كتاب

علاج

الحاسد والمحسود والعائن والمعيون

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله القائل{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57)} يونس

والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي وعظنا بقوله

{ إياكم والحسد , فإن الحسد يأكل الحسنات , كما تأكل النار الحطب}[1]

أما بعد : فالحسد مرض نفسي خطير , له آثار سيئة تلحق الحاسد , وتؤثر في صِلاته الاجتماعية , كما تؤثر أسوأ التأثير في معاملته لمن يحسده , وقد يؤدي حسده لشخص من الأشخاص إلى أن يقتله أو يوقع به أضرار شنيعة , وقد يتعدى ضرره فيلحق المحيطين بالمحسود والملتفين به , سواء أقرباء أو أصدقاء أو غيرهم [2]

فهو من الرذائل الخلقية ذات النتائج النفسية والاجتماعية السيئة جداً على الأفراد والجماعات [3]

ولشدة خطورة الحسد بينا في هذه الرسالة حقيقة وجوده في كل إنسان

بالفطرة , لكنه ليس مبرر لحسد الناس على ما أتاهم الله , فالحسد كغيره من أمراض القلوب التي قد تتواجد في كل إنسان , لكنه مطالب بتقويمها وتهذيبها وبذل الجهد في محاولة التخلص منها بكل استطاعة , لأنه مؤاخذ عليها

وكذا أوضحنا في هذه الرسالة الحسد حسب شدته , من خلال ثلاثة مباحث وهي المنافسة , دركات الحسد , الإصابة بالعين أو النفس

المبحث الأول وهو مباح ومع ذلك بينا فيه أن خلو النفس منها أسلم للصدر

المبحث الثاني وقد بينا مدى خطورة كل دركة وما توصل إليه من إضرار بالآخرين وبالحاسد نفسه

المبحث الثالث وبينا فيه كيف يصيب الإنسان بنفسه أو بعينه ومدى تأثير هذه الإصابة في وقوع أضرار على الآخرين أو حتى على نفسه

ثم أتينا بالعلاجات الشرعية المناسبة لأصحاب النفوس التي ذكرت في المبحثين الثاني والثالث , والتي يحدث منها الضرر, وكذا العلاج للمتضررين وكيفية دفع الأذى عن أنفسهم

 وما أتينا به في هذه الرسالة فهو من العلاج المعرفي , الذي ليس فقط كان لابن القيم سبق فيه , وإنما هو المنهج الرباني في إصلاح النفوس , فالله تعالى أعلمنا أنه الله الخالق لكل شيء الإله الواحد لا شريك له , بالدلائل التي أخبرنا بها سواء بالوحي الذي أرسله على الرسل أو مما بثه فينا من فطرة سليمة , ثم بعد هذا العلم كان على الخلق العمل بما علموا , وهو إفراد الله بالعبودية والتي هي في حقيقة تطبيقها , أعظم علاج لصلاح نفوس البشرية

كتبها / عبد القادر بن محمد بن حسن أبو طالب

معاني للحسد

الحسد تمنى زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود [4]

الحسد هو الأسف على الخير عند الغير [5]

الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود [6]

الحسد الاغتمام بالنعمة يراها لأخيه المسلم والتمني لزوالها عنه ثم قد يتمنى مع هذا أن تكون تلك النعمة له دونه

وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها , سواء كانت نعمة دين أو دنيا قال الله تعالى :

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ا(54)} النساء

الحسد تمني زوال النعمة ، وهو حرام

الحسد تمنى زوال النعمة عن المنعم عليه وخصه بعضهم بأن يتمنى ذلك لنفسه والحق أنه أعم [7]

الحسد عند أهل اللغة أن يتمنى الإنسان ما لغيره بأن يزول عنه فإن تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة [8]

لأن يتمنى الإنسان أن يحصل له ما لغيره ويزول عن الغير فهذا الحسد والثاني أن يتمنى مثل ما لغيره ولا يحب زواله عن الغير فهذا هو الغبطة [9]

وبهذا تبين أن الغبطة تشارك الحسد في شيء وتفارقه في آخر ويتضح ذلك أكثر في معنى الغبطة

معنى الغبطة

الغبطة هي تمني حال المغبوط من غير أن يريد زولها عنه ، وقد يوضع الحسد موضع الغبطة لتقاربهما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :

{ لا حسد إلا في اثنين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه أناء الليل وأناء النهار}[10]

لا غبطة أعظم وأفضل من الغبطة في هذين الأمرين

وهي تمنى المرء أن يكون له نظير ما للآخر دون أن يزول عنه وهو المراد بالحسد الذي أطلق في الخبر [11]

الحسد قسمان حقيقي ومجازي

قال العلماء الحسد قسمان: حقيقي ومجازي

1- حقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة

2- مجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة. والمراد بالحسد في هذا الحديث معناه المجازي أي لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما

الحسد نوعان مذموم ومحمود

1- الحسد المذموم تمني زوال نعمة الله عن أخيه المسلم , سواء تمنى مع ذلك أن تعود إليه أو لا وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه بقوله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (54)} النساء

وإنما كان مذموما لأن صاحبه كأنه يتهم الله سبحانه بأنه أنعم على من لا يستحق

2- الحسد المحمود فهو ما جاء في حديث { لا حسد إلا في اثنتين } وهذا الحسد معناه الغبطة وحقيقتها أن يتمنى أن يكون له ما لأخيه المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره وقد يجوز أن يسمى هذا

منافسة ومنه قوله تعالى { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(26)} المطففين[12]

الحسد المذكور في الحديث لا حسد إلا في اثنتين هو الغبطة , وأطلق الحسد عليها مجازاً , وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره دون أن يزول عنه , والحرص على هذا يسمى منافسة

فإن كان في الطاعة فهو محمود ومنه { فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(26)}المطففين

وإن كان في المعصية فهو مذموم ومنه {ولا تنافسوا}[13]

وإن كان في الجائزات فهو مباح فكأنه قال في الحديث لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين [14]

معنى المنافسة

المنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره وهي بهذا المعنى من شرف النفس وعلو الهمة والفرق

بينها وبين الحسد أظهر من أن يخفى [15]

المنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة

الفرق بين المنافسة والحسد

1 - المنافسة هي المبادرة إلى الكمال الذي يشاهده الإنسان في غيره فينافسه فيه حتى يلحقه أو يجاوزه فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر، قال تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(26)} المطففين

وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلباً ورغبة ، فينافس فيه كل من أصحاب النفس الشريفة ، وربما فرحت إذا شاركتها فيه , كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافسون في الخير ويفرح بعضهم ببعض باشتراكهم فيه ، بل يحض بعضهم بعضاً عليه مع تنافسهم فيه وهي نوع من المسابقة، وقد قال تعالى{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (48} المائدة وقال تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ (21) } الحجرات وكان عمر بن الخطاب يسابق أبا بكر رضي الله عنهما فلم يظفر بسبقه أبدا ً، فلما علم أنه قد استولى على الإمامة قال: والله لا أسابقك إلى شئ أبداً، وقال: والله ما سبقته إلى خير إلا وجدته قد سبقني إليه. والمتنافسان كابنين بين يدي أبوهما يتباريان ويتنافسان في مرضاته ويتسابقان إلى محابه، فالأب يعجبه ذلك منهما ويحثهما عليه وكل منهما يحب الآخر ويحرضه على مرضاة والده

2 - الحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير، فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم كما قال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ ٌ(109) } البقرة

 الحسود عدو النعمة متمنٍ زوالها عن المحسود كما هي مُزالة عنه

 المنافس مسابق النعمة متمني تمامها عليه وعلى من ينافسه ، فهو ينافس غيره متمني أن يعلو عليه , ويحب لحاقه به ومجاوزته له في الفضل

 الحسود يحب انحطاط غيره حتى يساويه في النقصان

 وأكثر النفوس الفاضلة الخيرة تنتفع بالمنافسة ، فمن جعل نصب عينيه شخصاً من أهل الفضل والسبق فنافسه انتفع به كثيراً فإنه يتشبه به ويطلب اللحاق به والتقدم عليه وهذا لا تذمه

 وقد يطلق اسم الحسد على المنافسة المحمودة كما في حديث

{لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق

وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها }[16]

فهذا حسد منافسة وغبطة يدل على علو همة صاحبه وكبر نفسه وطلبها للتشبه بأهل الفضل [17]

الفرق بين الحسد والغبطة

الحسد كراهة للنعمة على الغير مطلقاً فهذا هو الحسد المذموم

 وإذا ابغض الحاسد ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا في قلبه ويتلذذ بزوال النعمة عنه , وان لم يحصل له نفع بزوالها , لكن بزوال الألم الذي كان في نفسه , كالمريض الذي عولج بما يسكن وجعه والمرض باقي , فإن بغضه لنعمة الله على عبده مرض , فان تلك النعمة قد تعود على لمحسود واعظم منها , وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود , والحاسد ليس له غرض في شئ معين , لكن نفسه تكره ما أُنعم به على البشر , ولهذا قال من قال أنه تمنى زوال النعمة فان من كره النعمة على غيره تمنى زوالها  بقلبه

الغبطة كراهة الحاسد لفضل ذلك الشخص عليه فيحب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدا في الحديث { لا حسد إلا في اثنتين} [18]

الفرق والجمع بين المنافسة والغبطة والحسد

بين المنافسة والغبطة جمع وفرق ، وبينهما وبين الحسد أيضا جمع وفرق

المنافسة تتضمن مسابقة واجتهاداً وحرصاً

الغبطة تتضمن نوع تعجب أو فرح للمغبوط ، أو استحسان لحاله الحسد يدل على مهانة الحاسد وعجزه ، وإلا فلينافس من حسده فذلك أنفع له من حسده [19]

الحسد لا يكون إلا على نعمة

الحسد لا يكون إلا على نعمة فإذا أنعم الله على إنسان نعمة فقد يكون لأخيه فيها حالتان

إحداها أن يكره تلك النعمة ويحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسداً

 الثانية أن لا يحب زوالها ولا يكره وجودها ودوامها له ولكنه يريد لنفسه مثلها فهذا يسمى غبطة

فالأول حرام على كل حال إلا نعمة على كافر أو فاجر وهو يستعين بها على إيذاء الخلق وتهييج الفتن وإفساد بين الناس وإشاعة الفحشاء في الأمة والإعلان بالمعصية حتى يفجر الناس وغير ذلك من إيذاء العباد فهذه لا يضره كراهته لها ولا محبته زوالها فإنه لم يحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة للفساد

منازل الحسد

تبين من عرض التعاريف التي مرت معنا لمعنى الحسد أنها ليست لكثرة الأقوال في الحسد ولكن لتوضيح منازل الحسد والتي هي

1-  محبة زوال نعمة الغير مع تمني انتقالها إليه

2-  محبة زوال نعمة الغير وإن لم تنتقل إلى الحاسد وهذا غاية الحسد

3- محبة زوال نعمة الغير ولو أدى ذلك لاستخدام القوة في زوالها بالبغي

4 - محبة زوال نعمة الغير باستخدام ما في نفس الحاسد من طاقات يضر بها المحسود

5- محبة نعمة الغير وتمني انتقال مثلها إليه دون تمني زوالها

فهذه المنازل هي دركات بعضها أحط من بعض , أسوء هذه الدركات وأشدها الثالثة لما فيها من استخدام القوة في إزالة النعمة من على صاحبها , وأخطرها هي الرابعة لما فيها من إصابة بالعين أو بالنفس

وأهون الحسد الحسدُ الأخير وهو الذي تبين مما سبق أنه المأذون به شرعاً وسنشرع في الحديث عنهم ونبدأ بالأخير لأنه المعفو عنه من الحسد إن كان في الدنيا والمطلوب إن كان في الدين

 وقد يسمى غيرة فإن كان في الدين فقد حُمل قول رسول الله صلى الله

عليه وسلم { لا حسد إلا في اثنتين }

والمراد أنه يُغار ممن اتصف بهاتين الصفتين فيقتدي به محبة للسلوك في هذا المسلك ولعل تسميته حسداً مجاز [20]

وقد علمنا أن هذا النوع هو الذي يسمى بالغبطة ويسمى بالمنافسة

المبحث الأول

المنافسة

المنافسة

نبدأ بهذه المنزلة التي لا يكاد يخلو منها أحد إذ هي من الدوافع الفطرية الطبيعية التي لا يملك الإنسان دفعها , والتي تعتبر من الحوافز التي تدفع الإنسان إلى طلب الكمال الذي يمكن الوصول إليه , لذلك كان الحرج مرفوع عنها [21]

ولكن للحسد المأذون به في حدود هذه المنزلة ضابطان يصونان عن الانحراف إلى ما لا خير فيه , وعن الانسياق وراء التمنيات الشاغلة للفكر , والقاتلة للعمر , من غير فائدة ترجى , ولا منفعة يمكن الوصول إليها

الضابط الأول

ألا تكون النعمة من الخصائص التي اصطفى الله بها بعض خلقه بالتكوين الفطري أو بالمنح الخاصة التي لا تأتي عن طريق السعي والكسب الإنساني

وذلك لأن شغل الفكر والنفس بتمنيات من هذا القبيل مضيعة للوقت ومقتلة للعمر ومزلقة تهوي بالنفوس والقلوب إلى دركات الحسد

المذموم وتعيشه في أحلام اليقظة دون أن يحقق شيء

فمثلاً النبوة نعمة عظيمة لكنها من المنح الخاصة التي لا تأتي عن طريق السعي والكسب الإنساني فلا يتمناه الإنسان فإنه لا يستطيع تحقيقها

أو امرأة ذات حسن وجمال وتأتي امرأة أخرى ليس بها جمال وتتمنى أن تكون مثل هذه الوضاءة فإنها مهما استخدمت من أدوات تجميل أو حتى لو نزعت بعمليات التجميل طبقة الجلد التي عليها اللون لتظهر الطبقة البيضاء التي تحتها فأنه بياض ليس بياض ناصع يبهر العيون لكنه بياض يجزع النفس ولا يبلغها جمال أختها

فهذه النعمة لا يتوفر فيها الضابط الأول لعدم الوصول إليها بكسب الإنسان

فلا بد للنعمة التي يتمناها أن يستطيع الوصول إليها بمجهوده

الضابط الثاني

أن تكون النعمة التي يستطيع الوصول إليها بالسعي والكسب الإنساني من النعم التي تنفع الإنسان في آخرته

فمثلاً نعمة حُسن الصوت , عندما ينظر إنسان إلى مغني وإعجاب الكثير به وأن شريطه الغنائي يطبع بكثرة ويتمنى أن يكون صوته في هذا الحسن , فإنه يستطيع ذلك , إذا تعلم أحكام التجويد بل وربما يكون صوته أحسن من هؤلاء الذين تَحسن صوتهم بسلمهم الموسيقي

فهنا نعمة حُسن الصوت يستطيع أن يبلغها بكسبه ويكون توفر فيها الضابط الأول لكن هل الغناء نعمة ترضي عنه ربه وتنفعه في آخرته , لا بل هي نقمة على صاحبها فلا يتمنى مثلها لعدم توفر الضابط الثاني فيها

والذي ينافس في المعصية آثم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر , رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه , ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل فهما في الأجر سواء , ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه , ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل فهما في الوزر سواء}[22]

فهذا الأخير ذمه رسول الله من جهة تمنيه للمعصية لا من جهة حبه أن يكون له من النعمة مثل ما له

وعندما يكون إنسان واقع في معصية من المعاصي كالزنى أو اللواط أو المخدرات أو السرقات أو الربا أو ظلم الناس مثلاُ ووجد إنسان كان واقعاً في معاصي مثله أو أقل أو أكثر ثم تاب وانصلحت أحواله والتزم بطاعة الله وظهر عليه علامات الصلاح ويبتغي هذا الواقع في المعصية أن يتوب ويكون مثل هذا التائب أو أحسن منه فهذه نعمة عظيمة نعمة التوبة فيتوب لله وقد نحقق فيها الضابط الأول لأنه يستطيع أن يبلغ التوبة بكسبه وتحقق فيها الضابط الثاني أيضاً لأنه إذا تاب أحبه ربه ورضي عنه وهذا ما ينفعه في الآخرة

وهكذا تعرض النعم على الضابطين فإن توفرا فيها فنعم النعم

وإن لم يتوفرا هذان الضابطان فتترك هذه النعمة على أنها نعمة من مظاهر الحياة الدنيا والتي تعتبر من مجالات الابتلاء لصاحب هذه النعمة

ويحذر مما يقع فيه بعض الناس من السباق والتنافس في الشر كما هو حال بعض الواقعين في الإدمان عندما يُنظر إلى تاجر المخدرات الكبير في في الحي وما له من جاه عند المدمنين فينبهر به ويتمنى حاله وجاهه مثلاً , نعم الجاه هنا يستطيع أن يبلغه الإنسان عندما يخبر عن تجار المخدرات الموجودين في الحي ويكون هو وحده البائع في الحارة سيكون هو التاجر الكبير وسيجد مال وجاهه

 لكن هل التجارة في المخدرات وشرها المستطير الذي بسبه تدمر أسر وتهدم بيوت عندما يفسد راعيها بالإدمان أو يضيع ابنهم وقد يكون الوحيد عندهم وقضى الأب والأم العمر وهما يتخيلون مستقبله الباهر أو أولاد كانوا يشعرون بأمان مع أبيهم وإذا هو يدمن المخدرات وتتغير أخلاقه فيطلق الزوجة ويتشرد الأولاد وتتبدل الفرحة بالأب إلى الخوف من نظرة الآخرين لأولاد المدمن , ناهيك عن تدمير المدمن بالرمي في السجون أو الموت بجرعة زائدة

فهل بائع المخدرات صاحب هذا الشر الذي يفسد الأفراد والأسر والجماعات ينبهر بجاهه , إن مثله كان الضعف له واستهانة الناس به أسلم له من هذا الجاه الذي يتم به إيذاء الناس والإضرار بهم  وبنفسه وخسرانه أخرته

فعلى المدمن بدلاً من سعيه ليكون مثل هؤلاء , عليه أن يسعى ويتنافس مع من تاب وانصلح حاله واشتغل بالدعوة إلى الله لنشر الخير والصلاح فينجو بنفسه ويترك التعاطي لله ليكسب دنياه وأخرته

القصد من المنافسة

فالقصد من المنافسة الغنى عن طلب التنافس في الدنيا وعاجلها , بما أحبه الله لنا وندبنا إليه من التنافس في الآخرة ، وما أعد لنا فيها ، وأباح الغبطة في ذلك ، وأغنانا بها عن الحسد على الدنيا وشهواتها

وهذان الضابطان مستنبطان مما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

{لا تنافس بينكم إلا في اثنتين رجل أعطاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل والنهار فيقول رجل لو أن الله أعطاني ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق منه ويتصدق فيقول رجل مثل ذلك}[23]

ففي هذا الحديث توفر الضابط الأول لأن المسلم باستطاعته تعلم العلوم الشرعية من حفظ القرآن وفقه وهو الحكمة أو في الحصول على المال فكل هذا يستطيع المسلم أن يبلغه بعمله وكسبه ويرضي ربه بصرف هذه النعم في طاعة الله فينفعه ذلك في الآخرة ويكون بذلك توفر الضابط الثاني

والضابطان مستنبطان أيضاً مما جاء في القرآن

الدليل الأول :

قصة اعتراض النساء على المواريث

لما نزلت آية المواريث والتي أعطت للذكر مثل حظ الأنثيين بعض النساء تمنين منازل الرجال وأن يكون لهن مالهم فتمنى النساء أن لو جُعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال , وقالوا نحن أحوج لأن يكون لنا سهمان وللرجال سهم واحد , لأنا ضعفاء وهم أقوياء وأقدر على طلب المعاش منا وذكر عن أم سلمة أنها قالت { يغزو الرجال ولا يغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ (32)}  النساء} [24]

وكانت أم سلمة أول امرأة قدمت المدينة مهاجرة فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة وأمرهم أن يسألوه من فضله , إذ كانت الأماني تورث

 أهلها الحسد والبغي بغير الحق

فأمرهم ألا يشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض , إنكاراً على اعتراضهم

وقال تعالى  { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ (32)}  النساء

قال ابن عباس المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة للذكر مثل حظ الأنثيين فنهى الله عز وجل عن التمني على هذا الوجه لما فيه من دواعي الحسد , لأن صنف النساء لا يملك تعديل هذه

الأنصبة بالسعي والعمل

فتمني النساء هنا من قبيل تمني الأشياء التي لا يمكن اكتسابها أو تحقيقها بالمجهود لأن أنصبة المواريث مما شرعه الله

لأن الله تعالى أعلم بمصالحهم منهم فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم فجعل نصيب الرجل لمراعاة مسؤوليات الذكر في الحياة فهو المسؤول عن معظم النفقات داخل الأسرة متى كان قادر فعليه المهر وتأسيس البيت والإنفاق على الملبس والمأكل وغير ذلك والمرأة ليست عليها إنفاق , ولا على نفسها إنفاق سواء وهي في بيت أبوها أو في بيت زوجها , أما إن كان معها وتنفق من طيب خاطر

فهذا من طيبها

{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(32)}  النساء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج}[25]

فالمسلم متى وجد نعمة على أخيه ولا يستطيع أن يصل إليها بكسبه فلينته عن التمني ويسأل الله أن يعطيه من فضله مثلها أو أفضل منها

وهذا الدليل دل بوضوح على الضابط الأول لحسد الغبطة المأذون به شرعا ًوهو أن تكون النعمة مما يمكن اكتسابها بالسعي والعمل

فبعض الأمور كالمنزلة والجاه والمال وغير ذلك , قد تكون ذريعة إلى التحاسد والتعادي , عند عدم رضا الإنسان بما قسم الله له, وتشهيه لحصول ما لم يقدره الله له , دون أن  يطلبه من الله , أمر مذموم , فتمنى الإنسان ما لم يقدر عليه , هو معارضة لحكمة القدر , ومحال تنفيذه , ومن يقع في مثل هذا , أي يتمنى ما لا يستطيع أن يبلغه بكسبه , ويشتد هذا التمني لديه ويملأ ساحة فكره ونفسه , يتجه إلى التعويض فيحاول إبراز نفسه بالاستكبار أو بالافتخار على الناس بالمال والجاه فيسلك مسالك الكذب والشر ولأذى ومعصية الله كما حدث من قارون وإيذائه لموسى كما في القصة التالية

الدليل الثاني :

قصة قارون

من المعروف إن قارون كان من قوم موسى كان ابن عمه وكان ممن آمن به  فبغى عليهم  فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره وتكبر

عليهم وظلمهم حين مَلّكَهُ فرعون على بني إسرائيل وحسدهم

 روي أنه قال لموسى عليه السلام لك الرسالة ولهارون الحبورة ( العلم والفصاحة ) وأنا في غير شيء إلى متى أصبر قال موسى هذا صنع الله

الضابط الأول لا يتوفر هنا فتمني قارون ومنافسته لموسى وأخوه هارون في مقام النبوة والتي هي نعمة من اصطفاء الله لبعض عباده ومنحهم النبوة والتي ليست من النعم التي يصل إليها الإنسان بالكسب والعمل فكان لا ينبغي لقارون تمنيها , وكان في تمنيه هذا اعتراض منه على القدر , لذا لما تمنى شيئاً لا يستطيع الوصول إليه بكسبه حمله ذلك على العوض , الحسد المذموم والطغيان واستخدام قوته المتمثلة في ماله وجاهه في إيذاء موسى وهارون والمؤمنين وسعى في التخلص من موسى بأن دبر له قضية اتهام بالزنا ظناً منه أنه لو أثبتها على موسى رُجم بها ويكون قد تخلص منه ويأخذ هو مكانة موسى وهذا أشد أنواع الحسد إذ يسعى في زوال النعمة من على غيره بمحاولة قتله

قارون آتاه الله من الكنوز من الأموال المدخرة ما إن مفاتيح خزائنه لتضعف العصبة أي الجماعة الكثيرة من الرجال الأشداء من حمل المفاتيح , فكيف بالخزن , لكن هذا المال أطغاه فلم يكن غِناه نعمة بل كان نقمة عليه لما طغى به على موسى والمؤمنين وكان سبباً في هلاكه وشقائه الأبدي

قال بنو إسرائيل لقارون لا تفرح الفرح بالدنيا مذموم مطلقاً لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة , يوجب الترح , وقيل له ابتغ فيما آتاك الله من الغنى  الدار الآخرة , بصرف المال فيما يوجبها لك , فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها , ولا تترك نصيبك من الدنيا وهو أن تُحَصِل بها أخرتك , وتأخذ منها ما يكفيك , وأحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك فيما أنعم الله عليك وأحسن بالشكر والطاعة كما أحسن إليك بالإنعام , ولا تبغ الفساد في الأرض , إن الله لا يحب المفسدين لسوء أفعالهم

قال قارون إنما أوتيته على علم عندي فُضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال وعلم التجارة وسائر المكاسب والعلم بكنوز يوسف , أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو

أشد منه قوة وأكثر جمعا

 وأنكر الله عليه ووبخه على اغتراره بقوته وكثرة ماله لأنه يعلم من التوراة وسمع من حفاظ التواريخ بهلاك من قبله من الطغاة

وهذا من الله تهديد لقارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه وأغنى فالله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم مُعاقبهم عليها لا محالة فخرج على قومه في زينته وخيلائه وفخره يتعاظم بما لديه من غنىً كثير

كما قيل إنه خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب ومعه حشمه على أربعة آلاف دابة بيضاء وهم على زيه عليهم ثياب حمر فرآه بنو إسرائيل في موكبه الذي يحسده عليه أهل الدنيا وطلابها ولا يحسده عليه العقلاء المؤمنين طلاب الآخرة

قال الذين يريدون الحياة الدنيا , على ما هو عادة الناس من الرغبة , يا ليت لنا مثل ما أُوتي قارون , تمنوا مثله لا عينه ,حذرا عن الحسد , إنه لذو حظ عظيم من الدنيا , وقال الذين أوتوا العلم  بأحوال الآخرة للمتمنين , ويلكم ثواب الله في الآخرة خير لمن آمن وعمل صالحا مما أوتي قارون ,بل من الدنيا وما فيها , ولا يلقاها أي المثوبة والجنة ,إلا الصابرون على الطاعات وعن المعاصي

 فخُسف به وبداره الأرض روي أنه كان يؤذي موسى عليه السلام

كل وقت وموسى يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف على واحد فحسبه فاستكثره فعمد إلى أن يفضح موسى بين بني إسرائيل ليرفضوه فأعطى بغية أموال كثيرة لترميه بنفسها فلما كان يوم العيد قام موسى خطيبا فقال من سرق قطعناه ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه فقال قارون ولو كنت أنت قال ولو كنت قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت فناشدها موسى عليه السلام أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلا على أن أرميك بنفسي فخر موسى شاكيا منه إلى ربه فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فقال يا أرض خذيه إلى ركبتيه ثم قال خذيه إلى وسطه ثم قال خذيه فأخذته إلى عنقه ثم قال خذيه فخسفت به

ثم قال بنو إسرائيل إنما فعله ليرثه فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله فما كان له من فئة أعوان ينصرونه من دون الله , فيدفعون عنه عذابه , وما كان من المنتصرين الممتنعين منه , وأصبح طلاب الدنيا الذين تمنوا منزلته بالأمس , منذ زمان قريب , يقولون الحمد لله أن منّ الله علينا فلم يعطنا ما تمنينا , وإلا لخسف بنا كما خسف بقارون

وعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده , ويقدر  بمقتضى مشيئته , لا لكرامة تقتضي البسط , ولا لهوان يوجب القبض مع أن الذين حسدوه من قبل قد كان حسدهم من باب حسد الغبطة إذ تمنوا أن يكون لهم مثل ما أتي قارون ولكن النعمة التي أوتيها قارون لم تكن

نعمة مقرونة من قبله بما ينفع في أخرته ويكسبه مرضاة ربه [26]

وإذ يقص الله علينا هذه القصة دلنا على أن النعمة التي لا تنفع الإنسان في أخرته ولا تكسبه مرضاة ربه هي نقمة ووبال على صاحبها فهي ليست من النعم التي يحسد الإنسان عليها وكذا فهمنا الضابط الثاني لحسد الغبطة المأذون به شرعاً وهو أن تكون النعمة مما ينفع الإنسان في آخرته ويكسبه مرضاة ربه

وهذه القصة أخبرنا بها الله تعالى فقال :

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْض ِوَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77)قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ(78)فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ(80)فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ(81)وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)} القصص

ومن هذه القصة يتضح لنا خطورة المنافسة إذا لم يتوفر فيها الضابطين وأن المنافسة ينبغي أن تكون في النعم التي يمكن الوصول لها بالعمل والكسب

بل إنه مع توافر الضابطين في النعمة التي يمكن للإنسان بالمنافسة الحصول على مثلها ومع ذلك يترك التنافس عليها ولا تطلع نفسه أصلاً إلى ما أنعم الله به على غيره لكان هذا أسلم صدراً كما كان أبو بكر وقدوته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ينافس أبا بكر رضى الله عنه الإنفاق وأبو بكر خال من ذلك رضى الله عنهما

تشبيه عمر بموسى وأبو بكر بنبينا في المنافسة والخلو منها

{عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي فقلت اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله واتى أبو بكر رضى الله عنه بكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلي شئ أبدا}[27]

فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة , لكن حال الصديق رضى الله عنه أفضل منه , أنه خال من المنافسة مطلقاً , لا ينظر إلي حال غيره

وكذلك موسى صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم { فقيل ما أبكاك قال يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي}[28]

وعمر رضي الله عنه كان مشبها بموسى ونبينا حاله أفضل من حال موسى فانه لم يكن عنده شيء من ذلك [29]

وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه كانوا سالمين من جميع هذه الأمور فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة وإن كان ذلك مباحاً

المبحث الثاني

دركات

الحسد المذموم

دركات الحسد المذموم

علمنا مما مر معنا أن دركات الحسد المذموم هي :

الدركة الأولى من الحسد :

محبة زوال نعمة الغير مع تمني انتقالها إليه

الدركة الثانية من الحسد:

محبة زوال نعمة الغير وإن لم تنتقل إلى الحاسد وهذا غاية الحسد

الدركة الثالثة من الحسد:

محبة زوال نعمة الغير ولو أدى ذلك لاستخدام القوة في زوالها بالبغي

الدركة الرابعة :

محبة زوال نعمة الغير باستخدام ما في نفس الحاسد من طاقات يضر بها المحسود وهذه سنفردها بمبحث خاص

الدركة الأولى من الحسد

محبة زوال نعمة الغير مع تمني انتقالها إليه

الحاسد يرى المحسود قد فضل عليه وأوتى ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون من اتباعه وهذا الداء هو الذي منع عبد الله بن أبي من الإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وقد عَلِمَ علماً لا شك فيه أنه رسول الله جاء بالبينات والهدى فحمله الحسد على أن اختار زوال نبوة محمد على الإيمان

قصة عبد الله بن أبي بن سلول

كان عبد الله بن أبي من الرؤساء وكان ينتظر أن يتوجه قومه ملكاً عليهم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأصبح السمع والطاعة لرسول الله من أهلها تمنى عبد الله بن أبي أن تزول هذه النعمة من رسول الله ليأتيه هو الملك ليكون له السمع والطاعة وليس لرسول الله فأخرجه الحسد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النفاق وترك الصواب

فلا يَغُرنَ تملق الحاسد للمحسود ، و لا ما يظهره من الدين والتعبد , فإن الحسد يغلب الدين

الدركة الثانية من دركات الحسد

محبة زوال نعمة الغير وإن لم تنتقل إلى الحاسد وهذا غاية الحسد

الحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير، فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم فهذا هو حال اليهود وحسدهم للمؤمنين المسلمين

حسد اليهود للمؤمنين

 يتمنوا أن تزول نعمة الإيمان من المسلمين ليكونوا مثلهم في الكفر فيخسروا الدنيا والآخرة مثلهم كما بين الله تعالى ذلك :

{ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً (89) } النساء

وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ (109)} البقرة

{ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ا(54)} النساء

 فالحسود عدو النعمة متمنٍ زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو

حسدهم جماعي من أمة لأمة كما يكون الحسد من فرد لفرد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين}[30]

وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{إنهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين }[31]

واليهود في حسدهم هذا يتمنوا أن تزول نعم الإيمان هذه عن المؤمنين دون أن يتمنوا انتقالها لهم فإنهم يعلمون أن هذا لا يحدث فقد حرمهم الله منها , لكن يريدون أن يفرحوا بزوالها عن المؤمنين كما فعل إمامهم الكبير إبليس مع أبونا آدم

إبليس حسد آدم وسعى في خروجه من الجنة التي حرم منها

إبليس تمنى أن تزول نعمة وجود آدم في الجنة حتى ولو لم تأتيه فإنه يعلم أنها محرمة عليه

هذه قصة إبليس الذي هو من الجن مع آدم الذي هو أول إنسان خلقه الله من هذه السلالة البشرية والتي تبين كيد إبليس لنفسه ، قبل كيده للأبوين آدم وحواء ، ثم عدم اقتصاره على ذلك ، حتى كاد ذرية نفسه ، وذرية آدم فكان مشؤوما على نفسه وعلى ذريته وأوليائه وأهل طاعته من الجن والإنس

أما كيده لنفسه , فإن الله سبحانه لما أمره بالسجود لآدم عليه السلام ، كان في امتثال أمره وطاعته , سعادته وفلاحه ، وعزه ونجاته . فسولت له نفسه الجاهلة الظالمة أن في سجوده لآدم عليه السلام غضاضة عليه ، وهضماً لنفسه ، إذ يخضع ويقع ساجداً لمن خُلق من طين ، وهو مخلوق من نار , والنار بزعمه أشرف من الطين , فالمخلوق من النار خير من المخلوق من الطين ، وخضوع الأفضل لمن هو دونه غضاضة عليه وهضم لمنزلته , فلما قام بقلبه هذا الهَوَس ، وقارنه الحسد لآدم ، لما رأى ربه سبحانه قد خصه به من أنواع الكرامة , فإنه خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء ، وميزه بذلك عن الملائكة وأسكنه جنته ، فعند ذلك بلغ الحسد من عدو الله كل مبلغ ، وكان عدو الله يطيف به وهو صلصال كالفخار ، فيتعجب منه ، ويقول : لأمر عظيم قد خلق هذا ، ولئن سلط عليّ لأعصينه ، ولئن سلطت عليه لأهلكنه , فلما تم خلق آدم عليه السلام في أحسن تقويم وأكمل صورة وأجملها ، وكملت محاسنه الباطنة ، بالعلم والحلم والوقار  وتولى ربه سبحانه خلقه بيده ، فجاء في أحسن خلق ، وأتم صورة ، طوله في السماء ستون ذراعا ، قد ألبس رداء الجمال والحسن، والمهابة ، والبهاء فرأت الملائكة منظرا لم يشاهدوا أحسن منه ولا أجمل ، فوقعوا كلهم سجودا له ، بأمر ربهم تبارك وتعالى , فشق على الحسود ذلك ، واشتعلت في قلبه نيران الحسد المتين ، فعارض النص بالمعقول بزعمه ، كفعل أوليائه من المبطلين . وقال : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(76) } ص فأعرض عن النص الصريح ، وقابله بالرفض الفاسد القبيح . ثم أردف ذلك بالاعتراض على العليم الحكيم فقال : { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا(62) } الأسراء

وتحت هذا الكلام من الاعتراض معنى : أخبرني ، لم كرمته علي ؟ ومعنى هذا الاعتراض : أن الذي فعلته ليس بحكمة ولا صواب ، وأن الحكمة كانت تقتضي أن يسجد هو لي ، لأن المفضول يخضع للفاضل ، فلم خالفت الحكمة ؟

ثم أردف ذلك بتفضيل نفسه عليه ، وإزرائه به ، فقال : أنا خير منه

ثم قرر ذلك بحجته الداحضة في تفضيل مادته وأصله على مادة آدم عليه السلام وأصله . فأنتجت له هذه المقدمات إباءه وامتناعه من السجود ، ومعصيته الرب المعبود . فجمع بين الجهل والظلم ، والكبر والحسد والمعصية ، ومعارضة النص بالرأي والعقل ، فأهان نفسه كل الإهانة من حيث أراد تعظيمها ، ووضعها من حيث أراد رفعتها، وأذلها من حيث أراد عزتها ، وآلمها كل الألم من حيث أراد لذتها . ففعل بنفسه ما لو اجتهد أعظم أعدائه في مضرته لم يبلغ منه ذلك المبلغ . ومن كان هذا غشه لنفسه، فكيف يسمع عنه العاقل ويقبل ، ويواليه ؟

لما ظهرت فضائل آدم عليه السلام على الخلائق بسجود الملائكة له وبتعليمه أسماء كل شيء وإخباره الملائكة بها وهم يستمعون له كاستماع المتعلم من معلمه ، حتى أقروا بالعجز عن علمه وأقروا له بالفضل وأسكن هو وزوجته الجنة ، ظهر الحسد من إبليس وسعى في الأذى لهما فما يزل يخدعهما ، ويعدهما ، ويمنيهما الخلود في الجنة ، حتى حلف لهما بالله جهد يمينه : إنه ناصح لهما ، حتى اطمأنَ إلى قوله ، وأجاباه إلى ما طلب منهما ، فجرى عليهما من المحنة والخروج من الجنة ونزع لباسهما عنهما ما جرى ، وكان ذلك بكيده ومكره الذي جرى به القلم ، وسبق به القدر [32]

الدركة الثالثة من الحسد

محبة زوال نعمة الغير باستخدام القوة في زوالها وهي أشد وأخطر دركات الحسد

هذه الدركة أخس وأحقر وأخبث الدركات وأكثرها لؤماَ وشراً، وهي دركة لا تقف عند حدود تمني القلب ولكنها تزيد عليه باتخاذ الوسائل والأسباب لإزالة النعمة عن صاحبها ، أو طمس مظاهرها بالدسائس والمكايد ، والمجاهرة بالعداوة ، والجحود

فالحاسد يستخدم فيها قدراته المختلفة في التخلص من النعمة بالبغي والعدوان كما فعل اخوة يوسف بيوسف وقد تصل إلى القتل كما فعل قابيل مع أخيه هابيل ونعرض هذه الأخيرة لخطورتها وقصة حسد يوسف سنستشهد بها في موضع أخر

قصة حسد قابيل لأخيه هابيل

هابيل وقابيل من أبناء آدم عليه السلام وكانت حواء تلد لآدم عليه السلام في كل بطن توأمين غلاما وجارية أولهم قابيل وتوأمته أقليما , ثم بارك الله عز وجل في نسل آدم عليه السلام

وكان آدم إذا شب أولاده يزوج غلام هذا البطن جارية بطن أخرى فكان الرجل منهم يتزوج أية أخواته شاء إلا توأمته التي ولدت معه فكان يفصل بين التوأم وهذه شريعة الله فيهم في ذلك الوقت , لأنه لم يكن يومئذ نساء غير أخواتهم, فلما ولد قابيل وتوأمته أقليما ثم هابيل وتوأمته لبودا وأدركوا أمر الله تعالى لآدم عليه السلام أن ينكح قابيل لبودا أخت هابيل وينكح هابيل أقليما أخت قابيل وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل فذكر ذلك آدم لولده فرضي هابيل وسخط قابيل وقال هي أختي أنا أحق بها فقال له أبوه إنها لا تحل لك فأبى أن يقبل ذلك وقال إن الله لم يأمره بهذا وإنما هو من رأيه فقال لهما آدم عليه السلام فقربا قرباناً فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء بيضاء فأكلتها وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكلته الطير والسباع فخرجا ليقربا قربانا وكان قابيل صاحب زرع فقرب صبرة من طعام من أردأ زرعه وأضمر في نفسه ما أبالي يقبل مني أو لا , لا يتزوج أختي أبداً وكان هابيل صاحب غنم فعمد إلى أحسن كبش في غنمه فقرب به وأضمر في نفسه رضا الله عز وجل فوضعا قربانهما على الجبل ثم دعا آدم عليه السلام فنزلت نار من السماء وأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل فتقبل هابيل ولم يتقبل قابيل فنزلوا على الجبل وقد غضب قابيل لرد قربانه وكان يضمر الحسد في نفسه إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت فلما غاب آدم أتى قابيل هابيل وهو في غنمه قال لأقتلنك لأن الله تعالى قبل قربانك ورد قرباني وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة فيتحدث أنك خير مني ويفتخر ولدك على ولدي قال هابيل وما ذنبي إنما يتقبل الله من المتقين

أراد بذلك الأخ الصالح أن يعلم أخاه معنى الخير ويشعره بفضل المتقين ويبعده عن الغل والحقد والحسد وكان يستبعد جداً أن يكون منه القتل لذا قال له , لأن مددت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين

وكان المقتول لأشد الرجلين ولكن لم يبسط إلى أخيه يده دفاعاً وهذا في الشرع جائز لمن أريد قتله أن ينقاد ويستسلم طلباً للأجر

وأراد أن يحول داء الحسد لدى أخيه لما أعده الله للمتقين في جنات النعيم ويكون قد صرفه عن الجريمة فقال إني أريد أن ترجع بإثم قتلي وإثم معصيتك التي لم يتقبل لأجلها قربانك وإثم حسدك وبالرغم من أن هذا أفضل علاج للحسد وهو السعي لتحويله من الشر للخير , لكن هذا لم ينفع لإصراره على القتل

فلما علم أنه يقتله لا محالة وطن نفسه على الاستسلام طلبا للثواب

وقال ستكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين

 فطوعت له نفسه , طاوعته وعاونته في قتل أخيه وشجعته , وزينت له نفسه أن قُتل أخيه سهل عليه فقتله فلما قصد قابيل قتله لم يدر كيف يقتله , فتمثل له إبليس وأخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر وقابيل ينظر إليه فعلمه القتل فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين قيل قتل وهو مستسلم وقيل في النوم فشدخ رأسه فقتله فأصبح من الخاسرين ومثالاً لذوي النفوس الشريرة وهابيل مثالاً لذوي النفوس الخيرة المسالمة , فلما قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به لأنه كان أول ميت على وجه الأرض من بني آدم وقصدته السباع فحمله على ظهره ينتقل به من مكان إلى مكان أخر يخشى افتضاح أمره وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمى به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم ألقاه في الحفرة وواراه وقابيل ينظر إليه

 فلما رأى قابيل ذلك قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي أي جيفته فأصبح من النادمين , ندم لقلة النفع بقتله فإنه أسخط والديه وما انتفع بقتله شيئا ولم يكن ندمه على القتل وركوب الذنب

لما قتل ابن آدم أخاه وآدم عليه السلام بمكة اشتاك الشجر وتغيرت

الأطعمة وحمضت الفواكه وأمر الماء واغبرت الأرض فقال آدم عليه السلام قد حدث في الأرض حدث فأتى فإذا قابيل قد قتل هابيل

لقد جره الحسد المنهي عنه , إذا صحبه السعي في زوال تلك النعمة عن أخيه حتى ركب مركب الجريمة الكبرى فقتل أخوه وعصى ربه وهذه أشد دركات الحسد [33]

وهذا القصة التي أخبرنا بها الله تعالى بقوله

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ(29)فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ(30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ(31) } المائدة

وجاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن هذا القاتل الأول من ابني آدم { لا تقتل نفس ظلما إلا كان على بن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل}[34]

وهذا من قاعدة الجزاء الرباني في تحمل الإنسان إثم عمله السيئ وإثماً مثل إثم عمل كل عامل تأثر به , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ من سن سنة حسنة فإن له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}[35]

ولذا يقول صلى الله عليه وسلم

{كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل}[36]

أضرار الحسد

هذه القصص التي أوردناها بينت لنا صور من أضرار الحسد , وأما من واقع حياتنا , فحدث ولا حرج , فما من ذي نعمة إلا وله حاسدون ,

وقد يكون منهم آثمون يدبروا له المكايد

فكم من زوجين حبيبين , يظللهما سرادق السعادة والهناء , ويمتعهما نعيم المودة والصفاء , كان لهما حاسدون واشون , أفسدوا ما بينهما بالكذب والبهتان والظلم والعدوان , فنالهما من حسدهم بلاء وهم أو حزن وغم , وربما منيا بمر الفراق وشر الطلاق

وكم من أصحاب متآخين في الله , قد دخل بينهم حاسدون واشون , أفسدوا ما بينهم بالغيبة والنميمة كذباً وبهتاناً , فنالهم من حسدهم عداوة وبغضاء ثم تفرقوا أعداء

وكم من محصنة عفيفة شريفة , زنّاها الحاسدون وأشاعوا عنها من الفواحش ما لم تفعل فأساءوا سمعتها ودنسوا شرفها , وهي في طهارتها كطهارة ماء السماء

وكم من ولد أفسده الحاسدون على أبويه , فبات عاقاً بعدما كان باراً

وكم من والد أفسده الحاسدون على ولده , فبات غاضباً عليه بعدما كان راضياً عليه

وإيذاء الحاسدين للبشر غير ذلك كثير ملموس لدى الجميع , والناس يعرفون أن الحساد يصدر منهم أكثر من ذلك ولذا تناولوهم بالعبارات والأقوال التي فيها الذم

الأقوال والعبارات التي جاءت في ذم الحسد والحاسد

من بغض الناس للحسد وقد يكون بسبب تعرضهم للأذى من الحساد جاء في كلامهم عبارات يستحقها الحاسد ومنها

الصبر على الحسود يأتي بالفرج

اصبر على حسد الحسود ولو رمى بك في اللجج , فلعل طرفك لا يعود إليك إلا بالفرج [37]

صبرك على الحسود قاتله

أصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله [38]                                                     

الحاسد ظالم لكنه أشبه بالمظلوم

ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد [39]

أكثر ما يكون الحسد في الجيران

العداوة في القرابة والحسد في الجيران والمنفعة في الإخوان [40]

عداوة الحسد صعب إماتتها 

كل العداوة قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك بالحسد [41]

الحسد يملك الشيطان إهلاك الحاسد

الشيطان يحدث بثنتين يقول بهما أُهلك الناس وهما لا يكذبان : الحسد والحرص ، فبالحسد لعنت وجُعلت شيطاناً رجيماً ، وبالحرص أُبيح لآدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه فأُخرج من الجنة

الحاسد معادي لنعم الله متسخط لقدره

الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله , ويحب زوالها عنه والله يكره ذلك فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته [42]

قال ابن مسعود  لا تعادوا نعم الله قيل له ومن يعادي نعم الله قال  الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله

الحاسد ليس له إلا ما حسد

ليس للحاسد إلا ما حسد فله البغضاء من كل أحد [43]

الحاسد يتعب قلبه وراء طلب رآسة

في ماذا تتعب قلبك ؟ وتنازع إخوانك ، وتعادي على طلب الرياسة والعز أشكالك وأخدانك ؟ وتعمل في هلكة حياتك بالحسد لمن هو فوقك ؟ كأنك لم تؤمن بمن أخبر أنه يعز من يشاء ، ويذل من يشاء ،

ويؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء [44]

الحسد أصل يندرج تحته المعصية

أصل المعصية ثلاثة أشياء : الكبر والحرص والحسد  [45]

أصول الخطايا كلها ثلاثة : الكبر وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره

، والحرص وهو الذي أخرج آدم من الجنة ، والحسد وهو الذي جرأ أحد ابني آدم على قتل أخيه ، فمن وقي شر هذه الثلاثة فقد وفي الشر ، فالكفر من الكبر , والمعاصي من الحرص ، والبغي والظلم من الحسد

متى يصير حاسد

إذا استعمل الغضب في دفع المضرة عن نفسه , تولد منه القوة والغيرة فإذا عجز عن ذلك الضار , أورثه قوة الحقد , وإن أعجزه وصول ما يحتاج إليه ، ورأى غيره مستبداً به , أورثه الحسد [46]

علة الحسد

علة داء الحسد ترجع إلى إفراط في الأنانية وحب الذات، مع ضعف في الإيمان بكمال حكمة الله في توزيع عطاياه على خلقه ، الأمر الذي يفضي إلى الاعتراض على الله في حكمته التي وزع على مقتضاها عطاءه بين خلقه ليبلوهم فيما آتاهم، فضرره من هذه الناحية يمس جانب الإيمان ويؤثر عليه [47]

سوء الخلق يثمر  التحاسد

اعلم أن الألفة ثمرة حسن الخلق ، والتفرّق ثمرة سوء الخلق , فحسن

الخلق يوجب التحاب والتآلف والتوافق , وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر

الحسد أخس الطبائع

الحسد أخس الطبائع وأول معصية عصي الله بها في السماء حسد إبليس لآدم وفي الأرض حسد قابيل هابيل [48]

أسباب الحسد

السبب الأول: العداوة والبغضاء ، وهذا أشدّ أسباب الحسد ، فإن من آذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه وغضب عليه ورسخ في نفسه الحقد , والحقد يقتضي التشفي والانتقام ، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان ، وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه وأنها لأجله ، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك لأنه ضد مراده ، وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه بل أنعم عليه , وبالجملة ، فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما

والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل والسعاية وهتك الستر وما يجري مجراه

السبب الثاني: التعزز , وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره , فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو إدارة أو رئاسة أو علماً أو مالًا خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال تفاخره عليه ، وليس من غرضه أن يتكبر بل غرضه أن يدفع كبره ، فإنه قد رضي بمساواته مثلاً ، ولكن لا يرضى بالترفع عليه

السبب الثالث: الكبر , وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه ، فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته ، أو ربما يتشوّف إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه فيعود متكبراً بعد أن كان متكبراً عليه

السبب الرابع: التعجب ، وهو أن يكون من أمثال له قد يكونوا سواسية في المعيشة إلا أن أحدهما ورث مالاً أو أصبح له جاه ؟ أو وظيفة مرموقة فأحب زوال هذه النعمة عنه جزعاً أن يفضل عليه وهو مثله لا عن تكبر وجلب رئاسة أو تقدم عداوة أو سبب آخر بل متعجب أن  تميز عنه

السبب الخامس: الخوف من فوات المقاصد ، وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد ، فإن كان كل واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عوناً في الانفراد بمقصوده ، ومن هذا الجنس تحاسد في التزاحم على مقاصد الزوجية في حالة تعدد الزوجات ، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال ، وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ ، وكذلك تحاسد الموظفين المتزاحمين على مكان واحد إذا كان غرضهما نيل القبول عند مديرهم للتوصل إلى أغراضهم

السبب السادس: حب الرئاسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل إلى مقصود , وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه وحيد الدهر وفريد العصر في فنه وأنه لا نظير له ، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة من شجاعة أو علم أو عبادة أو صناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرّد هو به ويفرح بسبب تفرّده ، وليس السبب في هذا عداوة ولا تعزز ولا تكبر على المحسود ولا خوف من فوات المقصود سوى محض الرئاسة بدعوى الانفراد

السبب السابع : شح النفس بالخير على عباد الله ، فإنك تجد من لا يشتغل برئاسة ولا تكبر ، ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله شق عليه ذلك ، وإذا وصف اضطراب الناس وإدبارهم فرح به ، فهو أبداً يحب الإدبار لغيره ، ويبخل بنعمة الله على عباده ، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه [49]

فالطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه ليرتفع عليه مطلقا أو ليساويه , وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل وينبغي لمن خطر له ذلك أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر أو إنسان يستعين بها على معاصي الله

فهذا حكم الحسد بحسب حقيقته [50]

علاج

 مرض الحسد عند الحاسد

علاج الحسد الآتي هو لكل أنواع الحسد المذموم السابق ذكرها في دركات الحسد المختلفة

 أما الحسد المصاحب بأضرار مشعة من النفس أو العين فسنخصص له مبحث كامل

علاج مرض الحسد عند الحاسد يشمل معرفة الأمور التالية والعمل بما جاء بها وتضمنتها

أولاً: الحسد طبيعة بالفطرة في قلب الإنسان ولو كان من أهل الفضل

1- الحسد طبيعة في الإنسان لا يسلم منها أحد والمطلوب تقويمها

2 - الحسد بالفطرة في قلب كل إنسان إلا رسول الله فقد أخرجه جبريل

3 - الحسد قد يحدث من أهل الفضل كما يحدث للضرائر وإن كانوا أموات

ثانياً : الجزاء المترتب على الحسد سواء في دفعه أو في العمل به

1- الحاسد مؤاخذ على حسده إن كان مُصر على حسده وإن لم يخرجه

2- الحاسد الذي يجاهد نفسه على دفع حسده ليس كالحاسد المندفع وراء حسده وتحقيقه

3 - المجاهد لنفسه في دفعه لحسده لا إثم عليه بل لعله مأجور في مدافعته نفسه

4- البشرى بالجنة لمن سلم صدره من حسد الآخرين ولو قلة أعماله

ثالثاً : الشفاء في الدواء الذي بينته الشريعة وتطبيق العمل به

1- دواء الحسد للحسود

2- الحاسد الذي يبتغي التخلص من مرض الحسد يطبق بالفعل ما علمه

أولاً:الحسد طبيعة بالفطرة في قلب الإنسان ولو كان من أهل الفضل

1- الحسد طبيعة في الإنسان لا يسلم منها أحد والمطلوب تقويمها

الناس يذمون الحاسد ويبالغون ويقولون لا يَحْسِدُ إلا شرير يعادي نعمة الله ، ولا يرضى بقضائه ، و يبخل على أخيه المسلم 

وينبغي أن يعلم مع هذا الكلام ، أن الإنسان لا يحب أن يرتفع عليه أحد ، فإذا رأى صديقه قد علا عليه تأثر هو ولم يحب أن يرتفع عليه ، وود لو لم ينل صديقه ما ينال ، أو أن ينال هو ما نال ذاك لئلا يرتفع عليه وقد لا يلام على ذلك , إنما اللوم أن يعمل بمقتضاه من قول أو فعل , ليس من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد [51]

فمن لم يجاوز ذلك بقول ولا بفعل لم يتبعه شيء قال صلى الله عليه وسلم

{ثلاث لا يعجزهن ابن آدم : الطيرة ، وسوء الظن ، والحسد ، قال : فينجيك من الطيرة ألا تعمل بها ، وينجيك من سوء الظن ألا تتكلم به ، وينجيك من الحسد ألا تبкي أخاك سوءا }

وبلفظ آخر {ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة والظن والحسد، قيل فما

المخرج منها يا رسول الله ؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا حسدت فلا تبغ }[52]

{كل ابن آدم حسود ولا يضر حاسداً حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد }[53]

فالأحاديث بينت أنه ما من آدمي إلا وفيه الحسد ، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء  , إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نُزِعَ الحسد من قلبه تمهيداً لرسالته

2- الحسد بالفطرة في قلب كل إنسان إلا رسول الله فقد أخرجه جبريل منه كهيئة العلقة

روي عن أبي هريرة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء فقال { يا رسول الله ، ما أول ما رأيت في أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وقال : لقد سألت  أبا هريرة  إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر ، وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو ؟ قال : نعم . فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط ، وثياب لم أرها على أحد قط ، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي ، وأني لأجد أحدهما يقول لصاحبه أضجعه ، فأضجعاني بلا قصر ولا هصر  وقال أحدهما لصاحبه افلق صدره ، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع  فقال له أخرج الغل والحسد ، فأخرج شيئاً كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها . فقال له أدخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج يشبه الفضة ، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال أغدو أسلم فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ، ورحمة للكبير }[54]

فَليُعلم أن من الأمر الموضوع في النفوس الحسد على النعم ، أو الغبطة وحب الرفعة ، فإذا رآك من يعتقدك مثلاً له وقد ارتقيت عليه فلا بد أن يتأثر وربما حسد

ويحدث هذا حتى مع أولي الفضل

3 - الحسد قد يحدث من أهل الفضل كما يحدث للضرائر وإن كانوا أموات

 فهذه عائشة أم المؤمنين عندما وجدت رسول الله يثني على ضرتها خديجة بتوضيح منزلتها بالرغم من أنها ماتت قبل أن يتزوج رسول الله عائشة

قالت عائشة

{ما حسدت أحداً ما حسدت خديجة وما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما ماتت وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب} [55]

فالعمل عندما يجد الإنسان في نفسه شيء على نعمة لأخيه أن يستحضر قوله صلى الله عليه وسلم

{ إياكم والحسد } أي يحذر الحسد في مال أو جاه دنيوي فإنه مذموم {فإن الحسد يأكل الحسنات} يفنى ويذهب بطاعات الحاسد

{كما تأكل النار الحطب} [56]

لأن الحسد يُفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود فيزيد المحسود نعمة على نعمة والحاسد حسرة على حسرة , ويُخشىَ عليه أن يكون دخل في قوله تعالى :{ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ (11) } الحج


 

ثانياً : الجزاء المترتب على الحسد سواء في دفعه أو في العمل به

1- الحاسد مؤاخذ على حسده إن كان مصر على حسده وأن لم يخرجه

لقوله صلى الله عليه وسلم :

{ إنما الأعمال بالنيات }[57]

وقوله تعالى : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ (284)} البقرة   فالمصر على المعصية فاسق مؤاخذ وإن لم يفعلها ، وأعمال القلوب في الثواب والعقاب كأعمال الجوارح ، ولهذا يثاب على الحب والبغض ، والموالاة والمعاداة في الله ، وعلى التوكل والرضى ، والعزم على الطاعة ، ويعاقب على الكبر والحسد ، والعجب والشك ، والرياء وظن السوء بالأبرياء [58]

2 - الحاسد الذي يجاهد نفسه على دفع حسده ليس كالحاسد المندفع وراء حسده وتحقيقه

قيد سبحانه شر الحاسد بقوله إذا حَسَد لأن الرجل قد يكون عنده حسد , ولكن يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما , لا بقلبه ولا بلسانه

ولا بيده ، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك ، ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله ، لكن الفرق بين القوة التي في قلبه من ذلك وهو لا يطيعها ، ولا يأتمر لها بل يعصيها طاعة لله وخوفاً وحياء منه وإجلالاً له أن يكره نعمه على عباده ، فيرى ذلك مخافة لله وبغضاً لما يحب الله ومحبة لما يبغضه , فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك ويلزمها بالدعاء للمحسود وتمنى زيادة الخير له بخلاف ما إذا حقق ذلك وحسد ، ورتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح , فهذا الحسد المذموم

3 - المجاهد لنفسه في دفعه حسده لا إثم عليه بل لعله مأجور في مدافعته نفسه

يتضح مما سبق الآتي :

1-  الحاسد إن وقع له الخاطر بالحسد فدفعه وجاهد نفسه في دفعه فلا إثم عليه , بل لعله مأجور في مدافعة نفسه

2- إن سعى في زوال نعمة المحسود فهو باغ

3 - إن لم يسعى ولم يظهره لمانع العجز , فإن كان بحيث لو أمكنه لفعل فهو مأزور , وإلا فلا , أي لا وزر عليه , لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية , فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها

4 - إن كان بحيث لو ألقى الأمر إليه , ورد إلى اختياره , لسعى في إزالة النعمة , فهو حسود حسداً مذموماً , وإن كان تمنعه التقوى عن إزالة ذلك , فيعفي عنه ما يجده في نفسه من ارتياحه إلى زوال النعمة عن محسوده , مهما كان كارهاً لذلك من نفسه بعقله ودينه

 وهذا التفصيل الذي يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم

 {وإذا حسدت فلا تبغ }[59]

فالإنسان بعد علمه بما سبق عليه أن يعمل على حفظ نفسه من حسد الآخرين لخطورة الحسد على نفسه فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحسد يفسد في دين المرء أكثر من فساد الذئب في الغنم فقال {ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من الحرص على المال والحسد في دين المسلم وإن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب}[60]

ولقوله صلى الله عليه وسلم { لا تحاسدوا ولا تباغضوا }[61]

فيفرغ قلبه من الحسد ليحل محله الإيمان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد }[62]

فيكون بذلك عنده وقاية من هذا الوباء القديم وباء الأمم السابقة بل يكون قد استثني نفسه مما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

{دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء }[63]

وبذلك يكون فيه الخير سواء لنفسه أو للآخرين , كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا }[64]

لذا ينبغي على المسلم أن يحفظ نفسه من الحسد حتى يسلم صدره للآخرين ليكون ذلك سبباً لدخوله الجنة كهذا الرجل الذي أخبر عنه رسول الله أنه من أهل الجنة والتي فاز بها لأنه كان لا يحمل في نفسه حسداً لأحد

4 - البشرى بالجنة لمن سلم صدره من حسد الآخرين ولو قل عمله

{عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت , قال نعم , قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل إلا أنه إذا تعار تقلب على فراشه وذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر , قال عبد الله أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك عملت كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا حسد على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك}[65]

فقول عبد الله بن عمرو له هذه التي بلغت بك يشير إلى خلوه وسلامته

من جميع أنواع الحسد وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار فقال { وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (9) } الحجرات  أي مما أوتي إخوانهم المهاجرون قال المفسرون لا يجدون في صدرهم حاجة أي حسدا وغيظا مما أوتى المهاجرون من المال ولا من الجاه , والحسد يقع على هذا [66]

ثالثاً : الشفاء في الدواء الذي بينته الشريعة وتطبيق العمل به

1- دواء الحسد للحسود

علمنا أن الحسد هو داء الأمم قبلنا وأنه ليس أمر مقتصر على هذه الأمة ، بل موجود بين النصارى ومن قبلهم اليهود ، بل إلى ما قبل ذلك

بكثير [67]

وهاهي قصة تَعْرُض يوسف للحسد من أقرب الناس إليه على ضعفه وصغره , وهم في شدة الرجولة , يحرمونه من أن ينشأ كأي طفل مع أبيه , ويبيعونه على أنه عبد ولا يستطيع أن يقول أنهم إخوتي حتى لا يقتلوه

فعندما يضع الحاسد نفسه مكان يوسف في هذه المأساة الإنسانية فإنه لا يرضى بظلم هؤلاء الإخوة له وبالتالي لا يرضى أن يكون هو ظالم

قصة أولاد يعقوب في حسدهم لأخيهم يوسف

{ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ(7) } يوسف  

كان بنو يعقوب عليه السلام اثنى عشر رجلا , وأسماؤهم روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوي ويهوذا وزبلون وآشر وأمهم ليل بنت لابان وهي ابنة خال يعقوب عليه السلام وولد له من سريتين له اسم احداهما زلفة والأخرى يلهمه أربعة أولاد دان ونفتالي وجاد وأشير ثم توفيت ليل فتزوج يعقوب عليه السلام أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين

رأى يوسف رؤيا فقصها على أبيه {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(4)}يوسف

فعلم يعقوب أن إخوته إذا سمعوها حسدوه لمعرفة يعقوب عليه السلام بتأويل الرؤيا فإنه علم من تأويلها أنه سيظهر عليهم بحيث يخرون له ساجدين إجلالا واحتراما وإكراما وكان أحس من بنيه حسدهم ليوسف وبغضهم له فقال يعقوب ليوسف { يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} يوسف  نهاه عن قص الرؤيا عليهم خوفاً أن تغل بذلك صدورهم فيكيدوا له كيدا فيحتالوا في إهلاكه ويحصل منهم الحسد له فيفعلوا لأجله كيدا مثبتا راسخا لا يقدر على الخلوص منه وهذا من باب الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر

وأخبر يعقوب ابنه يوسف أن ربه سيحقق فيه تأويل تلك الرؤيا فيجعله نبيا ويصطفيه على سائر العباد ويسخرهم له كما تسخرت له تلك الأجرام التي رآها في منامه ساجدة له

{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(6) } يوسف

فلما بلغت هذه الرؤيا أخوة يوسف حسدوه وقالوا ما رضي أن تسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه فبغوه وحسدوه وقالوا إن أبانا لفي ضلالٍ مبين { إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(8)} يوسف

وقالوا ليوسف وأخوه بنيامين أحب إلى أبينا منا وكان يوسف وأخوه بنيامين من أم واحدة وكان يعقوب عليه السلام شديد الحب ليوسف عليه السلام وكان إخوته يرون منه الميل إليه ما لا يرونه مع أنفسهم فقالوا هذه المقالة بأنهم عصبة أي جماعة وكانوا عشرة , فتحول الحسد فيهم إلى مكيدة التخلص منه , فبغوه بالعداوة وقالوا هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم أعدموه من وجه أبيكم ليخلو لكم وحدكم

{ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} يوسف اقتلوه أو اطرحوه أرضا تبعد عن أبيه , وتأكله فيها السباع وتستريحوا منه و يخلص لكم ويَصفُ وجه أبيكم عن شغله بيوسف

فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضروب من الحيل , جاءوا أباهم يعقوب عليه السلام { قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ(11) } يوسف

قالوا ما بالك لا تأمنا على يوسف ونحن عاطفون عليه قائمون بمصلحته نحفظه حتى نرده إليك , وهم يريدون خلاف ذلك لما له في قلوبهم من الحسد لحب أبيه له

وقالوا { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} يوسف ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك

قال يعقوب لبنيه في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء { إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ(13) } يوسف أي يشق علي مفارقته مدة ذهابكم به إلى أن يرجع وذلك لفرط محبته له , لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة والكمال في الخَلْق والخُلُق صلوات الله وسلامه عليه , وقال أخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون , فأخذوا من فمه هذه الكلمة وجعلوها عذرهم فيما فعلوه وقالوا مجيبين له عنها في الساعة الراهنة { لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ(14) } يوسف

وتصيدوا التخوف لديه ليقولوا له فيما بعد لقد أكله الذئب

لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقاً غليظاً ليحفظنه وسلمه إلى روبيل وقال يا روبيل إنه صغير وتعلم يا بني شفقتي عليه فإن جاع فأطعمه وإن عطش فاسقه وإن أعيا فاحمله ثم عجل برده إلي , فأخذوا يحملونه على أكتافهم ولا يضعه واحد إلا رفعه آخر ويعقوب يشيعهم ميلاً ثم رجع فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشد مما عند الآخر من الغيظ والعسف فاستغاث بروبيل وقال  أنت أكبر إخوتي والخليفة من بعد والدي علي وأقرب الأخوة إلي فاحمني وارحم ضعفي فلطمه لطمة شديدة وقال لا قرابة بيني وبينك فادع الأحد عشر كوكباً فلتنجك منا فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه فتعلق بأخيه يهوذا وقال يا أخي ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني وارحم قلب أبيك يعقوب فما أسرع ماتناسيتم وصيته ونقضتم عهده فرق قلب يهوذا فقال والله لا يصلون إليك أبدا مادمت حياً ثم قال يا إخوتاه إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا فردوا هذا الصبي إلى أبيه ونعاهده لا يحدث والده بشيء مما جرى أبدا فقال له إخوته والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب والله لئن لم تدعه لنقتلنك معه قال فإن أبيتم إلا ذلك فهاهنا هذا الجب الموحش القفر الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد وقد استرحتم من دمه وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد فأجمع رأيهم على ذلك{ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ (15)} يوسف

لقد اجتمعوا على أمر عظيم , اشتمل على جرائم من قطيعة الرحم وعقوق الوالد وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل , والغدر بالأمانة وترك العهد وخطره عند الله , مع حق الوالد على ولده ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه ورقة عظمه مع مكانه من الله ممن أحبه طفلاً صغيراً وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه فقد احتملوا أمرا عظيما

ولم يكن لهم سبيل إلى قتله لأن الله تعالى كان يريد منه أمرا لابد من إمضائه وإنمائه من الإيحاء إليه بالنبوة ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها , فصرفهم الله عنه بمقالة أقل إخوته حسداً فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب وهو أسفله وهي بئر ببيت المقدس

{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ} يوسف

ونفذوا مكيدتهم , وألقوه في الجب , ولما جعلوا يدلونه في البئر تعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في هذا الجب فإن مت كان كفني وإن عشت أواري به عورتي فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا فلتؤنسك وتكسك , فدلوه في البئر حتى إذ بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يسقط فيموت فكان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة فقام عليها , وشمعون هو الذي قطع الحبل إرادة أن يتفتت على الصخرة وكان جبريل تحت ساق العرش فأوحى الله إليه أن أدرك عبدي فهبط حتى عارضه بين الرمي والوقوع فأقعده على الصخرة سالما وكان ذلك الجب مأوى الهوام فقام على الصخرة وجعل يبكي فنادوه فظن أنها رحمة عليه أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بالصخرة فلما وقع عريانا ونزل جبريل إليه وكان إبراهيم حين ألقي في النار عرياناً أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فكان ذلك عند إبراهيم ثم ورثه إسحاق ثم ورثه يعقوب فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذة وجعله في عنقه فكان لا يفارقه فلما ألقي في الجب عريانا أخرج جبريل

ذلك القميص فألبسه إياه

جبريل جاءه بالوحي , أوحي إليه أنه سيلقاهم وسَيُعْرِفهم ما صنعوا بأمره وهم لا يشعرون أنه يوسف { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(15) } يوسف وأعطاه الله النبوة وهو في الجب

ولما قام على الصخرة قال يا إخوتاه  إن لكل ميت وصية فاسمعوا وصيتي قالوا  وما هي قال إذا اجتمعتم كلكم فآنس بعضكم بعضا فاذكروا وحشتي وإذا أكلتم فاذكروا جوعي وإذا شربتم فاذكروا عطشي وإذا رأيتم غريباً فاذكروا غربتي , فقال له جبريل يا يوسف  كف عن هذا واشتغل بالدعاء فإن للدعاء عند الله مكان ثم علمه فقال له ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن عجل الله لك خروجك من هذا الجب فقال  نعم  فقال له  قل يا صانع كل مصنوع ويا جابر كل كسير ويا شاهد كل نجوى ويا حاضر كل ملأ ويا مفرج كل كربة ويا صاحب كل غريب ويا مؤنس كل وحيد أتني بالفرج والرجاء واقذف رجاءك في قلبي حتى لا أرجو أحداً سواك فرددها يوسف في ليلته مراراً فأخرجه الله في صبيحة يومه ذلك من الجب

وهكذا نفذ الإخوة العشرة جريمتهم في أخيهم الغلام الصغير الذي لا حول له ولا حيلة

وبعد أن فعلوا فعلتهم هذه عادوا في نفس اليوم فجاءوا إلى أبيهم ويوسف في البئر قبل أن يخرج

وجاءوا مساءً إلى أبيهم بدموع كاذبة ودم كذب وأقوال كاذبة

{ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ(16) } يوسف

وجاءوا أباهم عشاءً أي ليلًا , وإنما جاءوا عشاء ليكونوا أقدر على الاعتذار في الظلمة لأن بالنهار قد يتلجلجوا في الاعتذار

فلما سمع يعقوب عليه السلام بكاءهم قال ما بكم أجرى في الغنم شيء قالوا لا قال فأين يوسف { قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ (17) } يوسف

فبكى وصاح وقال أين قميصه , وخر مغشياً عليه فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ونادوه فلم يجب

فوضع يهوذا يده على مخارج نفس يعقوب فلم يحس بنفس ولم يتحرك له عرق فقال لهم يهوذا ويل لنا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا فلم يفق يعقوب إلا ببرد السحر فأفاق ورأسه في حجر روبيل فقال يا روبيل ألم آتمنك على ولدي ألم أعهد إليك عهدا فقال  يا أبت كف عني بكاءك أخبرك فكف يعقوب بكاءه فقال يا أبت إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب

{ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) } يوسف

كان دم سخلة أوجدي ذبحوه , أي جاءوا على قميصه بدم مكذوب فيه

لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها وهي سلامة القميص من التنقيب إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص من التخريق ولما تأمل يعقوب عليه السلام القميص فلم يجد فيه خرقاً ولا أثراً استدل بذلك على كذبهم وقال له متى كان هذا الذئب حكيماً يأكل يوسف ولم يخرق القميص

لما نظر إليه قال كذبتم لو كان الذئب أكله لخرق القميص

وقال لهم يعقوب تزعمون أن الذئب أكله ولو أكله الذئب لشق قميصه قبل أن يفضي إلى جلده وما أرى بالقميص من شق

فقالوا عند ذلك { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ(17) } يوسف

 أي لو كنا موصوفين بالصدق لاتهمتنا

أن يعقوب لما قالوا له  فأكله الذئب قال لهم  ألم يترك الذئب له عضوا فتأتوني به استأنس به  ألم يترك لي ثوباً أشم فيه رائحته قالوا  بلى  هذا قميصه ملطوخ بدمه

فبكى يعقوب عند ذلك وقال لبنيه  أروني قميصه فأروه فشمه وبله ثم جعل يقبله فلا يرى فيه شقا ولا تمزيقا فقال والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت كاليوم ذئبا أحكم منه أكل ابني واختله من قميصه ولم يمزقه عليه وعلم أن الأمر ليس كما قالوا وأن الذئب لم يأكله فأعرض عنهم كالمغضب باكياً حزيناً وقال يا معشر ولدي  دلوني على ولدي فإن كان حياً رددته إلي وإن كان ميتاً كفنته ودفنته , قالوا حينئذ  ألم تروا إلى أبينا كيف يكذبنا في مقالتنا  تعالوا نخرجه من الجب ونقطعه عضوا عضوا ونأت أبانا أعضائه فيصدقنا مقالتنا ويقطع يأسه فقال يهوذا والله لئن فعلتم لأكونن لكم عدواً ما بقيت ولأخبرن أباكم بسوء صنيعكم قالوا  فإذا منعتنا من هذا فتعالوا نصطد ذئباً , فاصطادوا ذئباً ولطخوه بالدم وأوثقوه بالحبال ثم جاءوا به يعقوب وقالوا يا أبانا إن هذا الذئب الذي يحل بأغنامنا ويفترسها ولعله الذي أفجعنا بأخينا لا شك فيه وهذا دمه عليه فقال يعقوب أطلقوه فأطلقوه وتبصبص له الذئب فأقبل يدنو منه ويعقوب يقول له ادن , ادن حتى ألصق خده بخده فقال له يعقوب  أيها الذئب لم فجعتني بولدي وأورثتني حزنا طويلا  ثم قال اللهم أنطقه فأنطقه الله تعالى فقال والذي اصطفاك نبيا ما أكلت لحمه ولا مزقت جلده ولا نتفت شعرة من شعراته ووالله مالي بولدك عهد وإنما أنا ذئب غريب أقبلت من نواحي مصر في طلب أخٍ لي فُقِد فلا أدري أحي هو أم ميت فاصطادني أولادك وأوثقوني وإن لحوم الأنبياء حرمت علينا وعلى جميع الوحوش وتالله  لا أقمت في بلاد يكذب فيها أولاد الأنبياء على الوحوش فأطلقه يعقوب وقال والله لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذمام أخيه وأنتم ضيعتم أخاكم وقد علمت أن الذئب بريء مما جئتم به { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ (18) } يوسف

أمرا غير ما تصفون وتذكرون ثم قال توطئة لنفسه  { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(18)} يوسف

أي فشأني والذي أعتقده صبر جميل , أي فصبر جميل أولى بي

والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه

{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ (19)} يوسف

أي رفقة مارة يسيرون من الشام إلى مصر فأخطئوا الطريق وهاموا حتى نزلوا قريباً من الجب وكان الجب في قفزة بعيدة من العمران إنما هو للرعاة والمجتاز وكان ماؤه ملحا فعذب حين ألقي فيه يوسف فأرسلوا واردهم

والوارد الذي يرد الماء يستقي للقوم وكان اسمه فيما ذكر المفسرون مالك بن دعر من العرب العاربة { فَأَدْلَى دَلْوَهُ } يوسف أي أرسله ليملأه فتعلق يوسف بالحبل فلما خرج إذا غلام كالقمر ليلة البدر أحسن ما يكون من الغلمان إذا هو قد أعطي شطر الحسن

وكان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوى الخلق أبيض اللون غليظ الساعدين والعضدين إذا ابتسم رأيت النور من ضواحكه وإذا تكلم رأيت في كلامه شعاع الشمس من ثناياه لا يستطيع أحد وصفه وكان حسنه كضوء النهار عند الليل وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية وقيل  إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة وكانت قد أُعْطِيت الحسن فلما رآه مالك بن دعر{ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ (1)} يوسف والمعنى في نداء البشرى , التبشير لمن حضر أي انتبهوا لفرحتي وسروري{ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} يوسف

كان إخوة يوسف يتعرفون الخبر , فلما رأى يهوذا من بعيد أن يوسف أُخرج من الجب أخبر إخوته فجاءوا وقالوا للواردة بئس ما صنعتم هذا عبد لنا أبق , وقالوا ليوسف بالعبرانية  إما تقر لنا بالعبودية فنبيعك من هؤلاء وإما أن نأخذك فنقتلك فقال أنا أقر لكم بالعبودية فأقر لهم فباعوه منهم وأسره إخوة يوسف بضاعة ,قيل إن يهوذا وصى أخاه يوسف بلسانهم أن اعترف لإخوتك بالعبودية فإني أخشى إن لم تفعل قتلوك فلعل الله أن يجعل لك مخرجا وتنجو من القتل فكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته فقال مالك  والله ما هذه سمة العبيد  قالوا  هو تربى في حجورنا وتخلق بأخلاقنا وتأدب بآدابنا فقال ما تقول يا غلام قال  صدقوا تربيت في حجورهم وتخلقت بأخلاقهم فقال مالك إن بعتموه مني اشتريته منكم فباعوه منه

{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ (20)} يوسف

فلما شروه فاضت العين عبرة وفي الصدر حزاز من اللوم

باعوه بثمن مبخوس أي منقوص ولم يقصد إخوته ما يستفيدونه من ثمنه وإنما كان قصدهم ما يستفيدونه من خلو وجه أبيهم عنه

باعوه باثنين وعشرين درهماً وكانوا أحد عشر أخذ كل واحد درهمين

والبخس عبارة عن قلة الثمن لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها وذلك أنهم كانوا لا يَزِنُون ما كان دون الأوقية وهي أربعون درهماً

{ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ(20)} يوسف المراد الزاهدين إخوته وقيل السيارة وقيل الواردة وقيل كانوا فيه من الزاهدين أي في حسنه لأن الله تعالى وإن أعطى يوسف شطر الحسن صرف عنه دواعي نفوس القوم إليه إكراماً له وقيل كانوا فيه من الزاهدين لم يعلموا منزلته عند الله تعالى

وبهذه الجريمة النكراء داوى الإخوة داء الحسد الذي أكل قلوبهم , ولكنهم ما عرفوا أن طريق المجد الذي قضاه الله ليوسف عليه السلام كان من هذا الجب الذي رماه فيه إخوته وهم له حاسدون , وأنهم بعد حين سيذهبون إليه ساجدين , وهو متربع على سرير السلطان في مصر فليعلم الحاسد أن فضل الله كثيراً ما يأتي على أيدي الحاسدين وبوسيلة المكر التي هم لها يمكرون

فالحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل النافع 

فمن أدوية الحسد الذي يزيله عن القلب

العلم :

1- معرفة الحاسد أنه لا يضر بحسده المحسود في الدين ولا في الدنيا

2- أن وبال حسده يعود عليه في الدارين , إذ لا تزول نعمة بحسد قط , وإلا لم تبق لله نعمة على أحد حتى نعمة الإيمان , لأن الكفار يحبون زواله عن المؤمنين

3- المحسود يتمتع بحسنات الحاسد لأنه مظلوم من جهة , سيما إذا أطلق لسانه بالانتقاص والغيبة وهتك الستر وغيرها من أنواع الإيذاء , فيلقي الله مفلساً من الحسنات محروماً من نعمة الآخرة كما حرم من نعمة سلامة الصدر وسكون القلب والاطمئنان في الدنيا

4-  أنه جر لنفسه بالحسد كل غم ونكد في الدنيا والآخرة 

5- من لاحظ جريان أقدار الله على مقتضى إرادته لم يحسد

العمل النافع :

1 - أن يَحكُم الحسد في كل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل , فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه ، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه  

2 - إن حمله على التكبر عليه , ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه ، وإن بعثه على كف الإنعام عليه , ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه

 3 – إن فعل ذلك عن تكلف , وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه  ، ومادام ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه  ، وتولد من ذلك ذهاب الحسد من القلب  ، لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك

4 - لا يصدّنه عن ذلك قول الشيطان له: لو تواضعت وأثنيت عليه حملك على العجز أو على النفاق أو الخوف وأن ذلك مذلة ومهانة ، وذلك من خداع الشيطان ومكائده ، بل المجاملة تكلفاً كانت أو طبعاً تكسر صورة العداوة من الجانبـين , وتقل مرغوبها وتُعود القلوب

التآلف والتحابب

وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض

وأدوية الحسد هذه نافعة جداً إلا أنها مرة على القلوب جداً ولكن النفع فيها , ومن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء , وإنما تهون مرارة هذا الدواء ، أعني التواضع للأعداء والتقرّب إليهم ، بالمدح والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها وقوّة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه

والدواء المفضل فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة الحرص على ما لا يغني , فإنها مواد هذا المرض ولا ينقمع المرض إلا بقمع المادة ، فإن لم تقمع المادة لم يحصل بما ذكرناه إلا تسكين وتطفئة ، ولا يزال يعود مرة بعد أخرى ويطول الجهد في تسكينه مع بقاء مواده ، فإنه ما دام محباً للجاه فلا بد وأن يحسد من استأثر بالجاه والمنزلة في قلوب الناس دونه ، ويغمه ذلك لا محالة ، وإنما غايته أن يهون الغم على نفسه ولا يظهر بلسانه ويده ، فأما الخلو عنه رأساً فلا يمكنه والله

لذا فالنجاة إن تيسرت لغيره نعمة ألا يكرهها له , حتى يستوي عنده حسن حال عدوه وسوء حاله ، ولا يدرك في النفس بـينهما تفرقة [68]

2 - الحاسد الذي يبتغي التخلص من مرض الحسد يطبق بالفعل ما علمه

لا شك أن الحسد داء دفين في النفس ، وتأثيره على الحاسد أبلغ من تأثيره على المحسود ، حيث إن الحاسد دائماً معذب القلب ، كلما رأى المحسود وما هو فيه من النعمة والرفاهية تألم لها

لذا فقد يكون الحسد أحياناً داء منصف ، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود , من أجل ذلك فالذي يبتغي التخلص من مرض الحسد ,  عليه أن يضيف في الأخذ بالعلاج إلى كل ما سبق الآتي :

أولاً : العلم الذي يمكنه من

1- تصحح مفاهيمه بالقناعات الإيمانية الكافية وذلك بالتبصر والعلم في أن لله حِكم في إعطائه ومنعه , وخفضه ورفعه , وإعزازه وإذلاله , وفي كل ما يأتي به القضاء والقدر

2- معرفة أن الله يعلم ما هو خير لنا فيقدره لنا بفضله

 3 - معرفة أن الحرمان قد يكون خيراً للإنسان من العطاء

ومتى صح الفهم عن الله على هذا الوجه اطمأن قلب الإنسان وعلم أن الخير كل الخير مرتبط بما يقضيه الله له من مصيبة أو نعمة

 

ثانياً : التطبيق

بعد معرفته بما سبق عليه التدريب العملي فلا ينظر إلى ما عند الآخرين من نعم , بل يغض بصره عن ذلك ويعلق قلبه بالله فيسأله من فضله [69]

علاج

 المحسود مما وقع عليه من ضرر

حتى نعالج الحسد ينبغي معرفة أن أعراض الحسد قد تظهر على المال والبدن والنفس بحسب مكوناتها

إذا وقع الحسد على النفس يصاب صاحبها بشيء من أمراض النفس

1- يصاب بالصدود عن الذهاب إلى الكلية أو المدرسة أو العمل أو يصد عن تلقى العلم ومدارسته واستذكاره وتحصيله واستيعابه وتقل درجة ذكائه وحفظه

2 - يصاب بميل للانطواء والانعزال والابتعاد عن مشاركة الأهل في المعيشة

3 - يشعر بعدم حب ووفاء وإخلاص أقرب وأحب الناس له

4 - يجد في نفسه ميلاً للاعتداء على الآخرين

وقد يصير من طبعه العناد

5 - يميل إلى عدم الاهتمام بمظهره وملبسه

6 - لا يألف أهله وأحبابه وأصحابه ويسيطر عليه الإحساس بالضيق والزهق

7 - يشعر بالاختناق ويصير لا يستقر له حال أو فكر أو مقال

وليس بلازم أن تظهر جميع هذه الأعراض على المحسود بل قد يظهر بعضها فقط

إذا كان الحسد واقعا على المال

1- يصاب المحسود بارتباك وضيق في التعامل مع غيره بشأن المال

2 - يصاب بالخبل في إعداد وتصنيع أو جلب أو عرض البضائع للتداول قد تتعرض البضائع للتلف وتخيم على حركة البيع سحابه من الركود والكساد

3 - يضيق صاحب المال المحسود ذرعاً ولا يقبل التحدث عنه أو العمل من أجله إذا كان الحسد واقعاً على البدن

يصاب بالخمود والخمول والكسل والهزال وقلة الشهية وكثرة التنهد والتأوه وبعض الأوجاع [70]

التعوذ من الحسد علاج ووقاية للأعراض المذكورة وغيرها

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ  مِن شَرِّ مَا خَلَقَ  وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ  وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ  وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الفلق

الأمر بالقول يقتضي المحافظة على هذه الألفاظ لأنها التي عينها الله للنبي صلى الله عليه وسلم ليتعوذ بها فإجابتُها مرجوة , فينبغي المحافظة على هذه الألفاظ للتعوذ ولأنها من القرآن فالمحافظة على ألفاظها متعينة والتعوذ يحصل بمعناها وبألفاظها

أدوية المحسود وعلاجه

سورة الفلق من أكبر أدوية المحسود فإنها تتضمن التوكل على الله ، والالتجاء إليه ، والاستعاذة به من شر حاسد النعمة فهو مستعيذ بولي النعم وموليها كأنه يقول يا من أولاني نعمته وأسداها إلي أنا عائذ بك من شر من يريد أن يستلبها مني ويزيلها عني

واعلم أن الله حسب من توكل عليه ، وكافي من لجأ إليه وهو الذي يؤمن خوف الخائف ويجير المستجير وهو نعم المولى ونعم النصير , فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه ، ومن خافه واتقاه أمنه مما يخاف ويحذر وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع ، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه فلا تستبطئ نصره ورزقه وعافيته , فإن الله بالغ أمر ، وقد جعل الله لكل شيء قدراً لا يتقدم عنه ولا يتأخر [71]

العلاج يكون بهذا الدواء مع الإتيان بالآيات والتعويذات النبوية الآتية

بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ(3)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5)اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)} الفاتحة

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(255)} آية الكرسي من سورة البقرة

{ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(284)آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285)لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لَبَتْ(286)}خواتيم سورة البقرة

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(17)} الأنعام

{ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا(82)} الإسراء

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)} الصمد

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)} الفلق

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)} الناس

{ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق }[72]

{أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاورهن بر ولا فاجر ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل ، والنهار ، ومن شر طوارق الليل إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن}[73]

{أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون }[74]

وتكون قرأتها بنية الشفاء من هذا المرض , مع اليقين وحسن الظن بالله ومهما كان هذا المرض مستعصي , فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة , حتى ولو طالت المدة , قال تعالى { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا(7)} الطلاق  فإذا عالج المرض بصدق وإيمان واعتقاد جازم لم يقاومه الداء أبدا وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء

ويستحب إن يضاف إلى هذا العلاج ما يذكر من آيات وتعويذات نبوية عند علاج المعيون الذي أصيب بالعين , والتي سنأتي عليها في موضعها

الوقاية من الحسد

يستطيع كل مسلم ومسلمة التحصن ضد الحسد وغيره مـن الأمراض قبـل وقوعها ، وذلك بالأذكار الشرعية من الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية الثابتـة عن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام في الصباح والمساء والأحوال المختلفة

 فيجب على المسلم أن يحصن نفسـه مـن الشياطين ومن مردة الجن ومن شياطين الإنس بقوة الإيمـان بالله ، والاعتمـاد عليه ، والتوكل عليه ، ولجوءه وضراعته إليه ، وكثرة قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب وآية الكرسي [75]

وما سبق في العلاج فإنه للوقاية أيضاً علاوة على ذلك كتمان النعمة

 لقوله صلى الله عليه وسلم

{استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فأن كل ذي نعمة محسود }[76]

وسيأتي في نهاية الرسالة عشر أسباب لدفع الحسد والوقاية منه ومن غيره

توضيحات للعلاقة بين الحسد والوساوس والسحر والبخل

الفرق بين الحسد والوسواس والجمع بينهما

الحسد يعم الحاسد من الجن والإنس ، فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله كما حسد إبليس أبانا آدم وهو عدو لذريته كما قال تعالى :

{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) } فاطر  

الوسواس يعم أيضاً من الجن والإنس

الحسد أخص بشياطين الإنس

الوسواس أخص بشياطين الجن

فكلا الشيطانين حاسد موسوس , فالاستعاذة من شر الحاسد تتناولهما جميعاً [77]

الفرق بين الحسد والسحر والجمع بينهما

الحاسد عدو النعم وهذا الشر هو من نفسه وطبعها ليس هو شيئاً اكتسبه من غيرها , بل هو من خبثها وشرها

الساحر يكون باكتساب أمور أخرى واستعانة بالأرواح الشيطانية

والاستعاذة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن

ابن القيم

الحسد أكثر ما يكون في الرجال عن النساء

السحر أكثر ما يكون في النساء عن الرجال

الفرق بين ضرر الحسد وضرر الوساوس وضرر السحر

 الحسد من شياطين الإنس والجن

السحر من النوعين أيضاً شياطين الإنس والجن

الوسوسة في القلب , قسم ينفرد به شياطين الجن

 الحاسد والساحر يؤذيان العبد بلا عمل منه , بل هو أذى من أمر خارج عنه

 الوسواس يؤذي العبد من داخل بواسطة مساكنته له وقبوله منه

يعاقب العبد على الشر الذي يؤذيه به الشيطان من الوساوس التي تقترن بها الأفعال والعزم الجازم ، لأن ذلك بسعيه وإرادته

الحاسد والساحر , ببلوغ شرهما للعبد لا يعاقب العبد عليه, إذ لا يضاف إلى كسبه ولا إرادته

الساحر والحاسد يقارنهما الشيطان ويحادثهما ويصاحبهما

الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشيطان ، لأن الحاسد شبيه

بإبليس وهو في الحقيقة من أتباعه ، لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال نعم الله عنهم , كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله , وأبى أن يسجد له حسداً ، فالحاسد من جند إبليس

الساحر يطلب من الشيطان أن يعينه ويستعينه ، وربما يعبده من دون الله حتى يقضي له حاجته وربما يسجد له

ولهذا كلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ

الحاسد قصده الشر بطبعه ونفسه وبغضه للمحسود والشيطان يقترن به ويعينه ، ويزين له حسده ويأمره بموجبه

الساحر قصده الشر بعلمه وكسبه وشركه واستعانته بالشياطين [78]

العلاقة بين الحسد والبخل

بين الكتاب والسنّة أن الشح والحسد من جسد واحد في قوله: {وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَـٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ (9)} الحشر فأخبر عنهم بأنهم يبذلون ما عندهم من الخير مع الحاجة ، وأنهم لا يكرهون ما أنعم به على إخوانهم ، وضد الأول البخل، وضد الثاني الحسد

ولهذا كان البخل والحسد من نوع واحد

 الحاسد يكره عطاء غيره

الباخل لا يحب عطاء نفسه 

المبحث الثالث

خاص

بالدركة الرابعة من الحسد

محبة زوال نعمة الغير باستخدام ما في نفس الحاسد من طاقات يضر بها المحسود

الدركة الرابعة من الحسد

محبة زوال نعمة الغير باستخدام ما في نفس الحاسد من طاقات يضر بها المحسود

أصحاب هذه الدركة حساد ينطلق من نفوسهم طاقات مشعة مؤثرة عندما يشتد حسدهم ، فتؤثر بضر ما على المحسود ضمن سنن الله الكونية ، وهذا الضر منه ما يسمى بالإصابة بالعين أو الإصابة بالنفس وهي أشد وأخطر دركات الحسد

ولخطورة هذا النوع وملامسة أضراره أفردناه بمبحث خاص

وقد دل القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود , فنفس حسده شر يتصل بالمحسود من نفسه وعينه , وإن لم يؤذه بيده ولا لسانه

الحاسد الذي يؤذي المحسود بنفسه

 قال الله تعالى : { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5) } الفلق 

أي إذا تحقق الشر منه عند صدور الحسد , ومعلوم أن الحاسد لا يسمى حاسداً إلا إذا قام به الحسد ، ولكن قد يكون الرجل في طبعه الحسد وهو غافل عن المحسود لاهٍ عنه فإذا خطر على ذكره وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه وإن لم يكن أمامه أو حاضره ، ووجهت إليه سهام الحسد من قبله فيتأذى المحسود بمجرد ذلك فإن لم يستعذ بالله ويتحصن به ، ويكون له أوراد من الأذكار والدعوات والتوجه إلى الله ، والإقبال عليه ، بحيث يدفع عنه من شره بمقدار توجهه وإقباله على الله وإلا ناله شر الحاسد ولا بد فقوله تعالى إذا حسد ، بيان لأن شره  ، إنما يتحقق إذا حصل منه الحسد بالفعل 

الحاسد الذي يؤذي المحسود بعينه

قال النبي صلى الله عليه وسلم  {العين حق } أي الإصابة بالعين حق [79]

وفي رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وفيها { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك } [80]

تبين فيها الاستعاذة من شر عين الحاسد , ومعلوم أن عينه لا تؤثر بمجردها إذ لو نظر إليه نظر لاه ساهٍ عنه كما ينظر إلى الأرض والجبل وغيره لم يؤثر فيه شيئاً ، وإنما إذا نظر إليه نظر من قد تكيفت نفسه الخبيثة ، واتسمت واحتدت , فصارت نفساً غضبية خبيثة حاسدة أثرت بها تلك النظرة فأثرت في المحسود تأثيراً بحسب صفة ضعفه وقوة نفس الحاسد , فربما أعطاه وأهلكه بمنزلة من فوق سهماً نحو رجل عرياناً فأصاب منه مقتلاً وربما صرعه وأمرضه والتجارب عند الخاصة والعامة بهذا أكثر من أن تذكر [81]

الفرق بين العائن والحاسد ومتى يكون الحاسد عائن والعائن حاسد

ما يفترقان فيه عند إيقاع الضرر منهما

العائن يضر بعينه عند مقابلة المعين ومعاينته

الحاسد يضر بنفسه عند غيبة المحسود وحضوره أيضاً

العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد ، أو حيوان ، أو زرع أو مال                   ربما أصابت عينه نفسه ، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب

الحاسد قد لا يصيب بعينه من يحسده لكنه يؤثر ويصيب بنفسه من يحسده ولو لم يشاهده كالأعمى إذا وجه نفسه

ما يشتركان فيه عند إيقاع الضرر منهما

العائن ربما تتكيف نفسه بكيفية الحسد فتؤثر في المعين كالعائن الذي استدعته قريش ليعين النبي صلى الله عليه وسلم لكن الله حفظ نبيه

فقد كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب من خبائه فتمر به النعم فيقول : ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قريباً حتى يسقط منها طائفة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله تعالى نبيه وأنزلَ قوله تعالى{ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ (51)}  القلم

فمن يحدث منه ذلك يكون عائن حاسد

الحاسد قد يؤثر نظره في المنظور ويكون سببه شدة العداوة والحسد كحسد اليهود للمؤمنين ومن حدث منه ذلك يكون حاسد عائن

وبذلك يتضح أنه قد يكون العائن حاسد أو الحاسد عائن وهما الأشد خطورة في إيقاع الضرر لاشتراك نفسيهما في الخباثة

العائن تحدث منه الإصابة لمجرد الإضرار أو العجب أو الحسد

الحاسد تحدث منه الإصابة سواء في غيبة محسوده أوفي حضوره وسواء شاهده أو لم يشاهده وقد يصيب بعينه مع حسده إذا اشتدت معه العداوة

قصة تحدى عائن

هذه القصة أذكرها , فقد كنت ملامساً لأحداثها , وكنت أعرف المعيون , والعائن أعرفه فقد تضررت من عينه مرة

القصة حدثت في إحدى المدن , والعائن كان من سكان البر , وكان ينزل سوق المدينة ,كل عدة أيام ليأخذ احتياجاته , وكان مشهور بعينه , ومعروف لدى أهل البلد والتجار جميعاً بشدة إيذائه , فكان إذا دخل المحل , أهتم به صاحب المحل , وترك كل المشترين من أجله , وتظهر على الزبائن في المحل علامات القلق , ويناوله التاجر ما اعتاد أن يعطيه له ,  أو ما يطلبه هو , دون ثمن للبضاعة , فقط مقابل اتقاء شر عينه حتى لا يؤذيه , وذلك كراهة وليس بطيب خاطر , وكل محلات السوق يحدث له فيها هذا  , فمحل يعطيه السمن , ومحل يعطيه الزيت ومحل يعطيه السكر وآخر الشاي وآخر اللحم وآخر الدجاج , خوفاً أن يعينهم في بضاعتهم أو في أنفسهم , فكان يجمع كل احتياجاته , ولا يستطيع أحد أن يتأخر في إعطائه , وكان في السوق تاجر له أربع محلات , وكان قد عقد العزم على ألا يعطيه شيء من محلاته , وأمر القائمين على محلاته ألا يعطوه شيء إن أتى إليهم , وحذره أهل السوق من رفضه , خشية غضب العائن , فيبالغ في أذيته , لكنه أصر على رفضه , ولما جاء العائن ليأخذ احتياجاته , وذهب إلى إحدى محلاته , وأراد أن يأخذ منه ما أعتاد أن يأخذه , رفض القائم على المحل أن يعطيه بضاعة قبل أن يدفع ثمنها وأخبره بقول صاحب المحلات , وذهب إلى باقي محلات التاجر , فوجد منهم المثل , فذهب إلى صاحب المحلات وتوعده بالإيذاء , وقامت بينهم مشاحنة وشجار , فتجمع عليهما كل من كان في السوق , ونصح الموجودين التاجر , أن يعطيه ما يريد اتقاءً لشره , ولكن التاجر أصر على موقفه , فما كان من العائن إلا أن زاد في تهديده , وتَوعَد له الإيذاء بعينه , فما كان من التاجر إلا أن تهدده بإيذائه أيضاً  بعينه , وكان أيضاً ممن يخشاه الناس , فقال له العائن لن يمر عليك اليوم حتى أصيبك بعيبي , فقال له التاجر مثل مقالته , وأنت أيضاً لن يمر عليك اليوم حتى أصيبك بعيني , وظهرت على كل منهما علامات الغضب الشديد والتحدي , وانتظرت البلدة نتائج هذا التحدي , وفي المساء اجتمع التاجر مع أصدقاؤه في منزله , يتسامرون وهو سعيد أنه استطاع أن يقف أمام هذا العائن , الذي يخشاه كل الناس , وأخذ يحدث أصدقاؤه بما سيفعله في الصباح , عندما يذهب إلى السوق وهو صحيح ,لم تؤثر فيه عين الرجل , وفجأة وهو يعد لأصحابه الشاي على الموقد , انفجر الموقد في وجهه وكان بين يديه , فأصيب بحروق بالغة الشدة في الوجه والجسم , أنتقل على أصرها إلى المستشفي لإسعافه , فأخبره أحد العاملين بالإسعاف , وكان من أهل المدينة من كبار بيوتهم وعلى دراية بهم , بأنهم في الإسعاف كانوا في انتظار مجيئه بإصابة أياً كانت , وقد حدث ,  فأخبر المصاب أنه لا يمنع هذا العائن شيء بعد ذلك 

فهذا عائن ومع ذلك أذى معيونه بنفسه , وهو في مكان بعيد عنه , وفي توقيته الذي حدده , والذي أصيب منه أيضاً كان عائن , لكنه أقل وأضعف منه

ففي هذه القصة العائن مؤذي بما يكيف به نفسه أو عينه في توجيه الضرر للآخرين , والمعيون على شاكلته لكنه أقل تأثيراً منه , لذلك لم يستطيع دفع أذى العائن عن نفسه , لأنه اعتمد على ما في نفسه من كيفيتها الغضبية , والتي تمكن الشياطين من الإلتفاف عليه ,كالعائن , ولو أنه اعتمد على الله في دفع الأذى لكان خيراً له في عقيدته , حتى ولو أذن الله بنفاذ عين العائن , فإن إيمانه الصحيح سيدفعه لرفع الأذى بثقته في الله وأسمائه , وبما جاء في القرآن , كما حدث لأبي عبد الله الساجي وكان من كبار علماء عصره ، فقد كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة ، وكان في الرفقة رجل عائن ، قلما نظر إلى شئ إلا أتلفه ، فقيل لأبي عبد الله أحفظ ناقتك من العائن ، فقال ليس له إلى ناقتي سبيل ، فَأُخْبِر العائن بقوله ، فتحين غيبة أبي عبد الله ، فجاء إلى رحله ، فنظر إلى الناقة ، فاضطربت وسقطت ، فجاء أبو عبد الله ، فأخبر أن العائن قد عانها ، وهي كما ترى ، فقال دلوني عليه ، فدل ، فوقف عليه وقال بسم الله ، حبس حابس ، وحجر يابس ، وشهاب قابس ، رددت عين العائن عليه ، وعلى أحب الناس إليه ، فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3)ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ(4) } الملك

فخرجت حدقتا العائن ، وقامت الناقة لا بأس بها [82]

الفرق بين العين والحسد

العين  1- هي النظر إلى الشيء على وجه الإعجاب فتصيب المعيون كما حدث من عامر ابن ر بيعة عندما نظر لسهل ابن حنيف فأصابه بصرع

2 - هي النظر إلى الشيء على وجه الإضرار به بتأثير النفس الخبيثة فتصيب المعيون بمجرد نظرة ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ، فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها ، انبعثت منها قوة غضبية ، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية ، فمنها ما تشد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر بالنظرة في إسقاط الجنين ، ومنها ما تؤثر في طمس البصر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر ، وذي الطفيتين من الحيات :{ إنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل } [83]

فكم من قتيل! وكم من معافى عاد مضني البدن على فراشه! يتحير فيه

الأطباء الذين لا يعرفون إلا أمراض الطبائع ، فإن هذا المرض من علم الأرواح ، فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح ، بل هو أعظم وأوسع وعجائبه أبهر ، وآياته أعجب ، فإن هذا الهيكل الإنساني إذا فارقته الروح أصبح كالخشبة ، أو القطعة من اللحم ، فالعين هي هذه الروح التي هي من أمر الله تعالى

الحسد هو خلق ذميم ، ومعناه تمني زوال النعمة عن المحسود ، والسعي في إضراره حسب الإمكان وهو داء دفين في النفس وهو الخلق الذي ذم الله به اليهود بقوله تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ (109) } البقرة

لأنهم يسعون في التشكيك وإيقاع الريب ، وإلقاء الشبهات حتى يحصلوا على ما يريدونه من صد المسلمين عن الإسلام

الإصابة بالعين

الإصابة بالعين إما أن تكون من عين إنسية أو عين من الجن ، فالجن يصيبون بالعين كإصابة الإنس أو أشد فقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

{يتعوذ من عين الجان وعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سواهما}[84]

وعن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال {استرقوا لها ، فإن بها النظرة }[85]

يعني من الجن ، يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح , قال صلى الله عليه وسلم

{ العين حق يحضر بها الشيطان وحسد بن آدم } [86]

فالشيطان يحضرها بالإعجاب بالشيء وحسد ابن آدم بغفلة عن الله فيحدث في المنظور علة يكون النظر بالعين سببها

يسمى عند القراء الرقاة بشيطـان العيـن

فالإنسان الحاسد العائن الحاقد يكون مصحوبا بالشياطين ، إذ يجدونه

بغيتهم وضالتهم ومن خلاله يتسلطون على المحسودين ، فهم عند خروج أسهم الحسد من العائن يرونها فيقترنون بها ويدخلون في بدن المعيون من خلالها ويتسلطون على جسد المحسود بما تطلبته عين الحاسد ، لأن العين في هذه الحالة تكون لشيطان الحسد ، وقد يكون الشيطان مربوطاً بهذه العين ولا يمكن إخراجه إلا بعد أن تنفك العين عن المعيون بالرقية أو بالاغتسال من أثر المعيون ، وهذا لا يعني أن جميع حالات الحسد تكون مصحوبة بشيطان ولكن في بعض الحالات [87]

العائن وأثر عينه في المعيون

العائن وهو الذي يصيب ويؤذي بعينه وأثر ذلك في المعيون الذي أصابه الأذى من العائن

قال تعالى { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ (51)}  القلم  والمقصود بذلك هنا اليهود ، لأنهـم لـم يتوقعوا أن تكون الرسالة في العرب , وكذلك ما قصه القرآن لنا في قصة يوسف وأخوته لما أمرهم أبوهم بالذهاب إلى مصر والبحث عن يوسف في قوله تعالى { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ(67) } يوسف

فيعقوب عليه السلام كان لديه أحد عشر ولداً وهم جميلوا الصورة والهيئة والبنية فخشي عليهم من الحسد إن هم دخلوا من باب واحد ، لذا أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة وما كان يغني عنه هذا الفعل إن أراد الله بهم شيء ولكن هو تحرز واحتياط

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا}[88]

أسماء بنت عميس ، قالت قلت:

{ يا رسول الله ! إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم ؟ فقال :  نعم فلو كان شئ يسبق القضاء لسبقته العين}[89]

وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس

{ما لـي أرى أجسام بني أخي ضارعة نحيفة تصيبهم الحاجة ؟ قالت لا ، و لكن العين تسرع إليهم ، فقال أرقيهم }[90]

بعد ذكر هذه الأدلة الثابتة الصحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم بأن للعين تأثير على الغير ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الإنسان , فلولا أن أعين شر لم يتعوذ منها , ولو لم يكن الأمر كذلك , لما أمرنا الله أن نستعيذ بالله من شـر الحساد فمنهم حساد عائنين , ولما أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نستعيذ من كل ذي شر وحـاسد , فللحسد والـعين إذاً تأثير لما ورد من النصوص فيها , فقد تكون العين سببا لـذهاب النعمة بأمر الله ، وسببا للمرض ، وسببـاً للـموت ، وأسبابـاً كثيرة جداً , وليس معنى ذلك أن كل أمر يحدث في حياتنا ممـا قـدر الله حدوثـه يكـون من العين أومن الحسد كما يعتقد البعض ، فالأمـر ليس كذلك بالطبـع بالرغم من ورود نصوص تعظم من شأن العين فكـل هذه الأدلة تعني أن العين مؤثرة في الإنسان والحيوان والجماد وغيره من كل ما كان في مسمي النعمة والعطاء الذي يعطيه الله لعباده ،سواء

لحكمة يريدها المولى سبحانه وتعالى أو نقمة [91]

ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام ، فإنه أمر مشاهد محسوس ، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها ، وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها ، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بيناً ، ولهذا أمر الله رسوله أن يستعيذ بالله من شره ، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكر ، وهو أصل الإصابة بالعين ، فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل  المحسود ، فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى التي تؤثر بالنظرة في إسقاط الجنين أو في طمس البصر

وعين الإنسان قد تؤثر بمجرد الرؤية من غير اتصال به ،سواء لشدة

خبث تلك النفس ، وكيفيتها الخبيثة المؤثرة ، أو لشدة إعجابها

والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية ، بل التأثير يكون تارة بالاتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل ، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ، بل قد يكون أعمى ، فيوصف له الشيء ، فتؤثر نفسه فيه ، وإن لم يره ، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية ، فنظرهم سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة

 فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه ، أثرت فيه ، ولا بد ، وإن صادفته

حذراً متحصن بالأذكار فلا منفذ فيه لسهام لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على صاحبها ، وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء ، فهذا من النفوس والأرواح ، وذلك من الأجسام والأشباح , وأصله من إعجاب العائن بالشيء ، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين ، وقد يعين الرجل نفسه ، وقد يعين بغير إرادته ، بل بطبعه ، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني [92]

وقد تحدث إصابة بعين إنسان لا يقصد الإضرار وليس فيه حسد 

وهذا معناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها علمه , فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى [93]

العين

هي النظرة ينظرها الإنسان لغيره إما:

حقداً وحسداً لزوال النعمة عن المعيون وهذا هو الحسد المذموم ، وهو لا يكون إلا من نفس خبيثة [94]

باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل منه للمنظور  ضرر

لا تصاحب حسد في النفس لكن سببها الإعجاب والنشوة في النفس

لأن الإعجاب والدهشة يكون غالب عليها دون قصد زوال النعمة وهذه قد تحدث من أي أحد حتى من الصالحين علما أن المصدر واحد وهو النظرة [95]

كما حدث لعامر ابن ر بيعة وهو صحابي من صحابة رسول الله فقد {خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه حنى ساروا معه نحو ماء حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الحجفة اغتسل سهل ابن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة  (يعني ولا جلد فتاة مخبّأة في خدرها ) فليط سهل ( أي صرع سهل وزناً ومعنى ) , فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله هل لك في سهل ؟ والله ما يرفع رأسه فقال هل تتهمون به من أحد؟ قالوا نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا عامراً فتغيظ عليه، فقال علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذ رأيت ما يعجبك بركت ثم قال اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم قال يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح ، ففعل به ذلك ، فراح سهل مع الناس ليس به بأس}

وفي رواية فوعك سهل مكانه واشتد وعكه ، وفيه: ألا بركت إن العين حق، توضأ له ، فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس [96]

فهذا صحابي وقد أصابته عين صحابي أخر لم يقصد أن يضره ولكن لما رأى من بياض الصحابي دهش وتعجب ولم يكن يعلم أن هذا قـد يسبب لأخيه الصحابي كل هذا الضرر بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه في حينه تعليماً له وتوجيهاً للأمة من بعده

تبين مما مر معنا أن الإصابة بالعين قد تكون عن عمد بقصد الأذى كالتي تكون من حاسد , وكما تكون من عدو حاقد

وقد تكون بغير عمد , لا قصد للأذى فيها كالتي تكون بسبب الإعجاب والتي قد يحدث منها الأذى فيما يخصه كماله أو ولده

لذا يمكننا أن نقسم العين على حسب نفسية صاحبها إلى :

العين المعجبة [97]

 إن النفس إذا ما أفرطت في الإعجاب بنعمة من النعم أثرت فيها وأفسدتها بإذن الله تعالى ما لم يُبَرِك صاحبها كعين عامر بن ربيعة وإصابتها سهل بن حنيف

فإن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، إذا لم يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة [98]

العين الحاسدة

تخرج العين من نفس حاسدة خبيثة ، خبيث صاحبها ، وهي في الأصل تتمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود , والتي كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم منها { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك }[99]

فبينت هذه الرقية شر عين الحاسد , إذا نظر , نظرة من قد تكيفت نفسه الخبيثة ، واحتدت , فصارت نفساً غضبية خبيثة حاسدة أثرت بها تلك النظرة فأثرت في المحسود

العين القاتله ( السمية )

 تخرج العين من العائن إلى المراد إعانته بقصد الضرر

قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {إن العين لتولع الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا (الجبل)، ثم يتردى منـه }[100]

معنى الحديث أن الإنسان قد يرتقي إلى جبل عالي ثم يسقط من فوقه بسب دخول عين الغير فيه

وقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

{ العين حق تستنزل الحالق } [101]

أي العين تسقط وتهدم الجبل العالي

وقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { أكثر من يموت من أمتي بعـد

قضاء الله وقدره بالعين }[102]وفي رواية { بالنفس أي العين }[103]

وقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين }[104]

أي العين تقتل الرجل فيدفن في القبر وتصيب الجمل فيشرف على الموت فيذبحه مالكه ويطبخه في القدر

كالتي تخرج من العائن الذي استدعته قريش ليعين النبي صلى الله عليه وسلم لكن الله حفظ نبيه

وقد حكى بعض الإخوان أن من المعينين من يريد السفر على الطائرة أو الحافلة فيعينها ، فتتوقف حتى يتفرغ فيأتي ويتكلم بما يبطل ما بها فتصلح مع بذل العمال ما يستطيعون في إصلاحها ، والحكايات عن أهل العين كثيرة مشهورة [105]

فقد يصاب الإنسان بعين سمية في رأسه فتتلف خلايا مخه فيصاب بالجنون ، أو قد يصاب الإنسان بعين سمية في نفسيته فيجهد من الضيق والحزن والكآبة وتضيق عليه الأرض بما رحبت فمثل هذا يخشى عليه من الانتحار والعياذ بالله , أو تسبب بعض أمراض السرطان أو الجلطة

أو الربو أو الشلل أو العقم أو عدم انتظام الدورة الشهرية للنساء  [106]

حقيقة تأثير العين

أشكل تأثير العين على بعض الناس فقالوا كيف تعمل العين من بُعد حتى يحصل الضرر للمعيون ؟

والجواب أن طبائع الناس تختلف

فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون[107]

أو سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطيه تارة [108]

أو طاقات مشعة مؤثرة عندما يشتد حسدهم ، فتؤثر بضر ما على المحسود ضمن سنن الله الكونية ، وهذا الضر منه ما يسمى بالإصابة بالعين أو الإصابة بالنفس ضمن سنن الله الكونية والأسباب الكونية لا تفعل إلا ضمن دائرة القضاء والقدر [109]  

سواء كان التأثير بالاتصال ، أو بالمقابلة ، أو بالرؤية ، أو بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه

فلا يدرك كيفية اتصالها بالمعيون ، وتأثيرها فيه إلا رب العالمين  

لذا لا نقطع بشيء بعينه مما ذكر , فالكل جائز ,  لكن الذي نقطع به وهو الحق , أن الله يخلق عند نظر العائن إليه , أو إعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة ، وقد يصرفه قبل وقوعه إما بالاستعاذة أو بغيرها ، وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو بالاغتسال أو بغير ذلك [110]

علاج

الحاسد الذي يرسل طاقات مشعة من نفسه أو عينه

إلى محسوده

العلاج علم وعمل

العلم

بأن العائن الذي يضر الآخرين بعينه , والذي متى وقع نظره على شيء أتلفه , بقصد الإضرار من حسد أو لا , سواء كان ذلك من فطرته أو مع العجب والغفلة عن ذكر الله وحضرها الشيطان , أو حضرتها الشياطين حالة خروج أسهم الحسد من عينه أو من نفسه , فهم يرونها فيقترنون بها ويدخلون في بدن المعيون

فسواء نظره الذي يوقع الضرر من فطرته أو من اقتران الشيطان له , فإنه يجب عليه أن يعالج نفسه , فيقومها ويهذبها , حتى لا يحدث بإرادته أضراراً للآخرين , وحتى يخشى أن يصدر من عينه بغير إرادته ضرر للآخرين

العمل

بعد معرفته بما سبق عليه التطبيق العملي لعلاج نفسه على النحو التالي :

أولاً : في حالة حدوث ضرر منه للآخرين سواء بإرادته أو بغير إرادته فعليه : -

1- أن يدفع شرها قبل أن يستحكم ضرر عينه في المعيون بالأدعية

2-  إن استحكم ضرر عينه في المعيون فيتوضأ له ليغتسل به المعيون فيزال الضر

ثانياً : هجر البيئة التي تغريه بالإيذاء

علاج العائن

أولاً : في حالة حدوث ضرر منه للآخرين سواء بإرادته أو بغير إرادته فعليه فعل الآتي

 1-  دفع العائن شر عينه قبل أن يستحكم ضررها في المعيون

 ( قبل الإصابة ) وذلك بالأدعية

وهو إحسان إلى المعين فيقول اللهم بارك عليه ، اللهم بارك له , لقوله صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة , لما عان سهل بن حنيف

{ ألا بركت عليه } [111]

ولقوله صلى الله عليه وسلم

{إذا رأى أحدكم من أخيه , ما يعجبه فليدع له بالبركة}[112]

ولقوله صلى الله عليه وسلم {ما يمنع أحدكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه من نفسه وماله أن يبرك عليه فإن العين حق }[113]

أو يقول اللهم بارك فيه ، أو تبارك الله أحسن الخالقين [114]

أو يأتي بالمشيئة فبها أو بأي دعاء من الأدعية المذكورة ينتهي تأثير عينه فلا يستحكم الضرر في المعيون [115]

وله أن يرقيه برقية جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم

{باسم الله أرقيك ، من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله أرقيك }[116]

عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم {من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه}[117]

فقد لدغ عقرب رجلًا من جلوس النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يا رسول الله أرقيه { فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل }[118]

2 - رفع العائن شر عينه بعد أن استحكم ضررها في المعيون

( بعد الإصابة ) وذلك بوضوئه ليغتسل به المعين

إن شعر بأن بصره قد كان له أثر سيئ , فليتوضأ كما في حديث سهل بن حنيف لما أصابه عامر بن ربيعة والذي بين لنا فيه صلى الله عليه وسلم صفة الوضوء , وكيفية صبه على المعيون عندما أمر عامر بن ربيعة به

فالشرع ورد بالوضوء لهذا الأمر في حديث سهل بن حنيف لما أصيب بالعين عند اغتساله , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائنه أن يتوضأ فقال { توضأ له }[119]

وهذا كان أمراً معلوماً عندهم ، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم ، وظاهر الأمر الوجوب , فعليه بذل الوضوء ولا ينتظر حتى يطلب المعيون ذلك منه [120]

ومتى طلب منه الوضوء ليغتسل منه المعيون فعل ذلك لحديث عائشة قالت :{كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين }  [121]

وخاصة إذا خشي الهلاك فإنه يتعين عليه

وإذا شك إنساناً في إصابته بعين وأُمر أن يغتسل لأخيه أغتسل [122]

وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل وليس في ذلك فتح باب للعداوة والبغضاء وإنما هو عملاً بالحديث , وكل هذا إرضاء لله في إصلاح النفس لله وتبرئتها من إيذاء الآخرين

أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطة فليس له أصل وكذلك الأخذ من أثره , وإنما الوارد غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم [123]

صفة وضوء وغسل العائن وكيفية صبه على المعيون

صفة وضوء العائن عند العلماء , أخذاً بما جاء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة , أن يؤتى بقدح ماء , ولا يوضع القدح في الأرض , فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح , ثم يأخذ منه ماء يغسل وجهه , يأخذ الماء بيده اليمنى , ثم يصبه صب على الوجه , وكذلك باقي أعضائه إنما هو صبه صب , على كل عضو في ذلك الوضوء , في القدح , وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء العادي وغيره , فيأخذ بشماله ماء يغسل به كفه اليمنى , ثم بيمينه ماء يغسل به مرفقه الأيسر , ولا يغسل ما بين المرفقين والكعبين , ثم يغسل قدمه اليمنى , ثم اليسرى على الصفة المتقدمة , أي صب الماء صب فلا يغسل جميعهما , وإنما يصب الماء في طرف قدمه اليمنى من عند أصول أصابعه , واليسرى كذلك , وكل ذلك في القدح , ثم داخلة إزاره وهو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن , أي ما يلي الجسد منه يدخله ويغمسه في القدح ، فإذا استكمل هذا , يقوم الذي في يده القدح , أي يكون القدح أسفل صب الماء على الأعضاء , حتى ينزل فيه الماء المصبوب على العضو , فيصبه على رأس المعين , من ورائه على جميع جسده , ويستغفله بذلك عند صبه عليه ,ثم يكفأ القدح وراءه على ظهر الأرض وبذلك يرجع المعيون لا بأس به [124]

هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ، ومعرفة وجهه من جهة العقل ، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار جميع المعلومات , فلا يرد لكونه لا يعقل معناه , وإن توقف متشرع قلنا له قل الله ورسوله أعلم ، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة أو توقف متفلسفاً ، فالرد عليه أظهر , لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك [125]

وهذا مما لا ينتفع به من أنكره ، أو سخر منه ، أو شك فيه ، أو فعله مجرباً لا يعتقد أن ذلك ينفعه

والمعالجة بهذا والاستغسال ما تشهد له العقول الصحيحة ، وتقر لمناسبته ، لأن الأمر في ذلك من الوحي , أما عن المعنى فإن أثر تلك العين شعلة نار وقعت على جسد المعيون ، ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة , ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ، ولا شيء أرق من العين ، فكأن في غسلها إبطال لعملها ، ولا سيما للأرواح الشيطانية في تلك المواضع , وفيه أيضاً وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذاً ، فتطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء , وهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظر ، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى الدعاء بالبركة وقول ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله والذي هو إحسان إلى المعين ليدفع تلك الكيفية الخبيثة [126]

ثانياً : منع العائن شر عينه للآخرين بهجر البيئة التي تغريه بالإيذاء

العائن الذي يبلغ ضرره للناس ولا يستطيع منع نفسه من إيذاء الخلق , يهجر البيئة التي تغريه بالإيذاء , فيمنع نفسه من مخالطة الناس ليمنع أذاه عن الخلق , فيكون قد حمى الناس من عينه , وحمى نفسه من تحمل آثام ظلمه للآخرين , فإن عيش المرء في وحدة وقد كفى الناس شره أسلم له من مخالطتهم مع تأذيهم منه , وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الناس { رجل معتزل في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره } وفي رواية {رجل يعبد الله في شعب من الشعاب وقد كفى الناس شره } [127]

ويكون منعه نفسه من مخالطة الناس بنفسه , أفضل له من الإجبار عليه , فقد قال الفقهاء إن من عرف بذلك ، حبسه الإمام ، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت ، وهذا هو الصواب قطعاً

وعليه حتى في هجره للبيئة أن يدفع إصابته نقسه أو ماله أو ولده وغيره

بقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله لقوله تعالى في صاحب الجنتين : {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ (39)} الكهف أي هلا إذ أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها ، حمدت الله على ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك ، وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، ولهذا قال بعض السلف من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده  ، فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة وكذا إذا دخل حائطاً من حيطانه [128]

وإذا اشترى دابة أو سيارة ونحوهما يقول

{اللهم أني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها

وشر ما جبلتها عليه } , {وليسم الله عز وجل} ، {وليدع بالبركة}[129]

لقوله صلى الله عليه وسلم {إذا رأى أحدكم من نفسه وماله أومن أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فإن العين حق }[130]

علاجات نبوية لمن أصابته العين

علاج المعيون

المعيون الذي تضرر من إصابة بعين غيره , له علاجات نبوية , كالغسل للمعيون بماء وضوء العائن , أو التعويذات النبوية , نأتي بها بعد معرفة أعراض العين , فكثير من الناس يصابون بالعين وهم لا يعلمون ، لأنهم يجهلون أو ينكرون تأثير العين عليهم

أعـراض العين

إن أعراض العين في الغالب تكون كمرض من الأمراض العضوية إلا أنها لا تستجيب إلى علاج الأطباء ، كأمراض المفاصل والخمول والأرق والحبوب والتقرحات التي تظهر على الجلد والنفور من الأهل والبيت والمجتمع والدراسة ، وبعض الأمراض النفسية والعصبية ، ومن الملاحظ أن الشحوب في الوجه بسبب انحباس الدم عن عروق الوجه والشعور بالضيق والتأوه والتنهد والنسيان والثقل في مؤخرة الرأس والثقل على الأكتاف والوخز في الأطراف يغلب على مرضى العين ، وكذلك الحرارة في البدن والبرودة في الأطراف [131]

وتواجد هذه الأعراض أو بعضها يتوقف على حسب قوة العين وكثرة العائنين

أعراض العين وقت قراءة الرقية على المعيون

كثرة التثاؤب المصحوب بالدموع , أما في غير وقت الرقية فليس التثاؤب بدليل كافٍ على العين

التثاؤب والنعاس والرغبة في النوم بل والنوم العميق

يشعر المعيون بالرغبة بالتمغط كالذي يفعله الإنسان عندما يستيقظ من النوم ، وأحيانا يكون التمغط لعضو واحد كاليد اليمني أو اليد اليسر

قد يحصل للمعيون إغمائة خفيفة

يشعر المعيون بخدر في عامة جسده وربما في إحدى شقيه الأيمن أو الأيسر

يتصبب جسده عرقا خصوصا الجبين ومنطقة الظهر

يحصل للمعيون غثيان أو تقيؤ ( إذا كان على أكل )

يجد المعيون الرغبة في البكاء أحياناً

برودة في الأطراف

زيادة طفيفة بالنبض

حرارة شديدة في البدن

رَمش في العينين

إذا كانت العين مصحوبة بالمس فقد تظهر أعراض العين وأعراض المس في آن واحد ، وقد يكون التثاؤب الشديد المتكرر وقت القراءة الذي يصاحبه صوت مرتفع  من أعراض المس ، وكذلك النوم العميق والله أعلم

أما خروج العين  تخرج العين على شكل تثاؤب ، وعرق ، واستفراغ ، وعلى شكل خروج هواء من الجوف ، وعطاس ، وتكون على شكل كدمة تنزل أو تتنقل حتى تصل إلى منفذ من منافذ الجسد وقد تتقيح فتخرج مع القيح [132]

أولاً: العلاج النبوي بالغسل بماء وضوء العائن إذا علم وبذل وضوئه

في حالة معرفة العائن الذي حدثت منه العين وإصابتهـا بالمعيون , فعلاج المعيون فيما ثبت به حديث سهل بن حنيف ، والذي سبق الإشارة إليه وهو الغسل وبه يرفع ما أصابه من ضر ويمضي بلا بأس

ثانياً : علاج المعيون بالتعويذات والرقى للأعراض المذكورة وغيرها

والوقاية منها

العين مرض من الأمراض وداء من الأدواء ، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم {ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علم ذلك من علم وجهله من جهله } [133]

وفي رواية { ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء }[134]

والوقاية من العين مطلـوبة قبـل وقوعهـا , والعلاج منها بعد وقوعها  مطلوب , فعن سهل بن حنيف قال : {مررنا بسيل ، فدخلت ، فاغتسلت فيه ، فخرجت محموماً ، فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال مروا أبا ثابت يتعوذ ، فقلت يا سيدي ! والرقى صالحة ؟ فقال لا رقية إلا في نفس ، أو حمة أو لدغة} [135]

ولقوله صلى الله عليه وسلم

{استعيذوا بالله تعالى من العين فإن العين حق}[136]

إذا لم يعلم العائن أولم يتمكن من أخذ وضوئه , فانه يجب على المعيون أن يلتزم الأذكار , مع قراءة الفاتحة والمعوذتين والإخلاص ، وآية الكرسي ، والآيتيـن الأخيرتيـن من سورة البقرة وغيرها من آيات القرآن على النحو التالي

بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ(3)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5)اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)} الفاتحة

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(255)} آية الكرسي من سورة البقرة

{ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(284)آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285)لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لَبَتْ(286)}خواتيم سورة البقرة

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(17)} الأنعام

{وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ(14)} التوبة

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57)} يونس

{ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا(82)} الإسراء

{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ (39)} الكهف

{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي(80)} الشعراء

{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ (44)} فصلت

{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ(51)وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(52)} القلم

{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)} الصمد

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2)وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ(3)وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4)وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)} الفلق

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)}الناس

والإكثار من التعوذات النبوية

نحو :{ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق }[137]

ونحو : {أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاورهن بر ولا فاجر ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل ، والنهار ، ومن شر طوارق الليل إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن }[138]

ومنها : {أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون }[139]

ونحو : {أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة }[140]

ومن جرب هذه الدعوات والعوذ ، عرف مقدار منفعتها ، وشدة الحاجة إليها ، وهي تمنع وصول أثر العائن ، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه ، واستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح ، والسلاح بقوة ضاربه [141]

هل تطلب رقية العين وممن تطلب

عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم

{أمر أن يسترقى من العين}[142]

أي يطلب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين أو يرقي هو نفسه

ذكر رقية رد العين

من الرقى التي ترد العين أن يقول بسم الله ، حبس حابس ، وحجر يابس ، وشهاب قابس ، رددت عين العائن عليه ، وعلى أحب الناس إليه ، فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3)ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ(4) } الملك

أو يقال على ماء في إيناء نظيف ويسقى منه ويغتسل به ويقول عبس عابس شهاب قابس ردت العين من المعين اليه وإلى أحب الناس عليه

{ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ(4) } الملك[143]

كتابة الآيات من القرآن للمعيون ليشربها

أو تكتب الآيات من القرآن ، الفاتحة والمعوذتين والإخلاص ، وآية الكرسي ، والآيتيـن الأخيرتيـن من سورة البقرة في إناء نظيف ويغسلها بالماء ثم يشرب منه ويغتسل به [144]

أو يعوذ في الماء أي يقرأ السور والآيات السابقة أو يزيد معها التعويذات وينفث في الماء ثم يعالج بها بالشرب وصب الباقي عليه , وإذا

كانت القراءة في ماء زمزم كان أكمل إن تيسر أو ماء السماء [145]

التعامل مع دواعي الإصابة بالعين

إن من دواعي الإصابة بالعين النعم التي ينعم الله بها على عباده ، فإذا أنعم الله علـى خلقـه وازدادت ثرواتهم أو حسنت أشكالهم أو أعطوا

بما لا يعطى غيرهم حُسدوا من الناس على ما آتاهم الله من فضله

لذا من الوقاية : الاحتراز وستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه , لأن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً ، فقال دسموا نونته [146]، لئلا تصيبه العين [147]

ولذا تُحصن الأولاد , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسـن والحسين فيقول  { أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كـل عيـن لامة}[148]

و{ إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق}[149]

ومما يقي أيضاً من العين الإمساك عن الكلام في الوصف , فيكون على وجه لا كلفة فيه ولا مبالغة [150]

والقيام بجميع الواجبات وترك جميع المحرمات , والالتزام بالأذكار النبوية الصباحية والمسائية ، وهو كل ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم من قيامه إلى منامه ، وكل ذلك متوفر بين يدي المسلمين في كتيبات صغيرة توضع في المحفظة أو الجيب كحصن المسلـم والمطويات الصغيرة جزى الله كل من قدمها خيرا ، والتي جُمع فيها كـل ما يحتاجه المسلم من أذكار سيد الأنام صلى الله عليه وسلم , ولا غنى للمسلم الذي أسلم قلبـه لله وأطاع رسوله إلا أن يقتني هذا الكتيبات أو المطويات التي جمعت فيها هذه الأذكـار الصحيحة الثابتة

ومما يقي المسلم من شر العين عدم الاهتمام بالإصابة بالعين , بل يتوكل على الله ولا يتوقع حصول ذلك ما أ مكن ,  ومن يتوكل على الله فهو حسبه 

دفع شر الحاسد أو العائن أو غيره عن المتعرض لأذاهم

يندفع شر هؤلاء عن المتعرض لأذاهم بعشرة أسباب

السبب الأول : التعوذ بالله من شره والتحصن به واللجوء إليه

وهو المقصود بقول الله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ  مِن شَرِّ مَا خَلَقَ  وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ  وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ  وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الفلق

والله تعالى سميع لاستعاذته عليم بما يستعيذ منه ، فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله يراه ، ويعلم كيده وشره 

 وعلى المستعيذ أن يقبل بقلبه على الدعاء

السبب الثاني : تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه

فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره قال تعالى :

{ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120) } آل عمران

وقال النبي صلى الله عليه وسلم  لعبد الله بن عباس

{ احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك }[151]

فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه , ومن كان الله حافظه وأمامه فممن يخاف ولمن يحذر

السبب الثالث : الصبر على عدوه

 فلا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً فما نصره على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه , فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جنداً وقوة للمبغي عليه المحسود ,  لأنه ما من الذنوب ذنب أسرع عقوبة من البغي

السبب الرابع : التوكل على الله

 فمن يتوكل على الله فهو حسبه , والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم وهو من أقوى الأسباب في ذلك ، فإن الله حسبه أي كافيه ، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش ، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبداً , وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له , وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه ، وبين الضرر الذي يتشفى به منه ، فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً من ذلك وكفاه

السبب الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه

أن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له فلا يلتفت إليه ، ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه , وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره ، فإذا خطر بباله بادر إلى محو ذلك الخاطر والاشتغال بما هو أنفع له وأولى به , وبقى الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضاً , فإن الحسد كالنار ، فإذا لم تجد ما تأكله أكل بعضها بعضاً  وهذا باب عظيم النفع لا يلقاه إلا أصحاب النفوس الشريفة والهمم العالية ، فإنه يرى من أعظم عذاب القلب والروح اشتغاله بعدوه ، وتعلق روحه به ، ولا يرى شيئاً أشد ألماً لروحه من ذلك ، ولا يصدق بهذا إلا النفوس المطمئنة الوادعة اللينة التي رضيت بوكالة الله لها ، وعلمت أن نصره لها خير من انتصارها هي لنفسها فوثقت بالله ، وسكنت إليه ، واطمأنت به وعلمت أن ضمانه حق ووعده صدق وإنه لا أوفى بعهده من الله ، ولا أصدق منه قيلاً فعلمت أن نصره لها أقوى وأثبت وأدوم وأعظم فائدة من نصرها هي لنفسها ، أو نصر مخلوق مثلها لها

السبب السادس : وهو الإقبال على الله والإخلاص له

وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه

قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس أنه قال { فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ(83) } ص

قال تعالى { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (42) } الحجر  

وقال { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99)إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ(100) } النحل وقال في حق الصديق يوسف عليه السلام : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24) } يوسف  فما أعظم سعادة من دخل هذا الحصن , لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به ، ولا ضيعة على من آوى إليه ، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(4)}الجمعة

السبب السابع : تجريد التوبة إلى الله من الذنوب

 على العبد التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه ، فإن الله تعالى يقول { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30)  } الشورى وقال لخير الخلق وهم أصحاب نبيه دونه صلى الله عليه وسلم :{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (165) }آل عمران  فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه ، أو لا يعلمه وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره , وفي الدعاء المشهور :

{ اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم }[152]

فما يحتاج العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه فما سلط عليه مؤذٍ إلا بذنب

فليس للعبد إذا بغى عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح ، وعلامة سعادته أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه فيشتغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه

السبب الثامن : الصدقة والإحسان ما أمكنه

فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد , فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق , وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد , وكانت له فيه العاقبة الحميدة

فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته عليه من الله جُنة واقية وحصن حصين ، فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سبباً لزوالها , ومن أقوى الأسباب حسد الحاسد والعائن فإنه لا يفتر ولا يني ولا يبرد قلبه حتى تزول النعمة عن المحسود , فحينئذ يبرد أنينه وتنطفي ناره , فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها ولا عرضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله وهو كفران النعمة وهو باب إلى كفران المنعم . فالمحسن المتصدق يستخدم جنداً وعسكراً يقاتلون عنه وهو نائم على فراشه

السبب التاسع : الإحسان إلى الحاسد

 وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها ، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله وهو طفي نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه , فكلما ازداد أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً ، وله نصيحة وعليه شفقة قال عز وجل { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35) }فصلت { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ(199)وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(200) } الأعراف وقال { أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(54) } القصص وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي حكى عنه نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ضربه قومه حتى أدموه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول

{ اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون }[153]

كيف جمع في هذه الكلمات من الإحسان , قابل بها إساءتهم العظيمة إليه , أحدها عفوه عنهم والثاني استغفاره لهم والثالث اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون الرابع استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال{اغفر لقومي }

والذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به , معرفة أن لك ذنوباً بينك وبين الله تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لك, ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله ، فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك , فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله هذه المعاملة , فإن الجزاء من جنس العمل فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقاً , فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن ، أو اترك فكما تدين تدان , وكما تفعل مع عباده يفعل معك , فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه

السبب العاشر : التوحيد والفكر في مسبب الأسباب

وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم القائل { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ (17) } الأنعام

{ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ (107) } يونس وقال النبي صلى الله عليه وسلم  لعبد الله بن عباس  رضي الله عنهما { واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك }[154]

فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه , وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله , فإذا أفرد العبد الله بالمخافة أمنه الله من غيره , وخرَّج من قلبه اهتمامه بغيره واشتغاله به وفكره فيه , وتجرد لله محبة وخشية وإنابة وتوكلاً واشتغالاً به عن غيره , والله يتولى حفظه والدفع عنه , فإن الله يدافع عن الذين آمنوا فإن كان مؤمناً فالله يدافع عنه ولا بد وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه , فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع ، وإن مَزج , مُزج له وإن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة كما قال بعض السلف من أقبل على الله بكليته أقبل الله عليه جملة ، ومن أعرض عن الله بكليته أعرض الله عنه جملة ، ومن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة , فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين قال بعض السلف , من خاف الله خافه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء

    فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر وليس له أنفع من التوجه إلى الله وإقباله عليه والخوف منه , ومن خاف غير الله ، وكل إليه وخذل من جهته فمن خاف شيئاً غير الله سلط عليه , فعلى العبد ألا يخاف مع الله غيره ، بل يكون خوفه منه وحده ولا يرجو سواه , بل يرجوه وحده فلا يعلق قلبه بغيره ، ولا يستغيث بسواه ، ولا يرجو إلا إياه ، ومتى علق قلبه بغيره ورجاه خذل من جهته وحرم خيره , هذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً [155]


[1] أبو داود 4903 البيهقي في الشعب 6608 , ضعفه الألباني في الضعيفة 1902 , حسنه محققوا الترغيب 4253

[2] حسن أيوب 79

[3] حنبكة 1/789

[4] زاد المسير 1/131

[5] النسفي 1/64

[6] فتاوى ابن تيمية 10/111

[7] ابن حجر 1/200 

[8] معاني القرآن 2/ 73

[9] زاد المسير 1/131

[10] البخاري 7529

[12] القرطبي 2/71

[13] البخاري6064 , مسلم 2563

[14] ابن حجر 1/200

[15] روح المعاني 30/ 76

 [16]البخاري 7141

[17] ابن القيم

[18] فتاوى ابن تيمية 10/112

[19] ابن القيم

[20] الزواجر لابن حجر الهيتمي مع تصريف

[21] حنبكة 1/790

[22] الترمذي 2325 وقال حسن صحيح , ابن ماجة 4228 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 14

[23] حسنه الألباني في صحيح الترغيب 636 من رواية الطبراني

[24]المسند 6/322 ,  الترمذي 3022 , صححه الألباني في صحيح الترمذي 3/38 

[25] أبو نعيم في الحلية 1/127 والمنذري 2438 قال حديث أبو نعيم أشبه بالصحة وكذا قال الألباني في ضعيف الجامع 3571

[26] البضاوي 4/304 – 306  وحنبكة في المنافسة  مع نصريف

[27] الحاكم وصححه 1/414 ووافقه الذهبي , حسنه الألباني في المشكاة 6021 

[28] البخاري 3887

[29] فتاوى ابن تيمية 10/ 117

[30] ابن ماجة 856 وصحح إسناده في الزوائد , وصححه الألباني في صحيح الترغيب 512

[31] البيهقي 2/358 , صححه الألباني في صحيح الترغيب 512

[32] إغاثة اللهفان 2 / 571 

[33] البغوي 2/28 البضاوي 2/215 –219

[34]  مسلم 1677 كفل يعني نصيب

[35]  مسلم  1017

[36] المسند 5/110المعجم الكبير 2/ 177 , أبو يعلى 13/176 , صححه الألباني في الإرواء 2451

[37] شعب الإيمان 5/275 عن أبي القناد

[38] القرطبي 5/251

[39] من كلام الحسن البصري رحمه الله

[40] شعب الإيمان 6636 , 5 / 273 عن بشر بن الحارث

[41] شعب الإيمان6637 , 5 / 274 عن الأصمعي

[42] ابن القيم

[43] شعب الإيمان 5/275 من قول عبد العزيز بن سليمان الأبرش  

[44] شعب الايمان  127, 2 / 98 عن أبو عثمان  يقول في مواعظه

[45] شعب الإيمان 8221 , 5 / 296 عن حاتم الأصم 

[46] ابن القيم

[47] حنبكة 1/789

[48] زاد المسير 9/276

1  الأحياء 3/192-196

[50] ابن حجر 1/200

[51] من كلام الحسن البصري

[52] مصنف عبدالرزاق 19504  ,10 / 403, شعب الايمان 117 , 2 / 62 , الألباني في السلسلة الصحيحة 3942 قال الحديث ثابت 

[53] كشف الخفاء 2/529 عزاه لأبو نعيم وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير4222  

[54] المسند 5/139 , المجمع 8/223 قال رواه عبد الله ورجاله ثقات وثقهم ابن حبان وللحديث شواهد في الصحيحة 1545(ولا هصر أي ثناه إلى الأرض)

[55] حسنه الترمذي 3876  , صححه الألباني في سنن الترمذي 3876 ,  من قصب يعني به قصب اللؤلؤ

[56] سبق تخريجه في المقدمة

[57] البخاري

[58] ابن القيم

مصنف عبدالرزاق 19504  ,10 / 403, شعب الايمان 117 , 2 / 62 , [59] الألباني في السلسلة الصحيحة 3942 قال الحديث ثابت

[60]  الترمذي وبدل الحسد الشرف 2376وقال حسن صحيح , ضعفه الألباني في الترغيب 1726 , حسنه محققوا الترغيب 4257 وعزاه المنذري لرازين

[61] مالك 2/908 والبخاري 6064

[62] المسند 2/340 , النسائي 31009 ,  ابن حبان 4587 البيهقي 6609 , حسنه الألباني في الترغيب 2886

[63] البزار 2002 , البيهقي في الشعب 8747 , حسنه الألباني في الترغيب 2888

[64] الهيثمي في المجمع 8/78 رواه الطبراني ورجاله ثقات , حسنه الألباني في الترغيب 2887

[65] الهيثمي في المجمع 8/78 رواه أحمد 3/166والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح ,  المنذري قال رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي في اليوم والليلة 863  , ضعفه الألباني في الترغيب 1728 , حسنه محققوا الترغيب 4260

[66] فتاوى ابن تيمية 10/119

[67] لقط اللمرجان

[68] الأحياء 3/ 197

[69] حنبكه مع تصريف1/816

[70] لقط المرجان عزاه للشيخ عبد الخالق العطار

[71] ابن القيم

[72] مسلم 17/34

[73] المسند 3/419 , مصنف أبو شيبة 5/51 , 6/80 , الألباني صححه في مشكاة المصابيح 2413 , صحيح الجامع 74 , حسنه في صحيح الترغيب 1602

[74] المسند 2/181 ,  الترمذي 3528 , صحح إسناده أحمد شاكر 6696 , الألباني حسنه لغيره صحيح الترغيب1601 , صحيح الترمذي 2793

[75] ذكره سماحـة الوالد الشيـخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

[76] شعب الإيمان 2/291/1 , أبو نعيم 5/215 , حسن تجويده الألباني في السلسلة الصحيحة 1453 ,

[77] ابن القيم مع تصريف

[78] ابن القيم

[79] مسلم 14/395

[80] مسلم 14/393

[81] ابن القيم في بدائع الفوائد

[82] القصة ذكرها ابن القيم  الزاد4/174 ,  المناوي  في فتح  القدير 4/ 522 وعزاها لابن عساكر

[83] مسلم 14/448

[84] الترمذي 2058 وحسنه , ابن ماجة 3511 , حسنه الحافظ في الفتح 10/206 , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4563

[85] البخاري 5739 مسلم 14/407

[86] المسند2/439 , صحح إسناده كلاً من المناوي 5744  ومكمل شرح المسند9666 , مسند الشاميين 1/  265 وسكت عنه الحافظ في الفتح 10/210 والمجمع 5/107 قال الهبثمي رواه أخمد ورجاله رجال الصحيح , ضعفه الألباني في الترغيب 2364

[87] لقط المرجان

[88] مسلم 14/396

[89]الترمذي 2059 , ابن ماجة 3510 , , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4560و الصحيحة  1252

[90] مسلم 14/407

[91] لقط المرجان

[92] ذكره ابن القيم في الزاد 4/162 وابن حجر في الفتح 10/ 211

[93] الأحوذي 6/ 187

[94] لقط المرجان

[95] ابن حجر في الفتح

[96] الموطأ 2/938 , ابن ماجة 3509 , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4562

[97] من الملاحظ والمعلوم بالتجربة أن العين المعجبة قليلا ما تكون مصحوبة بالمس أما العين الحاسدة والسمية كثيراً ما تكون مصحوبة بالمس والله أعلم

  لقط المرجان

[98] ابن حجر

[99] مسلم 14/393

[100] المسند 5/146 , السلسة الصحيحة 889

[101] المسند 1/274 والحاكم 4/215 , الطبراني في الكبير 12/184 , وحسنه المناوي 5745 , حسنه الألباني في السلسة الصحيحة 1250 ,  أحمد شاكر 2478

[102] يستنبط من حديث أكثر من يموت من أمتي والرواية الأخرى أكثر هلاك أمتي :

أن العين تصيب أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من بقية الأمم الأخرى

أكثر موتى المسلمين يموتون بسبب العين ، وهذا يعني أن أكثر من 50%  ممن يموت من المسلمين , سواء كان سبب هلكهم حادث سيارة أو سقوط طائرة أو بسبب مرض معروف أو بسبب مرض غير معروف , هو في الأصل من بعد قضاء الله وقدره بسبب العين كما يستفاد من هذا الحديث أن الكثير من الأمراض العضوية والنفسية والعصبية التي يعجز الأطباء عن معرفة سببها وطريقة علاجها هي من أثر العين ، فما دون الموت أحرى بوقوعه

لقط المرجان

[103] السنة لأبي عاصم 311 , حسن إسناده  الحافظ في الفتح 10/214 وحسنه المناوي 1385 , كنز العمال 17662 وعزاه الأثنين لطيالسي (تخ)  والحكيم والبزار 3052  والضياء  , حسن الألباني الأولى في صحيح الجامع 1206 والثانية

[104] حسنه الألباني في الصحيحة 1249 ذكره ابن كثير في تفسيره في آخر آية في سورة القلم 

[105] ذكره سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين في الحسد في موقعه

[106] لقط المرجان

[107] ابن حجر في الفتح 10/ 211

 

[108] ابن القيم في الزاد

[109] حنبكة 1/801

[110] ابن حجر في الفتح 10/ 211

[111] الموطأ 2/938 , ابن ماجة 3509 , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4562

[112] ابن ماجة 3509 صححه الألباني صحيح ابن ماجة 3509  

[113] المجمع 5/108 قال رجال أحمد 3/447رجال الصحيح , صححه الألباني في الكلم الطيب  

[114] حكاه الهيثمي عن بعض أهل العلم عمن يعجبه الشيء المجمع 5/109 

[115] ولقوله صلى الله عليه وسلم {من رأى شيئا فأعجبه ، فقال ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ،لم تضره العين}

كشف الخفاء 2/100 عزاه للبزار وابن السني , والشوكاني نيل الأوتار باب الرقية من العين , أما رواية الكلم الطيب فقد ضعف إسناده الألباني 178

وفي رواية {فقال ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، لم يضره }

 قاله ابن القيم نقله عنه الشوكاني بتصريف منه في نيل الأوتار ونقله ابن حجر في الفتح 10/ 215 مع تصريف وسكت عنه

[116] مسلم 14/393

[117] مسلم 2199

[118] المسند 3/382 , البيهقي في السنن الكبرى 9/ 348 , صححه الألباني في الصحيحة 472

[119] الموطأ 2/938 , ابن ماجة 3509ا , صحح إسناده الألباني في المشكاة 4562

[120] الأحوذي 6/87 مع تصريف

[121] البيهقي 9/351  , أبو داوود 3880  , الألباني صحح إسناده في صحيح أبو داوود 3286 , والصحيحة 2522

[122] انظر المعنى في فتاوى اللجنة الدائمة  1/177

[123] قاله الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الفتاوى الإسلامية 4/473   

 

[124] النووي 14/395 مع جمعي لرويات الزهري

[125] نقله ابن حجر في الفتح 10/ 215 عن المازري وابن العربي وكذا الأحوذي 6/187

[126] ابن القيم

[127] البخاري 2786مسلم 1888 شعب من الشعاب أي وادي بين جبلين

[128] ذكره ابن كثير عند شرح الآية

 [129]ابن ماجة 1918 , الحاكم 2/185 وصححه , آداب الزفاف  21,19 , الألباني حسنه في صحيح بن ماجة 1825

[130] الحاكم 4/215 وصححه ووافقه الذهبي , صححه الألباني في صحيح الجامع 556 , 

[131] لقط المرجان

[132] لقط المرجان

[133] المسند 1/413 , صححه أحمد شاكر 3922 ,

[134]  ابن ماجة 3438 قال في الزوائد إسناد صحيح ورجاله ثقات , صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 3439

[135] أبو داود 3888 المسند16021 , الحاكم 4/413 وصححه ووافقه الذهبي السنن الكبرى 6/256  , ضعف إسناده الألباني في سنن أبي داوود 3888 ,  أبا ثابت هو نفسه سهل بن حنيف راوي الحديث و الذي أصيب بالعين

[136] الحاكم 4/215 وصححه ووافقه الذهبي , صححه الألباني في الصحيحة 737

[137] مسلم 17/34

[138]المسند 3/419 , مصنف أبو شيبة 5/51 , 6/80 , الألباني صححه في مشكاة المصابيح 2413 , صحيح الجامع 74 , حسنه في صحيح الترغيب 1602

[139] المسند 2/181, الترمذي 3528 , صحح إسناده أحمد شاكر 6696 , الألباني حسنه لغيره صحيح الترغيب1601 , صحيح الترمذي 2793

[140] بلفظ عام  للرواية التي صححها الألباني في صحيح الترمذي1683 , الترمذي 2060, وبهذا اللفظ العام صححها الألباني في الروض 439

[141] الزاد  4/ 168 

[142] البخاري 5738

[143] الزاد4/174  الرقية مع إختلاف بعض الألفاظ  , المناوي  4/ 522 وعزاها لابن عساكر ,  كشف الخفاء 2/ 100وعزاه للديلمي عن أنس رفعه في شفاء العين الصائبة

[144] كتابة الأيات وغسلها بالماء وشربها نقله ابن القيم عن ابن غباس وأحمد مجاهد وأبو قلابة  في الزاد 4/170 وابن تيمبة 19/64

[145] الروضة الندية

[146] قال الخطابي في  غريب الحديث  عن أحمد بن يحيى أراد : سودوا ذلك الموضع من ذقنه ، ليرد العين

روي عن علي بن أبي طالب أنه قال {أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالجماجم ( الخشبة التي تكون في رأسها سكة الحرث ) أن تنصب أي تنصب في الزروع قيل من أجل ماذا قال من أجل العين} ذكره المناوي

ولعل هذا من باب جذب النظر فتنصب فيه شحنة العين المعجبة أو الحاسدة قبل أن تعاين النعم

وهناك فرق بين أخذ الحذر بهذا الأسلوب وما بفعل بعض العامة وهم يقولون للحاسد إذا نظر إليهم : الخمس على عينيك ، ويشيرون بالأصابع الخمسة ، وهذا غلط بين إذ المراد بالخمس هي آيات سورة الفلق إذ كلها خمس آيات

[147] ذكره البغوي في كتاب  شرح السنة 13/116  ثم قال في تفسيره ومعنى دسموا نونته أي سودوا نونته ، والنونة النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير

[148] الترمذي 2060 , الألباني صححه في صحيح الترمذي1683

[149] أحمد شاكر صحح إسناده 2112 , الألباني صححه في  صحيح ابن ماجة 2841 

[150] ذكر وتذكير ص41

[151] الترمذي 2 /309 , صححه الألباني في صحيح الترمذي  2043

[152] صحيح الأدب 551 , البخاري في الأدب المفرد 1/250 , أبو يعلى 1/60 , صححه الألباني في صحيح الجامع 3731

[153] البخاري   3477 ,  مسلم 12/361

[154] الترمذي 2 /309 , صححه الألباني في صحيح الترمذي  2043 

[155] ابن القيم بدائع الفوائد 2/374

 

 

 

ماذا أفعل في هذه الأمور

الحاسد العائن الصحبة الشوق السلوك الغضب العصيان الكذب القطيعة الزوج العقوق القيامة

 الحاسد العائن الصحبة الشوق السلوك الغضب العصيان الكذب القطيعة الزوج العقوق القيامة



نسأل الله أن يحفَظَ بلادَ المسلمين من كلِّ سوء وأن يعيذَنا من الشرّ والفساد وأن يمنحَنا الاستقامة والثباتَ على الحقّ وأن يعيذنا من زوال نعمته ومن تحوُّل عافيته ومن فُجاءة نقمته وأن يهديَ ضالّ المسلمين ويبصِّر جاهلَهم ويوقِظ غافلهم ويدلَّهم على الخير والهدى إنّه على كل شيء قدير  نسأل الله أن يرفعَ البلاء عن أمّة الإسلام وأن يرزقَهم العودةَ إلى شرع الله ليُخلِّصوا أنفسَهم من هذه الأباطيل والضلالات إنّه لا مخلِّصَ لهم من المخدرات وسائر المنكرات إلاّ رجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله  فعليها تنصلح القلوب وتجد الهداية من علام الغيوب وتجد السعادة بزوال الكروب