|
||
|
كتاب علاج المقدمة الحمد لله الذي أنزل القرآن {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(4)} فصلت والصلاة والسلام على من قال الله فيه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(28)} سبأ أما بعد فالله تعالى جعل في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم البشرى بالفلاح في الدنيا والآخرة لمن أراد أن يهتدي بهديه , والإنذار بالحسرة والخسارة في الدنيا والآخرة لمن أصر على المعاصي فقد وجدت في عملي كمرشد ديني مع من تعاطى المخدرات أن كثيراً منهم يريد العودة إلى الله , لكنه قد يحتاج إلى من يعينه على التفقه في أمور دينه , وعندما وجدوا ذلك تعافى الكثير منهم وتخطوا العقبة التي يقفون عندها , وهي الخوف من مواجهة المجتمع بعد تلقي برنامج يعين على العودة إلى الله , والتخلص من السلوكيات الإدمانية التي اكتسبوها من التعاطي , فوجهتهم إلى أهمية السعي لنيل محبة الله التي فيها علاج السلوك والمخاوف وذلك من خلال حمل أنفسهم على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية[1] كما هو التعريف بعلم السلوك الإسلامي ثم فكرت في كتابتها ليستفيد منها كل من وقع في التعاطي , وكذلك يستفيد منها كل معالج يتعامل مع العائدين إلى الله كتبها / عبد القادر بن محمد بن حسن أبو طالب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فإن حال الكثير ممن وقعوا في الإدمان , عندما يترك التائب منهم المخدرات أو المعاصي عموماً , ويكون في تعافيه صادق فعلاً مع الله وتائب توبة نصوحة ويريد أن ينصلح حاله , يسأل دائماً 1- كيف يصلح سلوكه؟ فإن المخدرات تركت في نفسه آثارها السيئة من المعاصي المركبة 2- كيف ينصلح له المجتمع الذي ينظر له على أنه سكير وفاسق فإنه يخاف من تلك النظرة أن تسبب له انتكاسة 3- كيف يكسب آخرته ؟ فمثل هذا الأخ العائد إلى الله والذي يريد صلاح دنياه وآخرته , يتحقق سعيه هذا بإذن الله , عندما ينال محبة الله له , والتي هي غاية أعم من محبته هو لله , فإن محبته لله واجبة عليه , وعندما ينال محبة الله له , فذلك هو فلاحه في الدنيا والآخرة إذا نال الإنسان محبة الله له , فقد فلح في الدنيا والآخرة فلاح الدنياأولاً : تتوجه جوارح العبد وتصرفاته كلها لطاعة الله , وفي هذا صلاح سلوك العبد ثانياً : يجد القبول من المجتمع وصلاح العبد وقبوله في المجتمع , هو حماية الله له من الدنيا فلاح الآخرةمن استحق محبة الله صلحت أُخراه يوم القيامة1 - يكون على منابر من نور ووجهه يشع نور وثيابه نور 2 - يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله 3 - لا يخاف إذا خاف الناس ولا يحزن إذا حزن الناس في الجنة يعطى المنزلة الرفيعة في جنات النعيم , فيكون من سكان الغرف وهذا مما يجعل العبد يجتهد في نفسه ويبذل كل ما في وسعه ويقبل على الله بهمة عالية , طمعاً في نيل محبته لصلاح الدنيا والآخرة إذا نال الإنسان محبة الله له فقد بُشر بالآتي صلاح سلوكه , قبول المجتمع له أولاً : صلاح سلوك العبد إذا نال العبد محبة الله له , تتجه تصرفاته كلها لمرضاة الله لأن جوارح العبد وتصرفاته كلها تتوجه لطاعة لله يقول تعالى في الحديث القدسي : { ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه}[2] سلوكيات العبد تتغير كلها طاعة لله , عندما ينال العبد محبة الله له , وذلك عندما يتقرب إلى الله بالنوافل , فيجد أن ثمرة هذه المحبة , هي معونة الله المصاحبة لسمعه وبصره ويده ومشيه وسائر جوارحه سمع العبد الذي كان يسمع به الغناء والكلام في المعاصي ( مخدرات ، زنى , لواط ) يجده لا يألف هذه الأشياء , لا يألف إلا سماع القرآن , شريط ديني , سير صحابة , قصص التائبين , كلام طيب يرضي الله , سماع ما ينفعه في الدنيا والآخرة { سمعه الذي يسمع به} السمع هنا تسخر لطاعة الله , فلا يسمع إلا ما يحل استماعه , ولا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضي الله يتغير الإصغاء للهو بسمعه , فلا يسمع إلا ذكر الله , ولا يتلذذ إلا بتلاوة كتابه , ولا يأنس إلا بمناجاته بصر العبد الذي كان يبحث عن الوجوه المسفرة للنساء , ويتقلب في مناظر الفحش في أفلام الخليعة ومجلات المجون , يتغير البصر ليُغض عن كل هذا , حتى يخشى العبد , أن يقع بصره دون إرادته , على شيء يغضب الله بصره يتصرف لطاعة الله , فلا يوقعه في الحرام , بل يألف النظر في المصحف { بصره الذي يبصر به } البصر هنا تسخر لطاعة الله , فلا يرى ببصره إلا ما أمر الله به , والله يحفظ بصره من النظر إلى ما نهى عنه , البصر تجده يُستعمل في النظر إلى نعم الله , نظر الشاكرين , ويبتعد عن رؤية المحرمات ولا ينظر إلا في عجائب ملكوته يد العبد التي كانت تمد للحرام , تمد لأخذ المخدرات أو لأخذ ثمن المخدرات , تمد للبطش فيما لا يحل له يتغير حاله , فتمد اليد لإعطاء المحتاج , تمد اليد لأخذ رسالة وكتيب يفقهه في دينه ويقربه إلى ربه { يده التي يبطش بها } اليد هنا تسخرت لطاعة الله , فيحفظه الله في يده , فلا يستعملها في إيذاء الخلق , ولا يمد يده إلا فيما فيه رضا الله رِجل العبد التي كانت تأخذه للبحث عن بائع للمخدرات أو للبحث عن زبائن يروج لهم , أو تسوقه إلى البلاد التي فيها الفحش والدعارة , يتغير مشيه , لتحمله رجله إلى المساجد للصلوات ، تحمله لحضور محاضرة دينية , تحمله لصلة رحمه , تحمله لزيارة أخ في الله , تحمله في سفر لحج أو عمرة { ورجله التي يمشي بها } المشي هنا يتغير من السعي للباطل برجله , ويُسخر لطاعة الله في السعي للخير والابتعاد عن الشر وفي رواية{ وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به }[3] قلبه ينصلح ليكون مضغة ينصلح معه الجسد كله , بعد أن كان قلبه مضغة مفسدة للجسد كله بأمراض الشهوات يتخلص هذا القلب من هذه الأمراض ليتقي الله , ولا يعقل إلا طاعته , يتغير فيكون قلب تقي نقي{ وفؤاده الذي يعقل به} لسانه الذي كان ينطق بكل شيء يكبه في النار , يتغير فلا ينطق إلا بالخير أو يصمت , يترطب بذكر الله , ويسهل الذكر ويخف في لسانه تصرف اللسان لطاعة الله { ولسانه الذي يتكلم به } بل ويصبح مجاب الدعوة { وإن سألني لأعطينه } بعدما كان العبد يدعو ولا يستجاب له , لأن مطعمه كان من حرام ومشربه كان من حرام وملبسه كان من حرام , أي غذي بالحرام , فأنى يستجاب له يتغير ليكون مجاب الدعوة , مجرد أن يسأل الله , يجد الله قد أعطاه سؤله يحفظه الله من الشياطين , ومن كل الشرور والآثام إذا استعاذ بالله من ذلك , أو من أي شيء { ولئن استعاذني لأعيذنه } قد كان يقع في المعصية ويقول الشيطان قوي وأنه ضعيف , تجده تغير , ليكون في حصن حصين , في حماية الله , في أمنه وأمانه من كل مؤذي , شيطان كان أو إنسان أو غير ذلك وفي رواية {وإذا استنصرني نصرته}[4] الله ينصره ولا يخذله , تتغير أحواله , يطلب النصر من الله والله ينصره بعدما كان يستنصر بالخلق , أو يستنصر بقواه , ماله أو جاهه أو ظلمه وجبروته وكثيراً ما كان يخذل {وإذا استنصرني نصرته} فمحبة الله للعبد حفظه في حواسه وجعله مشغول بالله , والله يجعل له مقاصده , كأنه ينالها بحواسه , فالله يحفظ له هذه الحواس , وهذا يدل على نصرة الله لعبده وتأييده وإعانته , ويدل على توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء , وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله والشاهد من هذا الحديث أن كل جوارح العبد تُصرف لطاعة الله , وهذا معناه أن كل سلوكيات العبد تنصلح , ويصبح ملاحظاً بعناية الله ورعايته ومن أوليائه الأعمال التي ينال بها العبد محبة الله لهينال العبد محبة الله له بالنوافل , وهي الزيادة في العبادات على الفرائض والتي بها تنصلح أحواله النوافل هي كل عبادة ليست واجبة الإتيان بها , وذلك بعد أن يكون العبد قد أدى الفرائض , لقوله تعالى في الحديث القدسي {ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضه عليه , وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه 00000000 الحديث } [5] فإذا أدى العبد الفرائض ودوام على الإتيان بالنوافل التي يتقرب بها إلى الله , أفضى ذلك إلى محبة الله تعالى له من النوافل التي ينال بها العبد محبة اللهالنوافل في الصلاة مثلاً , تكون النوافل التي يتقرب بها العبد إلى الله هي السنن , فالصلاة الزائدة عن الصلوات الخمس , كالسنن الرواتب وصلاة الضحى والوتر وقيام الليل وتحية المسجد والنوافل المطلقة وغيرها النوافل في الصيام كل صيام يصومه العبد غير فرض رمضان , كصيام الأيام البيض وثلاث أيام من كل شهر وصيام ست من شوال وصيام الاثنين والخميس والعشرة من ذي الحجة وعرفة وعاشورا النوافل في الزكاة إن كان قادر , تكون بالصدقات والإنفاق في أبواب الخير كإعطاء محتاج وكفالة أيتام وكفالة أرامل وبناء مساجد وغير ذلك النوافل في الحج والعمرة ما زاد عن حجة الفرض وعمرة الفرض الأذكار من النوافل التي ليست فرض على العبد ويأتي بها تقرباً إلى الله كالأذكار التي تختم بها الصلوات وأذكار الصباح والمساء وقبل النوم وعند القيام من النوم وعند دخول البيت والخروج منه وعند ركوب السيارة والأذكار في الأوقات والأحوال المختلفة طلب العلم الشرعي من النوافل وهو أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه وغير ذلك من العبادات الزائدة عما أفترض الله على عباده فعندما يجاهد العبد نفسه في طاعة الله , ويجتهد في التقرب إلى الله بهذه النوافل , ينال محبة الله له , وإذا نال محبة الله له انصلح سلوكه وليس شرط أن يأتي بكل هذه النوافل حتى ينال محبة الله له , لكن يبذل العبد جهده في تحصيل ما يستطيع أن يستمر عليه من التقرب بالنوافل ، المهم المداومة , أي الاستمرارية في التقرب والإتيان بهذه الطاعة لنص الحديث { لا يزال عبدي يتقرب} فالمقصود بهذه اللفظة الاستمرارية ولقوله صلى الله عليه وسلم : { أحب الأعمال إلى الله تعالى ما داوم عليه صاحبه }[6] فالعبد يتقي الله ما استطاع , وبمشيئة الله وتوفيقه يجد نفسه مع الوقت أن باستطاعته أن يأتي بكل هذه العبادات وبكل سهولة , لأنه يحمل نفسه على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية ثانياً: عندما ينال الإنسان محبة الله له يجد القبول من المجتمع يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : { إن الله عز و جل إذا أحب عبداً دعا جبريل عليه السلام : يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإن الله عز وجل إذا أبغض عبداً دعا جبريل , يا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه ، فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه ، فيبغضه أهل السماء ، ثم توضع له البغضاء في الأرض}[7] والقبول الرضا بالشيء وميل النفس إليه , والمراد قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه , فوضع القبول له في الأرض أعم من المحبة لأن المحبة قد يجدها العبد عند أناس يحبهم ويحبونه , أما القبول فيجده ممن ليس له بهم صلة ولا يربطه بهم علاقة , فبذكره عند أحدهم يجد الثناء بالقول مثلاًَ فلان صادق فلان أمين فلان خيّر وغير ذلك من الصفات الطيبة ويوقره ويعظمه , فكيف يكون حال العبد عند أهل الطاعة والصلاح , وهكذا يجد العبد عند المجتمع القبول لأن الله قد أحبه فجعل له القبول في الأرض , فلا يكون في خاطره خوف من نظرة المجتمع له عكس الذي يبغضه الله فإنه يوضع له البغضاء فتجد أقرب الناس إليه أولاده , زوجته التي هو ولي نعمتها بدلاً من أن يثنوا عليه أو يذكرونه بالخير يذكرونه بسوئه وفساده , لماذا يقولون عنه ذلك ؟ لماذا بغضوه ؟ لأن الله بغضه قبلهم لفجوره وتمرده وكثرة شره , فوضع له البغضاء في أهل الأرض فتبغضه البشرية كلها أبوه وأمه يشعران أنه السبب في تباعد الأقرباء عنهما وكأنه بيّن للناس أنهما لم يحسنا تربيته فيبغضانه , ثم يقول أبي يبغضني أمي تبغضني ويعاملان إخواني معاملة طيبة ، لما هذا البغض ؟ لأن الله بغضه قبلهم بفعله ومعاصيه التي استوجبت له غضب الله عليه , فوضع له البغضاء في أهل الأرض والشاهد معنا أن العبد عندما ينال محبة الله له يقبله المجتمع بالرضا وميل النفس والقلب إليه فالعبد عليه أن يسعى بكل طاقته وهمته في استرضاء الله , والله يرضيه , وعليه مع التماسه لرضا الله أن يحذر سخطه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن العبد يلتمس مرضاة الله ، فلا يزال كذلك , فيقول الله يا جبريل إن عبدي فلانا يلتمس أن يرضيني فرضائي عليه ، فيقول جبريل رحمة الله على فلان ، وتقول حملة العرش ويقول الذين يلونهم حتى يقوله أهل السماوات السبع ثم يهبط إلى الأرض ، فقال رسول الله وهي الآية التي أنزل الله عليكم في كتابه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا (96)}مريم وإن العبد ليلتمس سخط الله فيقول يا جبريل إن فلانا يسخطني ألا وإن غضبي عليه فيقول جبريل غضب الله على فلان ويقول حملة العرش ويقول من دونهم حتى يقوله أهل السماوات السبع ثم يهبط إلى الأرض} [8] مما سبق تبين أن نظرة المجتمع للفرد بالقبول أو الرفض ناتجة لأعماله , فإن كانت أعماله صالحة وجد الرضا والقبول من المجتمع , وأن كانت أعماله غير صالحة وجد من المجتمع السخط والبغض فنظرة البغض لأصحاب المعاصي ليست سيئة من المجتمع , بل هي نظرة شرعية لتكون زجراً لأصحاب المعاصي , فيعودوا إلى صوابهم إن كان فيهم خير وحريصون على أن يكونوا من أفراده , فهي علاج بالضغط الجماعي , وقد أمر الله بهذا العلاج منذ الصدر الأول للإسلام عندما أمر المجتمع الإسلامي كله بمقاطعة الثلاثة الذين خلفوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك , وكانت مقاطعة تامة من المجتمع كله بما فيه الأهل والأقرباء حتى أن أحدهم يلقي السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر هل تحركت شفتاه بالرد فلم يجدها تحركت , ولما صدقوا مع الله في توبتهم قبل الله توبتهم وأمر المجتمع أن يقبلهم [9] فنظرة المجتمع إلى أهل المعاصي نظرة إيجابية في حقيقة الأمر , تجعل من كان فيه خير يسعى إلى إصلاح نفسه حتى يغير نظرة المجتمع هذه فيه ومن الخطأ من الناحية الشرعية أن يقال مثلاً إن المجتمع لا يتفهم طبيعة مرض الإدمان لأنه مجتمع مغلق , فصاحب هذه الأفكار عليه أن ينفتح من انغلاق أفكاره ليتفهم طبيعة المجتمع الإسلامي الذي هو فيه , فللأسف هذه الأفكار حجبت التقدم في علاج الإدمان فترة طويلة وبالتالي حجبت التقدم في علاج وإصلاح المرء نفسه لأنها جعلت من أراد ترك المخدرات أو ترك المعاصي ينتظر أن ينصلح له الآخرين ويتقبلوه على أفكاره ومعاصيه فلم يجد ذلك , ولأن نظرة المجتمع شرعية في حقيقة أمرها أمام أصحاب المعاصي فالمجتمع لا يجد له عذر على معاصيه ولم يقبل هذه الأفكار التي تقول بطبيعة المرض , فلم ينصلح له المجتمع وبالتالي لم ينصلح هو حتى أدرك أنه لابد من إصلاح نفسه حتى ينصلح له المجتمع وأنه لن ينصلح إذا انتظر صلاح الآخرين له بل يجب عليه هو أن يصلح نفسه حتى يغير للمجتمع النظرة فيه {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ٍ(11)} الرعد هذه النظرة التي هي نظرة إيجابية لمن كان فيه ذرة خير سوف ينصلح حاله حتى ينصلح له المجتمع وهي التي من تفهمها أنصلح حاله وأنصلح له المجتمع والتي كانت لها طفرة في العلاج في السنوات الأخيرة وهذه بعض القصص لمن تركوا المعاصي لله وأخلصوا التوبة لله وصدقوا معه وتقربوا إليه بالزيادة في العبادات وخاصة العلم الشرعي , فأصلح الله أحوالهم وأصلح لهم المجتمع , بل أصلح لهم الأجيال وجعل النفع بهم على قرابة ثلاثمائة عام بعد الألف وحتى الآن ونحن نذكرهم ليكونوا قدوتنا ومثلنا الأعلى زاذان أبو عُمَر الكِنْديّ مولاهم ، الكوفي البزَّاز الضرير , الإمام المحدث أحد العلماء الكبار ، كان صاحب لهو وطرب كان زاذان غلاما حسنَ الصوت ، جيد الضرب بالطُّنْبُور [10]وكان مرة يعزف له رفقائه وهو في وسطهم يغني , فمرَّ بهم عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل فلما رأى حالهم تفرقوا عنه وصاحوا به فدخل ابن مسعود فضربَ الباطِيَةَ [11] ، بدَّدَها وكسر الطُّنبور ، ثم أمسك بزاذان وهزه ثم قال: لو كان ما يُسمَعُ مِن حُسنِ صوتِكَ يا غلامُ بقراءة القرآن كنت أنت , أنت , يعني كنت أنت المرتفع شأنه عند ربه وكنت أنت المقرب إلى ربه في جناته , ثم مضى عبد الله بن مسعود فالتفت زاذان إلى من بقى من أصحابه وسألهم من هذا ؟ قالوا له هذا عبد الله بن مسعود قال عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له نعم فألقى في نفسه التَّوْبة ، فبكى زاذان ومضى يبكي حتى صاح بعبد الله بن مسعود فوقف له , فأخذ بثوبه ووقف بين يديه وقال تُبت والله مما أفعل قد حاربت ربي , تُبت والله مما أفعل فبكى عبد الله بن مسعود واعتنَقَه وقال مرحباً بمَن أحبَّه الله ، مرحباً بمَن أحبَّه الله ، اجلس , ثم دخل وأخرج له تمراً و لازم زاذان الكندي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتعلم منه الحديث والقراءة وأصبح بعد ذلك إماماً محدثاً بعد ما كان موسيقيا , ًبعد ما كان مطرباً مغنياً , بعدما كان سكيراً ، تعلم القرآن وأصبح إماما ًفي العلم ومن أئمة الزهد رُوي أنه قال يوما ً: إني جائع ، فسقط عليه رغيفٌ مثل الرَّحا مات سنة اثنتين وثمانين [12] قصة زازان هذه أقرب ما يكون لحال الواقعين في الإدمان ( سكر وغُُنى ودق عود ) لكنه ترك كل هذا بتوبة نصوحة صدق فيها مع الله لم يفكر في قبول المجتمع له أو أن نظرة المجتمع لم تتغير اتجاهه كمغني سكير فاسق ومثل هذا التفكير الذي يعوق التوبة وربما يؤدي إلى انتكاسة , ولكن كان المهم عنده أنه حارب الله بالمعاصي ولابد له من استرضاء ربه والالتزام بطاعته , فرضى الله عنه وأرضى عنه مجتمع عصره ومجتمع العصور من بعده حتى إننا نذكره بعد أكثر من ثلاثمائة عاماً وألف لنثني عليه ونقتاد به القعنبي هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي من رجال الحديث الثقات من أهل المدينة روى عنه البخاري ومسلم كان يشرب النبيذ ويصحب الأحداث [13] فدعاهم يوماً وقد قعد على الباب ينتظرهم , فمر شعبة بن الحجاج على حماره والناس خلفه يهرعون , فقال: من هذا ؟ قيل شعبة . قال : و من شعبة ؟ قالوا محدث , فقام إليه وعليه إزار أحمر فقال له : حدثني فقال له ما أنت من أصحاب الحديث فأحدثك , فأشهر سكينة وقال: تحدثني أو أجرحك ؟ فقال له :حدثنا منصور عن رِبّعيّ عن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إذا لم تستحي فاصنع ما شئت } [14] قال استحييت ورمى سكينه ورجع إلى منزله , فقام إلى جميع ما كان عنده من الشراب فهراقه , وقال يا أماه : الساعة أصحابي يجيئون فأدخليهم وقدِّمي الطعام إليهم , فإذا أكلوا فخبريهم بما صنعت بالشراب حتى ينصرفوا , ومضى وقته إلى المدينة , فلزم مالك بن أنس فأثر عنه ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة , فما سمع منه غير هذا الحديث أصله من المدينة وسكن البصرة ومات بمكة قيل عنه ما وجدنا أحد يحدث لله إلا القعنبي كان مجاب الدعوات وعُدّ من الأبدال [15] ما كتب عن أحد أجل منه كان عابداً فاضلاً ثلاثين سنة يسمع لمالك , قرأ مالك عليه نصف الموطأ وقرأ هو على مالك النصف الباقي لم يرى أخشع منه يقول عنه أحد العلماء حدثني القعنبي عن مالك وهو والله عندي خير من مالك كان مالك يحدث في مجلسه فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله قدم ابن قعنب قال متى ؟ فَقرُبَ قدومه , فقال مالك : قوموا بنا إلى خير أهل الأرض [16] القعنبي كان في صغره وشبابه يشرب مثل حال كثير ممن وقع في الإدمان , لكن المدمن في شره أثناء التعاطي صعلوك في شر القعنبي قبل توبته ، فالقعنبي كان يصحب الأحداث ويحمل الموسى السكاكين [17] وفي يوم وهو أمام منزله ينتظر أصحابه وجد موكب يمر عليه , فعندما شاهده الفتى المعادي للبشر سأل ما هذا فقيل له شعبة المحدث , فاعترض الموكب بكل فجور وقصد شعبة وقال له حدثني , فحدثه شعبة حديث واحد فقط , استقبله وافق مكان في قلبه تفاعل معه , وهذا ما ينبغي على العبد أن يفعله أن يعطي نفسه فرصة ليتفاعل مع ما يسمعه من وعظ ونصح , من شريط من خطبة من درس من كلام طيب , ويخشى على نفسه من السماع لما فيه الخير وعدم التأثر به خوفاً أن يكون حاله في الاستجابة للشر فقط , القعنبي حديث واحد جعله يستجيب ويعود إلى الله تائب صادق يرجوا رحمة ربه جاد في توبته , رمى بسكينه وأهرق الخمر الذي عنده وترك أهل السوء ومضى إلى الحرم المدني يعبد الله هناك حتى تبدل حاله فأصبح في صلاح وتقوى وتعلم العلم الشرعي حتى أصبح من أهل العلم فلازم الإمام مالك حتى أصبح من أقرب تلامذته , وعلى العبد التائب أن ينظر كيف كان المجتمع يخاف القعنبي ويخشى شره , أصبح المجتمع كله يتقبله ويسيده وينتفعون بعلمه ويستفيدون من زهده وورعه , مع استفادة البشرية منه في زمانه وزمان ما بعده إلى يومنا هذا , وهو إمام جليل روى موطأ مالك والنسخة التي رواها من أشهر نسخ الموطأ الموجودة في عصرنا ونسخته لازال ينتفع بها منذ أكثر من مائتان عاماً وألف فينبغي على العبد العائد إلى الله بعد قراءته لكلام أهل العلم عن القعنبي أن يسعى هو أيضاً بصدق مع الله ويقبل عليه بهمة وإخلاص , يحبه الله ويقبل عليه بقلوب البشر , فينصلح له المجتمع ويتقبله دون أن يبذل مجهود في السعي لذلك لأن الله إذا رضا عنه فسوف يرضي عنه المجتمع يُعرفه أهل العلم فيقولون : فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي , أبو علي الزاهد ، أحد صلحاء الدنيا وعبادها ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد مدينة بخراسان ، سكن بمكة ومات بها كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق بين ابيورد وسرخس , وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ(1)}الحديد فلما سمعها قال بلى يا رب قد آن , فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها سابلة , فقال بعضهم نرتحل وقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيل على الطريق يقطع علينا , قال ففكرت قلت أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين يخافونني هاهنا وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع , اللهم إني قد تُبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام وقدم الكوفة وهو كبير فسمع الحديث ثم تعبد وانتقل إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومائة وكان ثقة نبيلاً فاضلا ًعابداً ورعا كثير الحديث قال عنه العلماء : أورع الناس فضيل بن عياض ما بقي على ظهر الأرض أفضل من فضيل ما رأينا في العلماء أهيب من مالك ولا أورع من الفضيل لم يزل لكل قوم حجة في زمانهم وأن فضيل بن عياض حجة لأهل زمانه عشرة كانوا يأكلون الحلال لا يدخل بطونهم غيره ولو استفوا التراب فذكره فيهم الفضيل صدق الله فأجرى الله الحكمة على لسانه فالفضيل ممن نفعه علمه ما بقي في الحجاز أحد من الأبدال إلا فضيل بن عياض وقال خادم الفضيل ما رأيت أحداً كان الله في صدره أعظم من الفضيل كان إذا ذكر الله عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه فبكى حتى يرحمه من بحضرته ما رأينا أحدا كان أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل وكان صدوق اللسان شديد الهيبة للحديث إذا حدث يوم مات الفضيل بن عياض قيل ذهب الحزن اليوم من الأرض أقام بالبيت الحرام مجاوراً مع الجهد الشديد والورع الدائم والخوف الوافر والبكاء الكثير والتخلي بالوحدة ورفض الناس والدنيا إلى أن مات [18] بماذا عَرَّف العلماء الفضيل ؟ بالزاهد . مَن الذي يطلق عليه زاهد ؟ العلماء . وشهدوا له أنه أحد علماء الدنيا , شهادة من أهل العلم بأنه أحد علماء الدنيا , لفظه لا تطلق بسهولة , وليس أحد علماء عصره فقط . بل أحد علماء الدنيا وماذا ؟ وعبادها . لما ترك المعاصي وصدق مع الله , مجتمع أهل العلم سموه أحد علماء الدنيا وعبادها كان يقطع الطريق بين أهل المشرق والجزيرة وكان من شره الناس تخشاه من قبل الشروع في السفر مع أنهم لم يكونوا في سيرهم أفراد , لا . يمشون قوافل ، ليس قافلة حتى يشعروا أنهم قادرين على حماية أنفسهم منه , لكن كان صيته وسمعته في الدنيا كلها ومع شره هذا كله وهو يصعد لعشيقته على الجدران فيوافق مسامعه آية يتلوها قارئ أثرت فيه مباشرة قال نعم قد آن , نعم قد آن أن يخشع لله لم يكن الفضيل كحال الكثير ممن يقعون في الإدمان يسمعون القرآن ويسمعون خطب ومواعظ ولا يتأثرون ولا يتفاعلون مع ما يسمعون بل آية واحدة تفاعل معها وكانت سبب هدايته بعدما وجدت هذه الآية مكانة في قلبه وهو راجع إلى خربته التي كان يأوي إليها يسمع في الطريق أصوات ناس يقولون نتم المسير في الصباح ألا تعلمون أن الفضيل على الطريق , فيقول أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم مسلمون يخافوني ؟ مع أن قطاع الطرق لا يعيشون بين الناس إلا بهذه السمعة المخيفة حتى يخافهم الناس , لكن لما تفاعل مع الآية بصدق تغير تعبيره لِلأمور مباشرة , قال قوم من المسلمين يخافوني , على أن هذا لا ينبغي أن يكون ، وردد في نفسه أن ذلك لا يكون من الله إلا زجراً له , وارتدع بالفعل , وعزم لله على التوبة ومجاورة البيت الحرام وأخذ يتعبد لله ثم طلب العلم الشرعي حتى يرضي الله أكثر وأكثر حتى عُرِفَ بعلمه , وعُد من العلماء المعروفين حتى درّس العلوم الشرعية في الحرم المكي وازداد صيته , فطلبه أهل المدينة أن يعطي لحرم المدينة نصيب من علمه , فأخذ يُدرّس العلوم الشرعية نصف العام بمكة ونصف العام الباقي يدرسه بالمدينة حتى لقب بإمام الحرمين , وقل أن تكون مسألة شرعية إلا وله فيها باع , إننا في علومنا الشرعية نأخذها من الأئمة المتبوعين ، أحمد الشافعي مالك أبو حنيفة أما هم من أين أخذوا علومهم ؟ أخذوه من أمثال الفضيل بن عياض ، إمام كالإمام أحمد بن حنبل على قدره في العلم كان إذا ذكره لم يقول قال إمام الحرمين بل كان يقول سيدنا وسيد سيدنا ، نعم سيدنا في العلم لأنه من كبار الأئمة ويكفي كلام الأئمة فيه , بعدما كان قاطع طريق فالعبد العائد إلى الله في زماننا هذا مع ما ارتكبه من شر في معاصيه صعلوك على شر الفضيل قبل توبته , لكن الفضيل صدق مع الله فأصلح الله له مجتمع زمانه والقرون بعده حتى عصرنا ونحن ننتفع بعلمه الذي بلّغهُ ونقتاد بزهده وورعه وخوفه من الله , وبعد قرابة مائتان وخمسون عاماً وألف أو أكثر نذكر ماضيه ليس للإساءة به ولكن لنقتاد به , نأتي به ليكون المثل الأعلى لكل من وقع في معاصي , ونقول له أيها العبد العائد إلى الله لا تخاف من نظرة المجتمع ولكن أقبل على الله وأحسن الظن في أن الله سوف يصلح لك المجتمع مادمت صادق مع الله , وابذل ما في وسعك لتعلُم العلوم الشرعية فهي ترفع من قدر الناس , الفضيل كان يجهل قدر الله عليه فعصاه , ولما علم قدر الله وأطاعه كان يأتيه في بيته من ؟ خليفة المسلمين هارون الرشيد , لماذا ؟ يقول له ذكرني بالله هذا هو هدي الشريعة الإسلامية فَلْيُنْظَر إلى التغيير الذي فعله الدين في مثل هذه الشخصيات التي كانت على قدر عالي جداً من العداء للمجتمع ، وأي عداء للمجتمع أكثر ممن يهجم على القوافل فيغتصب أموالهم أو يقتلهم إن منعوه من ذلك , أو يقود الأحداث لقهر الناس بالسلاح كما يريد هو , وبالالتزام بهذا الدين تغيرت هذه النفوس لتصبح من أكثر الناس لتوصيل الهداية للبشر وتصبح أتقى وأرق القلوب في خشية الله , من قيل عنه أصلح وأعبد أهل الدنيا أسأل بالله أي منهج آخر غيّر في نفوس بشر وحولها من شخصيات عدائية للمجتمع إلى شخصيات من أعظم من فادت البشرية بهدي الشريعة الإسلامية هذا التغير لعله يلفت نظر من يقول أن قاطع الطريق لا ينظر له المجتمع بأنه عدائي ، لأن في المجتمع من ينبهر به ويتمنوا أن يكونوا مثله فَلْيُعْلَم أن الحسن هو ما أستحسنه الشرع ولو كرهه كثير من الناس والقبيح ما أستقبحه الشرع ولو أستحسنه كثير من الناس وإن تتبع أكثر من في الأرض يضلونك عن سبيل الله لكن إن شاء الله بعد قراءة هذه الرسالة يتضح أنه لا يوجد شيء مهما سمي من مسميات في العلوم الدنيوية التي وضعها البشر , يغير نفوس البشر إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة إلا الشريعة الإسلامية لأنها من عند الله الذي خلق النفس ويعلم صلاحها وهذه بعض حكم الفضيل من ساء خُلقه شان دينه وحسبه ومروءته أكذب الناس العائد في ذنبه وأعلم الناس بالله أخوفهم لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله عنهما إن أصحاب هذه القصص وغيرهم ممن تابوا وصلحت توبتهم وأتبعوها بالأعمال الصالحة جعل الله لهم مكانة في قلوب الناس يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا (9)}مريم يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية ، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة والصريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [19] قال صلى الله عليه وسلم : {إذا أحب الله عبداً نادى جبريل : إني قد أحببت فلاناً فأحبه ، فينادي في السماء ، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا (96)}مريم } [20] يوضع له المحبة وميل قلوب الناس إليه لكونه مطيعا لله محبا له , ومحبة العباد له اعتقادهم فيه الخير وإرادتهم دفع الشر عنه ما أمكن ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم قال ابن عباس : الود من المسلمين في الدنيا ومن الله الرزق الحسن واللسان الصادق فهؤلاء أصحاب القصص التي ذكرناها عندما تابوا توبة نصوحة وأتبعوها بأعمال صالحة وصدقوا مع الله وأخلصوا له , رزقهم الله أفضل الأرزاق ميراث الأنبياء العلم الشرعي , الحكمة , ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً فمنحهم الله اللسان الصادق ليعلموها للناس قال عثمان بن عفان : ما من عبد يعمل خيراً أو شراً إلا كساه الله عزوجل رداء عمله وهذا تبشير للمتقين أي المستجيبين لله ، وإنذار للفجار المعوجين عن الحق المائلين إلى الباطل الذين لا يستقيمون , ألم يقل الله تعالى : { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا(97)} مريم وفي ذلك تبشير للعبد إذا صلحت أحواله وصلح له المجتمع فقد صلحت دنياه , ويجد نفسه بعيد عن المعاصي ويقوى قلبه بالإيمان لأنه سوف يشعر بطعم الإيمان وحلاوته لأن غايته نيل محبة الله , ويكون الله ورسوله أحب إليه من كل شيء , وحبه لغيره يكون حب في الله , ويكره العودة إلى المعصية كما يكره أن يرمى به في النار وكيف لا تنصلح دنياه والله تعالى حاميه منها لأنه يحبه , ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله عزوجل ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه ، كما تحمون مريضكم } [21] ومن حماية الله للعبد إبعاده عن أهل السوء وتقريبه بأهل الصلاح وجعل علاقاته بهم محبة في الله , هذه العلاقات التي توجب له أيضاً محبة الله ، أي ينال محبة الله بعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين مثل الجلسات والمحبات والزيارات والعطاءات والتناصح والصحبة والتناصر والتواصل , لأن هذه العلاقات إذا بُنِيت على معصية فأصحابها على أثم وإن بُنِيت على مصالح دنيوية فليس لأصحابها شيء أما إذا بُنِيت على محبة الله أي ابتغاء وجه الله وتقربا ًلله , استحق أهلها محبة الله يقول صلى الله عليه وسلم : عن ربه تبارك وتعالى: {حقت محبتي على المتحابين في ،وحقت محبتي للمتجالسين في ، وحقت محبتي على المتزاورين في ، وحقت محبتي على المتباذلين في} [22] من استحق محبة الله صلحت أُخراه أولاً : الفلاح يوم القيامة 1- يكون على منابر من نور ووجهه يشع نور وثيابه نور 2 - يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله 3 - لا يخاف إذا خاف الناس 4 - لا يحزن إذا حزن الناس ثانياً : الفلاح في الجنة المنزلة الرفيعة غرف كالكواكب , غرف من زبرجد فوق عمد من لؤلؤ أولاً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى قالوا : يا رسول الله تخبرنا من هم ؟ قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها ، فو الله إن وجوههم لنور ، وإنهم على نور : لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)} يونس} [23] 1- لو تأمل العبد حال المحشر يوم القيامة لعلم مدى هذا التنعيم الذي ينعم به من وجبت له محبة الله يوم القيامة , تعطى الشمس حر عشر سنين وتقترب من رؤوس الخلائق حتى تكون على ارتفاع ميل فينصهر الناس في عرقهم من شدة حرها , ومع ذلك من نال محبة الله لا تضره الشمس ولا يشعر بها أصلاً لأن الله يظله بظله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} [24] 2- الناس في حر هذه الشمس وضيق المحشر, ولا يجد إنسان إلا موضع قدمه غارقين في عرقهم , عرق تشرب منه الأرض ثم يكون على وجهها كالسيل لو سيرت فيه السفن لسارت , ومع ذلك هو على منابر من نور لا يشعر بهذا الماء الغارق فيه الناس 3- يكون الناس في كرب عظيم وخوف مما ترى وتجد من هذه الأهوال فيتمنى الرجل أن ينتهي من هذا الموقف ولو بالدخول إلى النار يفضل النار عن هذا الكرب , والذي نال محبة الله لا يخاف مما يخاف منه الناس لأنه منعم على كراسي من ذهب , منابر من نور منابر يراه الخلائق أجمعين ووجهه نور , وعليه ثياب من نور عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس بوجهه فقال : {يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله فقال أعرابي : يا رسول الله انعتهم لنا ؟ جلهم لنا ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الأعرابي ، قال : هم ناس من أفناء الناس ( ممن لا يعلم من هم) ونوازع القبائل ( الغرباء ) لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله عز وجل وتصافوا ، يضع الله عز وجل لهم منابر من نور ليجلسهم عليها ، فيجعل وجههم نوراً وثيابهم نوراً ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون ، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [25] 4- في المحن الشديدة والناس يحزنون لا يحزن من نال محبة الله ( أ ) عندما تنصب الموازين فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هي ناراً حامية فعند ذلك من خف ميزانه يحزن لأنه خسر الآخرة كما خسر الدنيا ومن نال محبة الله لا يحزن لأنه من أهل النعيم من أولياء الله فهو ممن ثقلت موازينه ( ب ) عندما تفرق الصحف فمن أخذ كتابه بيمينه فقد فلح ومن أخذ كتابه بشماله يحزن لأنه خسر الآخرة كما خسر الدنيا ومن نال محبة الله لا يحزن لأنه من أهل النعيم من أولياء الله فهو ممن يأخذ كتابه بيمينه ( ج ) عند عبور الصراط على جهنم ناس يمرون كالبرق وناس يمرون كالريح وناس يمرون كلمح البصر وناس يمرون حبواً والكل ناجي وناس تخطفهم الكلاليب المنصوبة على طرفي الجسر [26] تتخطف أهلها وهنا يحزن من تخطفه الكلاليب يحزن لأنه خسر الآخرة كما خسر الدنيا ومن نال محبة الله لا يحزن لأنه من أهل النعيم من أولياء الله فهو من أهل العبور فقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله إن وجوههم لنور ، وإنهم على نور : لا يخافون إذا خاف الناس ، و لا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ الآية { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)} يونس ولا يلزم من غبطة الأنبياء لهم أنهم أفضل منهم عند الله فإن الأنبياء أفضل الخلق وإنما أريد بيان فضلهم وشرفهم وعلو منزلتهم هذا التنعيم يوم القيامة , ثم بعد ذلك جنات النعيم ثانياً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من أحبه الله أدخله الجنة } [27] ويعطى المكانة الرفيعة في جنات النعيم زيادة على نعيم الجنة المنعم به أهل الجنة , فهو يسكن الغرف في الجنة والغرف في الجنة من علو المنزلة فإن أهل الجنة يراها من فوقهم كما نرى نحن الكواكب من فوقنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إن المتحابون في الله لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء ؟ فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز وجل } [28] فعلى الأخ العائد إلى الله أن ينظر إلى حاله بعدما تقرب لله بالنوافل وشعر كيف صلحت دنياه وقد ذاق حلاوة الإيمان وكره أن يعود إلى المعاصي , ثم يقارن بين حاله وحال غيره ممن هو مُصِرْ على معاصيه ولا يريد أن يخرج من دوامة المخدرات , ينظر إلى حاله إن مات على كأس أو جرعة زائدة فساءت خاتمته أليس قد خسر دنياه لأنه عاش فيها حياة ضنك فساءت خاتمته , والأخ العائد إلى الله يشعر بطعم الإيمان في دنياه وفي الآخرة , ومن مات يبعث على ما مات عليه , فمن مات سكراناً يبعث سكراناً , زيادة على أهوال يوم القيامة التي يشعر بها , مثل أهل المحشر , ثم في النار يشرب من طينة الخبال أي عصارة أهل النار الصديد الذي يخرج من فروج المومسات , عذاب نفسي علاوة على عذابه بالنار مثله مثل أصحابها ليتمحص من ذنوبه إن كان مصلي , والعائد إلى الله يتنعم في المحشر ثم يتنعم في الجنة وبعد هذه المقارنة يقل من الفائز من أطاع الله أم من عصاه [1] الإتقان في علوم القرآن 2/230 طبعة دار الكتب العلمية بيروت [2] البخاري 6502 [3] قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ج: 1 ص: 359 أخرجه الطبراني عن عائشة وقال إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات مخرج لهم في الصحيحين [4] أبي يعلى 12/520 , 533 , الطبراني في الكبير 7833 , 7880 [5] البخاري 6502 [6] مسلم 8/280 [7] البخاري 6640 مسلم 16 / 400 [8] المجمع طبعة الدروبش10/335 قال الهيثمي رواه أحمد 5/279 ورجاله رجال الصحيح , وفي 10/481 فال رواه الطبراني في الأوسط 2/ 57 ورجاله رجا ل الصحيح , قال ابن حجر في الفتح 10/477 ويشهد له حديث أبو هريرة أخرجه المصنف (البخاري) في التوحيد ومسلم والبزار , سكت عنه الألباني في المشكاة 2379 [9] القصة مذكورة ضمن حديث البخاري 4418 [10] دقاق عود , موسيقي [11] وعاء الخمر [12] أعلام النبلاء 4/280-281 وتهذيب أعلام النبلاء / 386 [13] يقود البلطجية [14] البخاري 6120 [15] الموطأ 1/بى قال في لسان العرب مادة بدل : الأبدال قوم من الصالحين بهم يُقيم الله الأرض , أربعون بالشام وثلاثون في سائر البلاد [16] تهذيب الكمال 10 / 540 [17] لأنه كان بلطجي ، فتوة , داشر [18] تهذيب الكمال 15/105 ، تهذيب التهذيب 8 / 266 [19] ابن كثير3/147 [20] الأحوذي 3372 وقال الترمذي حسن صحيح , الألباني في السلسلة الضعيفة2208 قال ورد من طرق صحيحة وصححه في سنن الترمذي 3161 [21] المسند 6/594 , الحاكم 4/208 وصححه و وافقه الذهبي , صححه الألباني في صحيح ا الترغيب 3179 [22] مالك 2 / 953 , صححه الألباني في الشكاة 5011 [23] أبو داود 3527 , صححه الألباني في صحيح أبو داود 3012 , حسنه الأرناؤوط في جامع الاصول 6 / 553 [24] مسلم 16 / 339 [25] المسند 5 / 343 صححه الألباني في صحيح الترغيب 3023 , 3027 [26] الكلاليب مثل المعول الذي يرفع به اللحم من القدر مثل سنارة صيد الأسماك لكنها ضخمة تتناسب مع أهل النار [27] الطبراني في الكبير 3990 المجمع 9/181 الحاكم 3/166 وصححه , أحمد شاكر صحح إسناد الرواية المختصرة 7863 [28] المسند 3/87 , المجمع 10 / 423 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
|
ماذا أفعل في هذه الأمور
|
|