّ وجلّ إلى سماء الدنيا فيقول من ذا الذي يدعوني أستجب له ، من ذا الذي يستغفرني أغفر له ، من ذا الذي يسترزقني أرزقه ، من ذا الذي يستكشف الضر أكشفه ، حتى ينفجر الصبح} ابن حبان 3/198 , البيهقي في الكبرى 6/123 [22] مسلم 6/279-280 , الترمذي 446 وقال حسن صحيح [23] ابن ماجة 1367 , صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1367 [24] مسلم 16/348 , صححه الألباني في الاحتجاج بالقدر وفي صحيح الترغيب 1625, ابن حبان 2/385 [25] أحمد 3/29 , الحاكم 4/261 وصححه , حسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب 1617 [26] الحاكم 2/276 وصححه ووافقه الذهبي , صححه الألباني لغيره وقال موقوف في صحيح الترغيب 1624 [27] المسند 5414 , صححه الألباني في الصحيحة 1951 [28] ابن عساكر , صححه الألباني في الصحيحة 1963 [29] مسلم 2748 , الترمذي 3539 وحسنه , صححه الألباني في الصحيح 5329 [30] { جاء رجل فقال: يا رسول الله ، أذنبت ذنباً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذنبت فاستغفر ربك. قال فإني أستغفر ثم أعود فأذنب قال فإذا أذنبت فعد فاستغفر ربك ، فقالها في الرابعة استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور} ابن كثير 1/408 عزاه للبزار وقال هذا حديث غريب [31] البخاري 7507 , مسلم 17/78 [32] ويشهد له حديث { خياركم كل مفتن تواب} مسند الشهاب 2/ 239 , ضعفه الألباني في ضعيف الجامع 2873 [33] نقله ابن حجر في الفتح 13/480 عن القرطبي في المفهم [34] مسند الشاميين 3/243 , حسنه الألباني في صحيح الجامع 6026 [35] المسند 2/ 509 وصحح إسناده ابن كثير في التفسير 4/259 , صححه الألباني في الصحيحة 1598 [36] البخاري 834 [37] الدارمي 2/391 , البيهقي في السنن الكبرى 6/114 , ابن حبان 3/211 , صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود 1515 [38] الترمذي وقال حسن صحيح , الطبراني في الأوسط 2397 , صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3259 [39] البيهقي في السنن الكبرى 6/25 , صححه الألباني في الصحيحة 2651 [40] الترمذي 3577 , أبو داود 1517 , صححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب 1622 [41] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {والله إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} البيهقي 3/352 , شرح معاني الآثار 4/289 [42] البيهقي 6/31 , صححه الألباني لغيره في صحيح سنن ابن ماجة 3816 [43] نقله ابن حجر في الفتح 13/480 من الحلبيات للسبكي الكبير
|
||||||