نسأل الله أن يحفَظَ بلادَ المسلمين من كلِّ سوء وأن يعيذَنا من الشرّ والفساد وأن يمنحَنا الاستقامة والثباتَ على الحقّ وأن يعيذنا من زوال نعمته ومن تحوُّل عافيته ومن فُجاءة نقمته وأن يهديَ ضالّ المسلمين ويبصِّر جاهلَهم ويوقِظ غافلهم ويدلَّهم على الخير والهدى إنّه على كل شيء قدير  نسأل الله أن يرفعَ البلاء عن أمّة الإسلام وأن يرزقَهم العودةَ إلى شرع الله ليُخلِّصوا أنفسَهم من هذه الأباطيل والضلالات إنّه لا مخلِّصَ لهم من المخدرات وسائر المنكرات إلاّ رجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله  فعليها تنصلح القلوب وتجد الهداية من علام الغيوب وتجد السعادة بزوال الكروب   


ماذا أفعل في هذه الأمور

الحاسد العائن الصحبة الشوق السلوك الغضب العصيان الكذب القطيعة الزوج العقوق القيامة

 الحاسد العائن الصحبة الشوق السلوك الغضب العصيان الكذب القطيعة الزوج العقوق القيامة

 

 

 

قصة نوح عليه السلام

قصة نوح عليه السلام 1

قصة نوح عليه السلام2

هو نوح بن لامك بن مَتُّوشلَخ بن خنوخ ـ وهو إدريس ـ بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام

كان مولد نوح بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة

وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. [1])

والقرن مائة سنة فيكون بينهما ألف سنة كانوا فيها على الإسلام ( [2])

ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأوثان (الأصنام)

وكان سبب ذلك أنه كان قوماً صالحين بين آدم ونوح وأسمائهم ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر، أولاد آدم، وكان ود أكبرهم وأبرهم به

وكانوا رجال صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، ففعلوا وصوروهم. فلم تعبد، فلما ماتوا وجاء آخرون وانتسخ العلم دب إليهم إبليس فقال إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر. فعبدوهم (  [3] )

وكانت الأبناء تبر الآباء، فبموت الرجل منهم يجزع عليه ابنه ولا يصبر عنه؛ فيخذ تمثالا على صورته فكلما اشتاق إليه نظر إليه ثم مات ففعل به كما فعل حتى تتابعوا على ذلك فمات الآباء، فقال الأبناء، ما أتخذ آباؤنا هذه إلا أنها كانت آلهتهم، فعبدوها

وكان أول ما عبد غير الله الصنم الذي سموه وداً.

ووداً كان رجلاً صالحاً، وكان محبباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم. فصور لهم مثله، قال: فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم. قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به. قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به. قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلٰهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم، في أول أرض عبد فيها غير الله تعالى.

وكل صنم من هذه عبده طائفة من الناس. ولما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل. ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جداً

ولما انتشر الفساد في الأرض، وعم البلاد بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام وكان سنه يوم بعث ، ثلاثمائة وخمسين سنة (  [4]) ، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه.

فنوح عليه السلام أول رسول بعث إلى أهل الأرض، بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر ، فبعثه الله رحمة للعباد وكان قومه يقال لهم بنو راسب (  [5] )

ولما بعث الله نوحاً عليه السلام، دعاهم إلى إفراد عبادة الله وحده لا شريك له، وألا يعبدوا معه صنماً ولا تمثالاً ولا طاغوتاً وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إلٰه غيره ولا رب سواه

قال نوح لقومه: {ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (الأعراف: 59) وقال: { لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) } (هود: 26) وقال: {يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } (المؤمنون: 23) وقال: { يٰقَوْمِ إِنّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (2) أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)} (نوح)

فدعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار، والسر والإجهار، بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وكل هذا لم ينجح فيهم، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأوثان. ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به، وتوعدهم بالرجم والإخراج، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم.

{قَالَ ٱلْمَلاَ مِن قَوْمِهِ } أي السادة الكبراء منهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } (الأعراف).

{قَالَ يَـٰقَوْمِ لَيْسَ بِى ضَلَـٰلَةٌ وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } (الأعراف: 61 ) أي لست كما تزعمون من أني ضال، بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين الذي يقول للشيء كن فيكون {أُبَلّغُكُمْ رِسَـٰلـٰتِ رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62) } (الأعراف).

وكان بليغاً، فصيحاً ناصحاً، أعلم الناس بالله عز وجل.

فقالوا له {وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْى وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَـٰذِبِينَ } (هود: 27).

تعجبوا أن يكون بشراً رسولاً، وتنقصوا من اتبعه , ورأوهم أراذلهم.

وقد قيل: إنهم كانوا من أفناد الناس، وهم ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وما ذلك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق.

وقولهم: {بَادِىَ ٱلرَّأْى } أي بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية ولا فكر ولا نظر، بل يجب إتباعه والانقياد له متى ظهر.

وقال كفرة قوم نوح له ولمن آمن به: {وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } أي لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان ولا مرية علينا وقالوا { بَلْ نَظُنُّكُمْ كَـٰذِبِينَ  (27) }(هود).

فقَالَ لهم نوح وهو يتلطف في الخطاب معهم، ويترفق بهم في الدعوة إلى الحق ( [6] )

يقول لهم:{أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَءاتَانِى رَحْمَةً مّنْ عِندِهِ } أي النبوة والرسالة، {فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ } أي فلم تفهموها ولم تهتدوا إليها،{أَنُلْزِمُكُمُوهَا } أي أنغصبكم بها ونجبركم عليها، {وَأَنتُمْ لَهَا كَـٰرِهُونَ }؟ (هود: 28) أي ليس فيكم حيلة والحالة هذه. {وَيٰقَوْمِ لآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } (هود: 29) أي لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، إن أطلب ذلك إلا من الله الذي ثوابه خير لي، وأبقى مما تعطونني أنتم.

{وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنّى مَلَكٌ} بل أنا عبد رسول، لا أعلم من علم الله إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلاّ على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله. {وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ } يعني من أتباعه {لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْرًا ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ إِنّى إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } (هود) أي لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم، وسيجازيهم على ما في نفوسهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر،

وكان الملاء قد طلبوا من نوح أن يبعد عنه الضعفاء الذين أمنوا به ، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك فأبى عليهم ذلك وقال: {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبّهِمْ }

فقالوا { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلاْرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّى لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (115) } (الشعراء)

وقد تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم كما قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } (العنكبوت: 14) ومع هذه المدة الطويلة التي دعهم فيها فما آمن إلا القليل منهم.

وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به، ومحاربته ومخالفته. وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه، وصاه فيما بينه وبينه: ألا يؤمن بنوح أبداً ودائماً , ما عاش وما بقي.

وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق، {وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} (نوح).

وقد كانوا يبطشون بنوح فيخنقونه حتى يُغشى عليه، فإذا أفاق قال: ربِّ اغفرْ لقومي فإنّهم لا يعلمون، حتى إذا تمادوا في المعصية واشتدّ عليه منهم البلاء، وانتظر الجيل بعد الجيل فلا يأتي قرن إلاّ كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا مجنوناً ولا يقبلون منه شيئاً ، فشكا إلى الله تعالىٰ فقال: {رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِى إِلاَّ فِرَاراً (6) وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَـٰبِعَهُمْ فِى ءاذٰنِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنّى دَعَوْتُهُمْ جِهَـٰراً (8) ثُمَّ إِنّى أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9) فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ ٱلسَّمَآء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12) مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (14)}

فكانوا يضربونه حتى يسقط فيلفونه ويلقونه في بيته يظنون أنه قد مات فيخرج عليهم في اليوم الثاني ويدعوهم إلى الله عزّ وجلّ.

وأتى إلى نوح شيخاً منهم يتوكّأ على عصى ومعه ابنه فقال: يا بني لا يغرنك هذا الشيخ المجنون، فقال له: يا أبتِ أمكني من العصى فأخذ العصى من أبيه فضرب نوحاً حتى شجّه شجّة منكرة , فلما طال ذلك عليه ورأى الأولاد شراً من الآباء قال رب قد ترى ما يفعل بي عبادك ، فإن تك لك فيهم حاجة فاهدهم ، وإن يك غير ذلك فتحكم فيهم .

وقال القوم لنوح { قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآء وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) } (هود) أي إنما يقدر على ذلك الله عز وجل، فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون. {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) } (هود) أي من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته، هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم، العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ}، {فَلاَ تَبْتَئِسْ}، فلا تحزن، {بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}، فإنّي مهلكهم ومنقذك منهم , تسلية له عما كان منهم إليه

وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، أي لا يسوأنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجيب.

وذلك أن نوحاً عليه السلام لما يئس من صلاحهم وفلاحهم، وعلم من الله أنه لم يؤمن منهم أحد , ورأى أنهم لا خير فيهم، وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق، من فعال ومقال، دعا عليهم دعوة غضب

{قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِىٰ وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً (21) وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً (24) }

{ قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ (117) فَٱفْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (118) } (الشعراء) {قَالَ رَبّ ٱنصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ (26) } (المؤمنون: 26، 39). فلبى الله دعوته وأجاب طلبته قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ (76) } (الصافات).

{وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلاْرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) } (نوح).

فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم.

فعند ذلك أمره الله أن يصنع الفلك، وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها.

وأخبره الله تعالى أنه إذا جاء أمره، وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه؛ فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم،{وَلاَ تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } (هود: 37).

وأمره أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة، فغرسه وانتظره مائة سنة،

ثم نجره في مائة أخرى، ولـم يكن يَعلَـم كيف صنعة الفلك، فأوحي الله إلـيه أن أصنعها علـى مثل أمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك، لنرشدك إلى الصواب في صنعتها فقال له تعالى{وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا }هود 37

وكانت من خشب الساج (  [7]  )

وأمره أن يجعل طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع ( [8]) ، وأن يطلى ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا طائر أزور يشق الماء. وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات كل واحد عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور. وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.

{فَإِذَا جَآء أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } (المؤمنون: 27).

فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحلّ بأسه، أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين ذكر وأنثى.

من الحيوانات، وسائر ما فيه من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي أهل بيته، إلا من سبق عليه القول منهم، أي إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد ، فكان منهم ابنه «يام» ، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد. وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حلّ بهم ما يعانيه من العذاب العظيم، الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد

وجعل الله موعد نزول نقمته ابتدأ نبوع الماء من تنور الخبز على خرق العادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها (  [9] ) فإذا { فارَ ٱلتَّنُّورُ }أي نبع الماء منه وارتفع كالقدر تفور، {قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا }أي في السفينة. {مِن كُلّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ ءامَنَ وَمَآ ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) } (هود)

وأن يحمل معه من آمن به من أمته. قال الله تعالى: {وَمَآ ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } (هود: 40) هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة ليلاً ونهاراً، بضروب المقال، وفنون التلطفات، والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعيد أخرى. مكث نوح عليه السلام في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وغرس مائة سنة الشجر، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها ليجعلها سفينة، وأقبل نوح على عمل الفلك وجعل يهيء عتاد الفلك من الخشب والقار وغير ذلك ويمرون عليه ويسخرون منه، ويقولون : يا نوح قد صرت نجاراً بعد النبوة ويقولون: تعمل سفينة في البر؟ كيف تجري؟ قال: سوف تعلمون.

يقول تعالى {وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ } أي يستهزئون به استبعاداً لوقوع ما توعدهم به، {قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } (هود) نحن الذين نسخر منكم ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم. {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } (هود: 39).

وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضاً أن يكون جاءهم رسول(  [10] )

وعدد من كان مع نوح في السفينة ثمانين نفساً معهم نساؤهم. منهم نوح وبنيه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة «يام» الذي انخذل وانعزل، وتسلل عن طريق النجاة فما عدل إذ عدل.

وأما امرأة نوح واسمها واهلة. كانت على غير دينه، وكانت تقول للناس: إنه مجنون وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة وأسرت النفاق وأظهرت الإيمان، وهي أم أولاده كلهم: وهم حام وسام، ويافث ويام،ويسمى كنعان وهو الذي قد غرق، فقد غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها.

وفعل نوح كما أمره الله تعالى حتى إذا فرغ من صناعة الفلك وقد عهد الله إليه حتى إذا { جَآء أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ فَٱسْلُكْ فِيهَا } (المؤمنون: 27).

، وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه وكان من حجارة لحواء , فلما فار التنور وأخبرته زوجته بفوران الماء من التنور وأمر الله جبرائيل فرفع الكعبة إلى السماء الرابعة , ولما فار التنور حمل نوح من أمره الله بحمله ،

وأول ما دخل الطيور ، وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار. ودخل إبليس متعلقاً بذنب الحمار.

لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى، فكانت أول حمى نزلت في الأرض. ولما وقع الفأر يخرز السفينة بقرضه،

 شكوا الفأرة، فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا. فأوحى الله إلى نوح عليه السلام: أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر فتخبأت الفأرة من السنور , ولما كثر أرواث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل، فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث

قال الله تعالى: {فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ (28) وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ (29) } (المؤمنون).

أمره أن يحمد ربه على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه

وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور: أن يكون على الخير والبركة، وأن تكون عاقبتها محمودة،

وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية وقال: {ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } (هود: 41) أي على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤه. {إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي وذو عقاب أليم، مع كونه غفوراً رحيماً، لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، كما أحل بأهل الأرض الذين كفروا به وعبدوا غيره.

قال تعالى: { فَفَتَحْنَآ أَبْوٰبَ ٱلسَّمَآء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا ٱلاْرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآء عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ (13) } (القمر). والدسر المسامير {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } أي بحفظنا وكلاءتنا وحراستنا ومشاهدتنا لها

فالله تعالى أرسل من السماء مطراً لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده. كان كأفواه القرب، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها. {جَزَآء لّمَن كَانَ كُفِرَ }

 {مّمَّا خَطِيئَـٰتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً (25)}

والمؤمنين في السفينة {إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآء حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ (11) } (الحاقة) أي السفينة {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وٰعِيَةٌ (12) } (الحاقة). {وهي تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ } (هود(

ارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعاً،. وعم جميع الأرض طولها وعرضها ، سهلها وحزنها، وجبالها وقفارها ورمالها، ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف، ولا صغير ولا كبير. وكان أهل ذلك الزمان قد ملأوا السهل والجبل. فلم تكن بقعة في الأرض إلا ولها مالك وحائز.

{وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ يٰبُنَىَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَـٰفِرِينَ قَالَ سَآوِى إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآء قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ (43) } (هود).

وهذا الابن هو «يام» أخو سام وحام ويافث، واسمه كنعان. وكان كافراً عمل عملاً غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه، فهلك من هلك. هذا وقد نجا مع أبيه الأجانب في النسب، لما كانوا موافقين في الدين والمذهب.

وناشد نوح ربه في ولده، في سؤاله له عن غرقه على وجه الاستعلام والاستكشاف.

فقال ربي إنك وعدتني بنجاة أهلي معي وهو منهم وقد غرق؟

فأجيب بأنه ليس من أهلك، أي الذين وعدتك بنجاتهم, {أَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ ءامَنَ } (هود: 40) فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره ولهذا ساقته الأقدار إلى أن إنحاز عن حوزة أهل الإيمان فغرق مع حزبه أهل الكفر والطغيان.

{وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِى مَآءكِ وَيٰسَمَآء أَقْلِعِى وَغِيضَ ٱلْمَآء وَقُضِىَ ٱلاْمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِىّ وَقِيلَ بُعْدًا لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ (44) } (هود).

أي لما فرغ من أهل الأرض، ولم يبق بها أحد ممن عبد غير الله عز وجل، أمر الله الأرض أن تبتلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر، {وَغِيضَ ٱلْمَآء } أي نقص عما كان، {وَقُضِىَ ٱلاْمْرُ } أي وقع بهم الذي كان قد سبق في علمه وقدره؛ من إحلاله بهم ما حل بهم.

{وَقِيلَ بُعْدًا لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ }فنودي عليهم بلسان القدرة: بعداً لهم من الرحمة والمغفرة.

ولم يبق الله أحداً من كفرة العباد؛ استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم، وتنفيذاً لما سبق في القدر المحتوم

وأراد الله أن يكف ذلك الطوفان، فأرسل ريحاً على وجه الأرض، فسكن الماء وانسدت ينابيع الأرض، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر، وكان استواء الفلك

ثم قال تعالى: { يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ 48) } (هود).

هذا أمر لنوح عليه السلام لما نضب الماء عن وجه الأرض، وأمكن السعي فيها والاستقرار عليها، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم على ظهر جبل الجودي، وهو جبل بأرض ( [11] ) الجزيرة مشهور {بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ } (هود) أي اهبط سالماً مباركاً عليك، وعلى أمم ممن سيولد بعد، أي من أولادك، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام

قال تعالى { فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ (64) } (الأعراف).{ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ (73) } (يونس).

وقال تعالى: {وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ (77) } (الأنبياء).

وقال تعالى: {فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَـٰقِينَ (120) إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (122) } (الشعراء).وقال تعالى: {فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَـٰهَآ ءايَةً لّلْعَـٰلَمِينَ (15) } (العنكبوت) وقال: {وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) } (القمر).

وقد استجاب الله تعالى وله الحمد والمنة دعوة نوح ، فلم يبق من الكافرين عين تطرف. وأما نوح قال تعالى:{وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَـٰقِينَ} (الصافات: 77) فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة وهم: سام، وحام، ويافث.

وكان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وأنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً، وإن الله وجه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها إلى الجودي فاستقرت عليه شهراً

ثم رئيت رؤوس الجبال. وفتح نوح غطاء الفلك وأرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء وليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض ثم برز وجه الأرض، وظهر البر.

وكان ركبوبهم في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم. وقد صاموا يومهم ذلك.

ثم بعد ذلك كلم الله تعالى نوحاً قائلاً له: اخرج من الفلك أنت وبنوك ونساء بنيك معك، وجميع الدواب التي معك، ولينموا وليكثروا في الأرض. فخرجوا ، وأخذ من جميع الدواب والطير وعهد الله إليه أن لا يعيد الطوفان على أهل الأرض.

وهبطوا إلى أسفل الجودي ، واتخذ نوح من أرض الجزيرة موضعاً وابتنى قرية سماها ثمانين ، لأن كل واحد ممن معه بنى لنفسه بيتاً ، وكانوا ثمانين رجلاً فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربية. وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.

وقد عاش نوح بعد الطوفان زمن ولما مات قبر عليه السلام بالمسجد الحرام

وولد سام: العرب وفارس والروم. وولد يافث: الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج ولا خير فيهم. وولد حام: القبط والسودان والبربر..

وقد رأى حاماً أباه نائماً وقد بدت عورته فلم يسترها وسترها أخواه، فدعا عليه نوح أن تشوه خلقة نطفته، وأن يكون أولاده عبيداً لإخوته.

فولد له ولد أسود وهو كنعان بن حام جد السودان


[1] البخاري عن ابن عباس

[2] وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } (الإسراء: 17) وقوله: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ (31) } (المؤمنون: 31) وقال تعالى: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذٰلِكَ كَثِيراً } (الفرقان: 38) وقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ } (مريم: 74، 98) وكقوله عليه السلام: «خير القرون قرني». الحديث، فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين، والله أعلم.

[3] وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد

[4] وقيل غير ذلك

[5] قد ذكر الله قصته وما كان من قومه، وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان، وكيف أنجاه وأصحاب السفينة، في غير ما موضع من كتابه العزيز؛ ففي الأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات واقتربت، وأنزل فيه سورة كاملة.

[6] كما قال تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44) } (طه: 44) وقال تعالى: {ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } (النحل: 125) وهذا منه.

[7] وقيل من شجر الصنوبر

[8] وقيل في أطوالها و‘رضها غير ذلك

[9] أوقيل في الهند أو بعين وردة من أرض الجزيرة وقيل التنور وجه الأرض أو أشرف موضع فيها.

[10] كما قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : «يجيء نوح عليه السلام وأمته، فيقول الله عز وجل: هل بلغت»؟ فيقول: نعم أي رب. فيقول لأمته هل بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من شهد لك؟ فيقول محمد وأمته، فتشهد أنه قد بلغ» وهو قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَآء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } (البقرة: 143).

والوسط العدل. فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق، بأن الله قد بعث نوحاً بالحق، وأنزل عليه الحق وأمره به، وأنه بلغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها، ولم يدع شيئاً مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به، ولا شيئاً قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه، وحذرهم منه.

وهكذا شأن جميع الرسل، حتى إنه حذر قومه المسيح الدجال، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانهم؛ حذراً عليهم وشفقة ورحمة بهم.

كما قال البخاري: حدثنا عبدان، حدثنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال سالم قال ابن عمر: قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: «إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه ولكني أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور».

وهذا الحديث في «الصحيحين» أيضاً من حديث شيبان بن عبد الرحمٰن عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمٰن، عن أبي هريرة عن النبي قال: «ألا أحدثكم عن الدجال حديثاً ما حدث به نبي قومه؟ أنه أعور، وأنه يجيء بمثال الجنة والنار والتي يقول عليها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه». لفظ البخاري.

[11] بأرض الموصل

 

مواقع الإيمان لدفع الإدمان

 

 

مواقع الإيمان  | برنامج المصلحين | برنامج المعالجين

مواقع السلوك والإيمان | البرنامج المكثف | البرنامج الممتد