|
قال الله تعالى { الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ |
|
|
وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} [البقرة: 177]
فالله تعالى بين لنا بر العقيدة وبر الخَلق وبر العمل ، وربط بين الجميع برباط واحد لا ينفصم ، ووضع على هذا كله عنواناً واحداً وهو البر ومدح من استجمع أنواعه بالصدق والتقوى
فالذي يريد أن يكون تقياً عليه أن يحقق البر في هذه الأمور الثلاثة
1 - البر في العقيدة
هذا النوع بينه الله أكمل بيان في قوله تعالى { الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}
فيؤمن بأن الله إله واحد، موصوف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص
ويؤمن بكل ما أخبر الله به في كتابه عن اليوم الأخر، أو أخبر به الرسول، مما يكون بعد الموت
ويؤمن بالملائكة الذين وصفهم الله لنا في كتابه، ووصفهم رسوله صلى الله عليه وسلم
ويؤمن بالكتب التي أنزلها الله على رسوله، وأعظمها القرآن
ويؤمن بالنبين عموما وأن خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
فيكون بذلك محققاً لمرتبة من مراتب الدين وهي مرتبة الأيمان التي هي من أعمال القلوب
2 - البر إلى الخلق
الإنسان الذي يريد أن يكون تقياً عليه أن يبر بالخَلق كما بين الله تعالى ذلك أكمل بيان في قوله تعالى { وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ }
فعليه أن يتصدق صدقات تطوعية بإنفاق المال عن طيب خاطر مع حبه له تقربا إلى الله تعالى وهو صحيح شحيح، يأمل الغنى، ويخشى الفقر
أو يتصدق عن قلة ماله وهو يحب إمساكه
أو إخراج النفيس من ماله الذي يحبه ليكون بإنفاقه هذا ممن آتى المال على حبه
سواء كان المنفق عليهم هم أولى الناس ببره وإحسانه من الأقارب الذين يتوجع لمصابهم، ويفرح بسرورهم والذين يعتبر البر فيهم أحسن البر وأوفقه
أو سواء أنفق على اليتامى الذين لا كاسب لهم، وليس لهم قوة يستغنون بها، لفقدهم آباؤهم
أو أنفق على المساكين الذين أسكنتهم الحاجة، وأذلهم الفقر بما يدفع مسكنتهم أو يخففها، بما يقدر عليه
أو أنفق على المسافر المنقطع عن ماله الغريب الذي انقطع به السبيل في غير بلده فإعطائه من المال ما يعينه على سفره على حسب استطاعته
أو أنفق على السائلين الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج التي توجب السؤال
أو كان في الأزمنة التي فيها رق فأنفق على الذين اشتروا أنفسهم من الرق وهم المكاتبون الذين لا يستطيعون سداد ديونهم
3 - بر العمل
الإنسان الذي يريد أن يكون تقياً عليه أن يحقق البر في عمله كما ذكره الله بأحكم عبارة في قوله تعالى { وَأَقَامَ الصلاة وَآتَى الزكاة والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس } .
فعليه أن يؤدي الزكاة المفروضة عليه
وأن يحافظ على إقامة الصلاة
وأن يلتزم بحقوق الله وحقوق العباد، التي أوجبها الله عليه
فإذا وعد أنجز ، وإذا حلف بر في أيمانه ، وإذا قال صدق في قوله ، وإذا ائتمن أدى الأمانة
وعليه بالصبر فيصبر على البأس إن أصابه الفقر لأن الفقر يسبب الآلام القلبية والبدنية عندما يشعر بالجوع أو جاعت عياله أو أصابه البرد الذي لا يقدر على دفعه
وعليه بالصبر على المصائب الأخرى إن أصابته كضراء المرض على اختلاف أنواعه، وخاصة الأمراض الشديدة التي تضعف معها النفس ، ويألم منها البدن، وما يصحب ذلك من غاية المشقة على النفوس، وخاصة عندما يطول المرض
ويصب في البأس وهو يجاهد حين التقاء الأعداء سواء الأعداء الظاهرين للدين أو أعداء الإنسان في باطنه من الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء
فكل الذين يأتون بالأعمال التي ذكرت هم المتقون لأنهم تركوا المحظور، وفعلوا المأمور لأن هذه الأمور مشتملة على كل خصال الخير الذي يدخل فيه الدين كله، ولأن العبادات التي ذكرت هنا هي أكبر العبادات، ومن قام بها، كان بما سواها أقوم، فهؤلاء هم الأبرار الصادقون المتقون
إن أولئك المحققين لخصال البر الصادقون في إيمانهم وفي كل أحوالهم، أولئك هم المتقون لعذاب الله بسبب امتثالهم لأوامره
فهم الصادقون المتقون أصحاب الشأن العظيم والفضل الكريم الذين بلغوا بتلك الخصال السابقة الغاية التي يطمح إليها أرباب البصائر المستنيرة ، والنفوس المستقيمة ، والقلوب السليمة ، وهي مقام الصدق والتقوى الذي يرتفع بصاحبه إلى السعادة في الدنيا ، والنعيم الدائم في الآخرة