|
||
|
نبدأ بهذه المنزلة التي لا يكاد يخلو منها أحد إذ هي من الدوافع الفطرية الطبيعية التي لا يملك الإنسان دفعها , والتي تعتبر من الحوافز التي تدفع الإنسان إلى طلب الكمال الذي يمكن الوصول إليه , لذلك كان الحرج مرفوع عنها [21] ولكن للحسد المأذون به في حدود هذه المنزلة ضابطان يصونان عن الانحراف إلى ما لا خير فيه , وعن الانسياق وراء التمنيات الشاغلة للفكر , والقاتلة للعمر , من غير فائدة ترجى , ولا منفعة يمكن الوصول إليها ألا تكون النعمة من الخصائص التي اصطفى الله بها بعض خلقه بالتكوين الفطري أو بالمنح الخاصة التي لا تأتي عن طريق السعي والكسب الإنساني وذلك لأن شغل الفكر والنفس بتمنيات من هذا القبيل مضيعة للوقت ومقتلة للعمر ومزلقة تهوي بالنفوس والقلوب إلى دركات الحسد المذموم وتعيشه في أحلام اليقظة دون أن يحقق شيء فمثلاً النبوة نعمة عظيمة لكنها من المنح الخاصة التي لا تأتي عن طريق السعي والكسب الإنساني فلا يتمناه الإنسان فإنه لا يستطيع تحقيقها أو امرأة ذات حسن وجمال وتأتي امرأة أخرى ليس بها جمال وتتمنى أن تكون مثل هذه الوضاءة فإنها مهما استخدمت من أدوات تجميل أو حتى لو نزعت بعمليات التجميل طبقة الجلد التي عليها اللون لتظهر الطبقة البيضاء التي تحتها فأنه بياض ليس بياض ناصع يبهر العيون لكنه بياض يجزع النفس ولا يبلغها جمال أختها فهذه النعمة لا يتوفر فيها الضابط الأول لعدم الوصول إليها بكسب الإنسان فلا بد للنعمة التي يتمناها أن يستطيع الوصول إليها بمجهوده أن تكون النعمة التي يستطيع الوصول إليها بالسعي والكسب الإنساني من النعم التي تنفع الإنسان في آخرته فمثلاً نعمة حُسن الصوت , عندما ينظر إنسان إلى مغني وإعجاب الكثير به وأن شريطه الغنائي يطبع بكثرة ويتمنى أن يكون صوته في هذا الحسن , فإنه يستطيع ذلك , إذا تعلم أحكام التجويد بل وربما يكون صوته أحسن من هؤلاء الذين تَحسن صوتهم بسلمهم الموسيقي فهنا نعمة حُسن الصوت يستطيع أن يبلغها بكسبه ويكون توفر فيها الضابط الأول لكن هل الغناء نعمة ترضي عنه ربه وتنفعه في آخرته , لا بل هي نقمة على صاحبها فلا يتمنى مثلها لعدم توفر الضابط الثاني فيها والذي ينافس في المعصية آثم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر , رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه , ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل فهما في الأجر سواء , ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه , ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل فهما في الوزر سواء}[22] فهذا الأخير ذمه رسول الله من جهة تمنيه للمعصية لا من جهة حبه أن يكون له من النعمة مثل ما له وعندما يكون إنسان واقع في معصية من المعاصي كالزنى أو اللواط أو المخدرات أو السرقات أو الربا أو ظلم الناس مثلاُ ووجد إنسان كان واقعاً في معاصي مثله أو أقل أو أكثر ثم تاب وانصلحت أحواله والتزم بطاعة الله وظهر عليه علامات الصلاح ويبتغي هذا الواقع في المعصية أن يتوب ويكون مثل هذا التائب أو أحسن منه فهذه نعمة عظيمة نعمة التوبة فيتوب لله وقد نحقق فيها الضابط الأول لأنه يستطيع أن يبلغ التوبة بكسبه وتحقق فيها الضابط الثاني أيضاً لأنه إذا تاب أحبه ربه ورضي عنه وهذا ما ينفعه في الآخرة وهكذا تعرض النعم على الضابطين فإن توفرا فيها فنعم النعم وإن لم يتوفرا هذان الضابطان فتترك هذه النعمة على أنها نعمة من مظاهر الحياة الدنيا والتي تعتبر من مجالات الابتلاء لصاحب هذه النعمة ويحذر مما يقع فيه بعض الناس من السباق والتنافس في الشر كما هو حال بعض الواقعين في الإدمان عندما يُنظر إلى تاجر المخدرات الكبير في في الحي وما له من جاه عند المدمنين فينبهر به ويتمنى حاله وجاهه مثلاً , نعم الجاه هنا يستطيع أن يبلغه الإنسان عندما يخبر عن تجار المخدرات الموجودين في الحي ويكون هو وحده البائع في الحارة سيكون هو التاجر الكبير وسيجد مال وجاهه لكن هل التجارة في المخدرات وشرها المستطير الذي بسبه تدمر أسر وتهدم بيوت عندما يفسد راعيها بالإدمان أو يضيع ابنهم وقد يكون الوحيد عندهم وقضى الأب والأم العمر وهما يتخيلون مستقبله الباهر أو أولاد كانوا يشعرون بأمان مع أبيهم وإذا هو يدمن المخدرات وتتغير أخلاقه فيطلق الزوجة ويتشرد الأولاد وتتبدل الفرحة بالأب إلى الخوف من نظرة الآخرين لأولاد المدمن , ناهيك عن تدمير المدمن بالرمي في السجون أو الموت بجرعة زائدة فهل بائع المخدرات صاحب هذا الشر الذي يفسد الأفراد والأسر والجماعات ينبهر بجاهه , إن مثله كان الضعف له واستهانة الناس به أسلم له من هذا الجاه الذي يتم به إيذاء الناس والإضرار بهم وبنفسه وخسرانه أخرته فعلى المدمن بدلاً من سعيه ليكون مثل هؤلاء , عليه أن يسعى ويتنافس مع من تاب وانصلح حاله واشتغل بالدعوة إلى الله لنشر الخير والصلاح فينجو بنفسه ويترك التعاطي لله ليكسب دنياه وأخرته
|
ماذا أفعل في هذه الأمور
|
|