حالنا وحال إسماعيل مع أبائنا |
رجوع |
رأى نبي الله إبراهيم عليه السلام رؤية بذبح ابنه إسماعيل
و«رؤيا الأنبياء وحي» فكان هذا اختبار من الله عز وجل
لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن،
بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا
زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك، وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلاً عليه
فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا
يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده ، وهو بكره ووحيده الذي
ليس له غيره، أجاب ربه وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته.
وكان إبراهيم قد وجد من ابنه الجلد والصبر طاعة لله تعالى
وطاعة لأبيه على صغر سنه فعرض على ولده أمر ربه ليكون أطيب لقلبه وأهون
عليه من أن يأخذه قسراً ويذبحه قهراً فقال له : {يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ
فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } (الصافات: 102).
فبادر الغلام الحليم، فسر والده وقر عينه وهو يقول له
امضي لما أمرت به وطع ربك {يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن
شَآء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } (الصافات: 102). وهذا الجواب في غاية
السداد والطاعة للوالد ولرب العباد. قال إسماعيل لأبيه أمض لما أمرك الله
من ذبحي سأصبر وأحتسب ذلك عند الله عز وجل
{فَلَمَّا أَسْلَمَا (103) } (الصافات: 103) استسلما
وانقادا إبراهيم أمتثل أمر الله تعالى وإسماعيل طاعة لله ولأبيه أي استسلما
لأمر الله وعزما على ذلك. {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي ألقاه على وجهه.
وأراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه وسمى إبراهيم وكبر، وتشهد
الولد للموت. وأمر إبراهيم السكين على حلق إسماعيل فلم تقطع شيئاً جعل بين
السكين وبين رقبته صفيحة من نحاس
فعند ذلك نودي من الله عز وجل: {أَن يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ
صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ (105) }
(الصافات: 104، 105) أي: قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك، ومبادرتك إلى
أمر ربك، وبذلك ولدك للقربان، كما سمحت ببدنك للنيران، وكما مالك مبذول
للضيفان ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَء ٱلْمُبِينُ
(106) } (الصافات: 106) أي: الاختبار الظاهر البين.
من إقدمه على المكاره بصبر وشجاعة هو وابنه بالتطبيق
العملي لتنفيذ أمر الله لذلك صرف الله عنه المكاره والشدائد وجعل لهما من
أمرهما فرجاً ومخرجاً وكان الله قد شرع لإبراهيم ذبح ولده ثم صرفه إلى
الفداء ليثيب لإبراهيم على ذبح ولده وعرفه على ذلك , وهذا هو البلاء الواضح
الجلي ولم يكن في سرعة الاستسلام لهذا الذابح المتدفق رحمة على ولده بأعظم
من الذبيح المستسلم لأعظم مكروه في الدنيا فكلاهما بلغا قمة الاستسلام
والطاعة لربهما في أعظم اختبار كانت النتيجة بعدما ردا قلبيهما
إلى الله أن رد الله إسماعيل إلى أبيه لذا نزل الفداء
{وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) } (الصافات: 107) أي وجعلنا فداء
ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه وهو كبش أبيض أعين أقرن، كان
يرتع في الجنة وكان عليه عهن أحمر. هبط عليه من جبل ثبير الذي يطل على منى
من الجهة الشمالية لها فذبحه بمنى ، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه
فكان مخزوناًُ حتى فدي به إسماعيل وذبحه إبراهيم ففدي إسماعيل بذبح عظيم
وسن الذبح لنا من ذلك اليوم